عقد مركز البيان للدراسات والتخطيط طاولته النقاشية التخصصية عن المخدرات تحت عنوان: “المخدرات في العراق: الأبعاد والمعالجات” بتأريخ 18-11-2017، وقد حضرها نخبة من المختصين والمسؤولين والمعنيين بالمخدرات.

وقد عرض الدكتور عدنان ياسين رئيس اللجنة الرسمية المشكلة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء والخاصة بدراسة واقع المخدرات في المحافظات الجنوبية، ملخصاً عن تقرير اللجنة الذي حمل عنوان: “مشكلة المخدرات وأثرها في الأمن الإنساني للمجتمع العراقي: دراسة ميدانية في محافظات البصرة وميسان وذي قار”، إذ كشف عن أرقام تشير إلى الدلالات الاجتماعية (الفقر، والتعليم، والبطالة) وعلاقتها بانتشار المخدرات في أوساط الشباب، ونوه إلى أن هذه العناصر تتعلق بالتنمية الاجتماعية، وفي حال لم تهتم الدولة بالتنمية المستدامة؛ فإن هذه الحالات سوف تتحول إلى ظاهرة بنيوية في المجتمع، وذلك مكمن خطورتها، حيث إن بنيوية الظاهرة تعني ظهورها بأشكال مختلفة مهما تم محاربتها طالما الأسباب موجودة. والأسباب تعود بنحوٍ رئيس إلى استمرار الأزمات وتغلغل التبرير الاجتماعي للإدمان في ضمير المجتمع

وقال الدكتور عدنان ياسين: كان العراق يعد من البلدان الخالية من المخدرات لثلاثة أسباب، هي: أولاً قانونية، حيث كان يعاقب بالإعدام كل من تاجر أو تعاطى مواد مخدرة. ثانياً: الوصم الاجتماعي، إذ إن العادات الاجتماعية كانت تستهجن هذه الظاهرة أو أية ظاهرة منافية للقانون. ثالثاً: الجانب الثقافي للمجتمع، فالمخدر مرفوض قياساً بالمشروبات الكحولية. وأشار إلى أن الدراسة الميدانية التي أجراها فريق البحث الرسمي وجدت إثباتاً علمياً بأن انعدام انتشار المشروبات الكحولية في المناطق الجنوبية زاد من انتشار المواد المخدرة.

وطرح الدكتور خالد حنتوش عضو اللجنة الرسمية في دراسة واقع المخدرات في محافظات البصرة وميسان وذي قار -التدريسي في قسم علم الاجتماع بجامعة بغداد- ورقته البحثية التي ركز فيها على أن “كارثة” انتشار المخدرات لم تترافق مع إجراءات إدارية أمنية مناسبة بحجم الظاهرة، مشيراً إلى أن هيئة الرأي في وزارة الداخلية اتخذت قراراً مفاجئا بتحويل أمر مكافحة المخدرات من مستوى (قسم) في قيادات العمليات في المحافظات إلى مستوى (شعبة) حيث يتم نقل أفرادها واستبدالهم بطريقة مستمرة، وإن العاملين في هذه الشعب غير متدربين على قضايا المخدرات، فضلاً عن أن المصادر الاستخبارية المختصة غير متوافرة في ملف المخدرات أيضاً.

وأكد الدكتور خالد حنتوش أن المحافظات المختلفة تفتقر إلى مختبرات مختصة بكشف المواد المخدرة؛ مما يضطر الشرطة أو المحاكم إلى اللجوء إلى مختبرات بغداد، وهي تكلف الكثير من الوقت والجهد، ويرافق العملية الكثير من الفساد لتضييع آثار المتعاطين، أو محو أدلة الإدانة لمافيات المخدرات.

وقال أيضاً إن المواد المخدرة مربحة جداً قياساً بالمشروبات الكحولية، وهذه إحدى أسرار نجاحها في الترويج، مشيراً إلى أن مشكلة العراق هي في جواره إذ إن 80% من المواد المخدرة تأتي من إيران براً وبحراً، ويفتقر الجانب العراقي إلى أبراج مراقبة دقيقة للحدود، ففي الوقت الذي يتمتع فيه الجانب الإيراني ببرج مراقبة لكل 500 متر من الحدود المشتركة، فإن الجانب العراقي وضع برجا لكل 10 كيلومترات، وهي غير كافية لمراقبة الحدود.

وفي ورقته القانونية عرض القاضي إياد محسن ضمد القاضي المختص بقضايا التحقيق في غسل الأموال والجريمة المنظمة، القانون الجديد للمخدرات الصادر عام 2017، الذي تعامل مع جريمة الزراعة والإنتاج كجناية عقوبتها الإعدام أو المؤبد، إلا أنه خفف الكثير من الجرائم الأخرى المتعلقة بالمخدرات، وأوصلها حد الجنحة التي تكون عقوبتها القصوى 5 سنوات من السجن؛ مما حدا بأحد الباحثين إلى التصريح بأن تجار المخدرات ساهموا مساهمة فعالة في كتابة القانون الجديد.

وتساءل القاضي إياد محسن ضمد عن دور الأجهزة الاستخبارية في الكشف عن مصير الملايين من الدولارات التي تخرج من البلاد عن طريق المصارف المصرحة لتمويل شحنات المخدرات، مشيراً إلى أن عمله في محكمة غسيل الأموال لم يشهد أية قضية حتى ولو واحدة تتعلق بالمخدرات. ودعا الأجهزة الأمنية إلى زرع عناصر تعمل على التعرُّف على شبكات المافيات العاملة في مجال المخدرات بدلاً من القبض على التجار الصغار.

وفي فقرة المداخلات، دعا ممثل جهاز الأمن الوطني إلى وضع آليات لحماية رجال الأمن الذين يلاحقون مافيات المخدرات، وكذلك توفير سبل تدريبهم وتجهيزهم بالآليات والموارد اللازمة.

ومن ضمن المداخلات أيضاً نوه الدكتور كمال محمد الخيلاني رئيس قسم علم النفس في كلية الآداب بجامعة بغداد ورئيس “جمعية نفسانيون بلا حدود” إلى أن العراق لا يمتلك سوى 108 أطباء نفسيين، تكاد نسبة مراجعيهم من المدمنين معدومة بسبب الوصم الاجتماعي.

ودعا الخيلاني إلى فتح مراكز مختصة في كل محافظة للاهتمام بالعلاج، على أن تكون مراكز عامة بعيدة عن مراكز العلاج النفسي لما تحمله هذه المراكز من معاني سلبية في ذهنية المجتمع العراقي. مشيراً إلى أن القانون العراقي لم يسمح حتى الآن بفتح مراكز علاجية نفسية من خلال المعالجين النفسيين وليس الأطباء؛ بسبب رفض نقابة الأطباء هذا الأمر، وهو ما يتسبب بتفاقم مشكلة علاج المدمنين.

وتطرق المستشار في وزارة الداخلية والتدريسي في قسم علم الاجتماع الدكتور رسول مطلق إلى ضرورة فتح قنوات للتواصل بين الأكاديميين والأجهزة الأمنية والقضائية والصحية، إذ إن تحدي التواصل، هو عينه تحدي صنع المجسات الوقائية الضابطة لظاهرة انتشار الإدمان والمخدرات، وشدد مطلق على ضرورة أن تكون السجون أماكن للإصلاح وليس نشر المخدرات، وأن تكون حملات الدعاية ضد المخدرات مدروسة وهادفة؛ كي لا تكون أداة للترويج بدلاً عن الوقاية.

أما معاون رئيس الأبحاث في وزارة العدل واثق صادق فقد أشار إلى أن المخدرات إذا كانت تتفشى في السجون بوصفها مؤسسات إصلاحية فهذا معناه أن كل الجهود في حل المشكلة لم تنجح بالأساس، مشيراً إلى الصعوبة البالغة التي تواجهها وزارة العدل في مكافحة انتشار المخدرات داخل المؤسسات الإصلاحية.  ونوه إلى وجود عدة دراسات بهذا الصدد تشير إلى أن تاجر المخدرات خارج السجن بقي تاجراً للمخدرات في داخله، وكذلك فإن المدمن على المخدرات خارج السجن استمر في إدمانه داخل المؤسسة الإصلاحية على الرغم من صرف المبالغ الطائلة في هذه المؤسسات، مبيناً أن المتورطين بكل هذه الفوضى ليسوا فقط من النزلاء، وإنما إدارة السجون والمنتسبين وعوائل المسجونين.

وفي مداخلتها أشارت الدكتورة سندس الخالصي مديرة التأهيل النفسي في طبابة الحشد الشعبي إلى أن قلة عدد المختبرات الفاحصة لحالات الإدمان يعرقل كل المساعي في المدن التي تشهد انتشاراً للإدمان مثل البصرة، فضلاً عن أن مستشفى ابن رشد المتخصصة الوحيدة لمعالجة هذه الحالات في بغداد لا يوجد فيها فصل بين حالات الإدمان المختلفة، إذ يُعالَج المدمن بالكحول إلى جانب المدمنين بالحشيش، وآخرين بالكريستال؛ وبذلك تحول هذا المكان إلى مناسبة للتعرف ونشر المخدرات بدلاً من علاجه المدمنين في بعض الأحيان.

 

وأما عضو منظمة ساوة لحقوق الإنسان وعضو مجلس مكافحة المخدرات في محافظة المثنى عماد صالح فقد نوه إلى عدم وجود بيانات عن العراق في التقارير الدولية الخاصة بالمخدرات، داعياً إلى الاهتمام بالتواصل الدولي بهذا الشأن من أجل استغلال الإمكانيات العالمية بملف المخدرات.

فيما ذكر صالح أن محافظة المثنى تعد الأعلى تعاطياً للمواد المخدرة في العراق قياساً بعدد السكان، حيث تحولت هذه المحافظة إلى مستهلكة للمواد المخدرة بعدما كانت معبراً من إيران إلى السعودية قبل 2003، مؤكداً وجود حالات لدى بعض أفراد الأجهزة الأمنية من الذين تعرضوا للإصابة أو البتر لجأوا إلى المخدرات بسبب حجم الألم أو اليأس، وهي تتطلب المتابعة نفسياً وطبياً.

وأشار الباحث في شعبة الدراسات بوزارة الصحة شاكر محمود إلى أن 42 باحثاً عراقياً تم تدريبهم طيلة 3 سنوات خارج العراق على المناهج التخصصية لمكافحة الإدمان، لم يجدوا عند عودتهم إلى العراق مؤسسة تعنى بعملهم لهذا الغرض.

وأكد محمود ضرورة وجود مراكز تخصصية معزولة لمعالجة حالات الإدمان وعدم خلط المدمنين مع المرضى الاعتياديين أو المرضى النفسيين، إذ إن هؤلاء بحاجة إلى عزل قد يصل إلى 3 أشهر تحت الرقابة الطبية، ثم يحتاجون إلى عام كامل -أحياناً- للعلاج النفسي والاجتماعي من أجل إعادة التأهيل.

ودعا رئيس قسم الدراسات في وزارة الهجرة الدكتور أحمد قاسم إلى ضرورة تركيز الجهد البحثي على الآثار التي تركها داعش في المناطق الغربية في ترويج المخدرات وتعاطيها، ولاسيما أن بعض أنواع المواد المخدرة والمؤثرات العقلية مثل حبوب الكبتاغون أو ما تعرف بالحبوب الإنغماسية، تحولت إلى جزء من آلة الحرب، وهي تدخل من حدود سوريا والأردن، فيما أن بعض التقارير تشير إلى تصنيعها محلياً اليوم في المناطق المحررة.