يرتكز النظام الانتخابي لمجالس المحافظات إلى نظام التمثيل النسبي الذي يمكّن العديد من الأحزاب من الحصول على مقاعد بما يتناسب مع الأصوات التي حصلت عليها؛ مما ينتج مجالس غير مستقرة سياسياً. وفضلاً عن ذلك، فإن كل محافظة هي دائرة انتخابية واحدة، مما يضعف من بُعد المساءلة.

ويحدُّ هذان الجانبان من قدرة مجالس المحافظات على تنفيذ مهامها الدستورية. ومن الممكن أن يوفر نظام الفوز للأكثر أصواتاً “first-past-the-post (FPTP) system” بديلاً؛ لخفضه من عدد الأحزاب الفائزة؛ مما يقلل من الصراعات السياسية، ويرتكز أيضاً إلى الدوائر الانتخابية ذات المقعد الواحد؛ مما يعزز من جانب المساءلة.

وكما هو منصوص عليه في المادة 122/ثانياً من الدستور العراقي: “تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللا مركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون”، وعلى الرغم من عدم تطبيق اللا مركزية بالكامل، فإن مجالس المحافظات ما تزال تؤدي دوراً مهماً ولاسيما من حيث تقديم الخدمات، وترشيح كبار المسؤولين داخل محافظاتهم، وتنفيذ الموازنة.

وتحد الصراعات السياسية داخل مجالس المحافظات من قدرة المجالس على تقديم الخدمات بنحوٍ فعال، وتنفيذ مهام أخرى مقررة بموجب الدستور؛ ويتجسّد ذلك في انخفاض معدلات تنفيذ الموازنة، كما هو مبين في الرسم البياني رقم (1). ويتضح جلياً أن معدل تنفيذ الموازنة في عام 2010 -أي السنة التي أعقبت انتخابات مجالس المحافظات في عام 2009- كان أقل مما كان عليه في عام 2011. ويمكن تفسير ذلك عبر الحقيقة التي تؤكد أن الانتخابات أفرزت عدداً كبيراً من الأحزاب الفائزة التي خاضت مفاوضات مطولة لتشكيل ائتلافات حاكمة قادرة على اختيار المحافظ. ويبدو أن بغداد كانت حالة استثنائية؛ نظراً لأدائها العالي في عام 2010؛ ويعود سبب ذلك إلى أن ائتلاف دولة القانون تحصّل على نسبة كبيرة من المقاعد (28 مقعداً من أصل 55 مقعداً)؛ الأمر الذي مكّنه من الحصول على منصبي المحافظ ورئيس مجلس المحافظة.

ومن ناحية أخرى، تعاني مجالس المحافظات ضعفاً في المساءلة، ويتضح ذلك جلياً في النسب المنخفضة من كشف الذمة المالية، على النحو المبين في الرسم البياني رقم (2).

الرسم البياني رقم (1). معدلات تنفيذ الموازنة من قبل المحافظة:2010 مقارنة مع 2011[1]

1213122

الرسم البياني رقم (2). نسب الكشف عن الذمة المالية من قبل أعضاء مجالس المحافظات في النصف الأول من عام 2017[2]

2212212

وتعزى المشكلات المذكورة آنفاً إلى النظام الانتخابي الحالي القائم على التمثيل النسبي، إذ إنه شجع الصراعات السياسية، وساعد على إضعاف المساءلة. لكن نظام الأغلبية -تحديداً نظام الفوز للأكثر أصواتاً (FPTP)- يمكن أن يقدم بديلاً أفضل؛ لخصائصه المتمثلة في تمكين عدد قليل من الأحزاب للفوز، مما يضمن وجود استقرار سياسي ومساءلة أفضل؛ وهذا يعزز بدوره تقديم الخدمات. وهذا النظام هو أسهل شكل لنظام الأغلبية، حيث إن المرشح الفائز هو الحاصل على أغلبية الأصوات (دون الحاجة إلى الأغلبية المطلقة)، ويستخدم النظام دوائر انتخابية ذات المقعد الواحد ويصوت الناخبون للمرشحين بدلاً من الأحزاب السياسية[3].

وقد يجادل النقاد بأن لدى نظام (FPTP) سلبية تتمثل في تفضيل الأحزاب الكبيرة ولا يقدم تمثيلاً عادلاً للمجاميع العرقية-الطائفية؛ ومع ذلك، فإن التمثيل مضمون على المستوى الوطني (مجلس النواب العراقي)، وإن معظم الأقليات في العراق تتركز في منطقة ديمغرافية معينة، بحيث من الممكن تمثيلهم بدائرة انتخابية ذات المقعد الواحد أو أكثر. وفضلاً عن ذلك من المهم تخفيف تأثير عدم الاستقرار السياسي على مجالس المحافظات من أجل تسهيل تقديم الخدمات، الذي بدوره يعزز من ثقة الشعب، ويحسّن من شرعية الحكومة، ويرسخ علاقات الدولة بالمجتمع.

وترتكز انتخابات البلدية في لبنان إلى نظام الأغلبية على النحو المنصوص عليه في القانون 665 لعام 1997، على الرغم من وجود نظام تمثيل نسبي قائم على القائمة المفتوحة على المستوى الوطني كما هو الحال في العراق، ومع ذلك فإن تقديم الخدمات في لبنان ضعيف بنحوٍ ملحوظ مما أدّى إلى اندلاع تظاهرات غاضبة؛ لنقص الخدمات الأساسية كجمع القمامة في عام 2015؛ ويمكن أن يعزى ذلك إلى أن كل بلدية هي دائرة انتخابية واحدة، وهذا بدوره يضعف العلاقة بين المرشحين والناخبين، ويحفز المرشحين للتركيز على تحقيق مطالب مجموعة محددة من الناخبين دون الحاجة إلى تلبية جميع احتياجات دائرته الانتخابية. وتزيد الدائرة الانتخابية الكبيرة من احتمالات لجوء المرشح للتمويل غير القانوني لتغطية تكاليف الحملة الانتخابية المكلفة للغاية؛ وكل هذه العوامل تضعف جانب المساءلة، ويتم التعامل مع هذه المشكلات عبر نظام (FPTP) لأنه يقسم كل محافظة إلى عدة دوائر انتخابية ذات مقعد واحد.

إن لدى نظام (FPTP) مشكلةً تتمثل في ترسيم الدوائر الانتخابية[4]؛ ومع ذلك، فإن العراق لا يمتلك خارطة حزبية واضحة بالنحو الذي يمكّن الأحزاب القائمة من استثمارها لرسم الدوائر الانتخابية لصالح أحزابهم السياسية. وإن المفوضية المستقلة للانتخابات قد وزعت مراكز التصويت على أساس القرب الجغرافي وعدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت. وعلى سبيل المثال: كان هناك 20،091،396 ناخباً مؤهلاً للتصويت، و40،551 محطة انتخابية، و447 مقعداً في انتخابات مجالس المحافظات التي عُقدت عام 2013؛ لذلك إذا ستعتمد الانتخابات القادمة نظام (FPTP) وكانت قائمة على العدد نفسه من المقاعد والناخبين والمحطات فيجب أن يكون هناك 447 دائرة انتخابية ذات مقعد واحد، ويعتمد كل منها على 90 مركزاً للتصويت تمثل حوالي 45،000 ناخب؛ وعليه ينبغي أن يكون تقسيم الدوائر الانتخابية من اختصاص لجنة مستقلة بدلاً من المشرعين العراقيين الذين قد يكون لديهم مصالح خاصة.

إن من شأن اعتماد نظام الأغلبية (FPTP) في انتخابات مجالس المحافظات تعزيز تقديم الخدمات عبر مجالس مستقرة سياسياً وترسيخ المساءلة الجغرافية، إذ يعتمد النجاح الانتخابي للمرشحين على استجابتهم لمطالب ناخبيهم؛ وبالتالي تعزيز الروابط القوية بين الناخبين وممثليهم من السياسيين.


 

[1]– البنك الدولي، “اللا مركزية وتقديم الخدمات على المستوى دون الوطني في العراق: الحالة وسبل المضي قُدُماً”، ص: 71.

[2]– لجنة النزاهة، “ملخص تقرير منتصف السنة لعام 2017″، ص: 18.

[3]  Andrew Reynolds et al., “Electoral System Design: The New International IDEA Handbook,” 2008, 35

[4]– ويعرف “ترسيم الدوائر الانتخابية” بأنه رسم الدوائر الانتخابية من قبل الأحزاب؛ لتحقيق مصالح أحزابهم على حساب الأحزاب الأخرى. وتداولت لأول مرة في اللهجة العامية الأميركية في عام 1812 حينما وقع حاكم ولاية ماساتشوستس السيد إلبردج جيري وثيقة إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية؛ ليتم ادراجها من ضمن القانون ليستفيد منها حزبه على الحزب الاتحادي، الذي كان لديه أغلبية أصوات الناخبين. للمزيد من المعلومات اقرأ فريد ديوس، “الدليل التمهيدي حول تقسيم الدوائر الانتخابية والاستقطاب السياسي،” معهد بروكينغز، 6 آب 2017، https://goo.gl/Yz6mZe.