جعل الصراع الذي دام في العراق لأكثر من 35 عاماً البلادَ غيرَ قادرة على تلبية احتياجاتها الهائلة لإعادة الأعمار عبر إيراداتها الحالية من مواردها الهيدروكربونية وحدها؛ مما أفضى ذلك إلى طلب الديون لزيادة تمويل عمليات إعادة الإعمار.

وقد تأثرت النقاشات داخل العراق بشأن ديون البلاد بعدة عوامل، بعضها كانت عبارة عن تصورات للديون كونها نقطة ضعف أو عبئاً للدولة، وهنالك عامل آخر وهو الشعور بالقومية العراقية والنضال ضد الاحتلال الأجنبي الذي يرى الدين مسألة لجعل البلاد رهينة، ويفسح له المجال لإعادة استعمارها في النهاية.

لم يكن العراق يعتمد سابقاً على سياسة الدفع بالآجل أو الديون حتى بداية الحرب العراقية-الإيرانية، إذ كانت البلاد تدفع مقابل السلع والخدمات بنحوٍ مباشر، أي مع افتراض الحد الأدنى من الائتمانات التجارية، في حين أن البلاد خالية تقريباً من القروض الأجنبية باستثناء عدد من القروض التي قدمها الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية آنذاك التي دفع ثمنها عبر تزويدهما بالنفط.

وغيرت الحرب العراقية-الإيرانية كل هذا بعد أن تكبدت الحكومة العراقية ديوناً ضخمة لتمويل حرب دامت ثماني سنوات وفي الوقت نفسه الحفاظ على نظام اشتراكي سخي. وفي وقت لاحق، تكبدت البلاد ديوناً أخرى كانت على شكل تعويضات عن غزو الكويت؛ إذ إن وجود هذه الديون الضخمة لم تكن معلومة من قبل العراقيين خلال سنوات حكم صدام، لكنها بُرزت بنحوٍ كبير خلال السنوات الأولى بعد عام 2003، حينما أُعيدت هيكلية الديون ولكنَّ سرعان ما تُركت بسبب الحرب الأهلية في البلاد. إذ كان التركيز ينصب على سوء إدارة البلاد خلال السنوات اللاحقة.

لقد ساعد توقيع اتفاقية الاستعداد الائتماني لصندوق النقد الدولي في حزيران 2016 على إحياء الحوار الوطني بشأن الديون الذي زاد بعد انتهاء الحرب مع داعش والحاجة الكبيرة للأموال من أجل إعادة الإعمار، وأدت خيبة الأمل  في جمع تبرعات كافية من مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق إلى موجة من التحذيرات في وسائل الإعلام العراقية من قبل السياسيين والاقتصاديين والخبراء بشأن الديون التي تشل البلاد، وتثقل كاهل الأجيال المقبلة، وتجعل البلاد رهينة بيد القوى الأجنبية.

ويهدف هذا البحث إلى توفير الفهم الكافي لديون العراق ونشأتها، وتطوراتها، وحالتها، وتأثيرها على مستقبل التعامل مع التحدي الذي يواجهه في إعادة الإعمار. وليس المقصود أن يكون تحليلاً تفصيلياً متعمقاً لهذه الديون، فضلاً عن أن الارقام المعروضة هي تقريبية لتسهيل الفهم.

لقراءة المزيد اضغط هنا