لا يُنكر المتابع للشأن الإيراني حقيقة أن إيران تسعى إلى تطوير كفاءتها القتالية وجهوزيتها لذلك الأمر، لكن هناك من يرى أن مناوراتها العسكرية وتجارب الأسلحة غالباً ما تتزامن مع جملة من المتغيّرات والتحدّيات الداخلية والخارجية التي تواجهها طهران مثل التهديدات الخارجية، والعقوبات الأمريكية، وزيادة نشاط الجماعات المسلحة ضد قوات الأمن وقوات الحرس الثوري في أقاليم كردستان وسيستان وبلوشستان والأهواز.

وقبل مدة ليست بالبعيدة انطلقت المرحلة الثالثة من مناورات “حيدر الكرار” على الحدود الغربية لإيران لمنطقة “برويزخان” التي تعدُّ من أهمّ بوابات التواصل بين إيران والعراق، استعرضت فيها القوات الإيرانية قدراتها على التحرُّك العسكري والهجوم، وشهدت المناورات مشاركة وحدات التدخُّل السريع، والوحدات الهجومية المتنقلة، فضلاً عن عدد من الوحدات المدرّعة، وراجمات صواريخ من طراز نازعات 10 المعروفة بـ (N-10)، إلى جانب مشاركة عدد من الوحدات العسكرية العراقية.

وقال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية العميد مسعود جزائري في تصريح صحفي إن “المناورات تأتي في إطار طلب الحكومة تعزيز التعاون العسكري بين إيران والعراق؛ بهدف سيطرة الحكومة المركزية العراقية على المعابر الحدودية”. وقد سبق هذه المناورة الإيرانية كثافة في النشاطات العسكرية، كتجارب للصواريخ البالستية متوسطة المدى، وطائرات مسيرة عن بُعد.

إن ما يهمنا في هذا الأمر هو ما دلالات تكثيف إيران لمناوراتها العسكرية؟ وما الرسائل التي تريد إيصالها إلى الخارج جراء تلك المناورات؟

تُجري إيران ما يقارب 6-8 مناورات سنويّة ما بين بريّة وبحريّة، ومتوسطة النطاق، إلى جانب أكثر من 80 اختباراً أجرته في العام 2016 لأسلحة مستوردة، أو مُنتجَة محلياً، أو مطوّرة من قِبَل الهندسة العسكرية. ومعظم هذه التجارب والمناورات تتزامن مع جملة من المتغيّرات التي تشهدها المنطقة منها: صعود إدارة ترامب، والتلويح بالمواجهة مع طهران عسكريّاً، والتهديد بمحاصرة المجال الحيوي في منطقة الخليج، فضلاً عن إجراء استفاء الانفصال في كردستان العراق، فكل هذه المسائل دخلت مرحلة حساسة وحرجة تنذر باحتوائه من خلال إظهار الدور الإيراني في المنطقة، وبالمقابل حاجة طهران إلى إيصال رسائل لجيرانها تبيّن أنها قوة مهمّة ورئيسة في منطقة الخليج، ولا تستطيع أية قوة تهميشها.

وفي الوقت نفسه يرى قادة إيران العسكريون والسياسيون -على حد سواء- أن هذه المناورات العسكرية تحمل رسائل سلام وأمن لدول المنطقة، من خلال مكافحتها للإرهاب البحري، وإرسال دورياتها البحرية إلى شمال المحيط الهندي لمواجهة القرصنة البحرية، وصولاً إلى المناطق القريبة من مضيق باب المندب.

ومن المؤكد أن إيران تحاول تطوير كفاءتها وجهوزيتها القتالية لمحاولة إحباط تهديدات أمنها الوطني، فهي تمثل الهدف الرئيس لهذه المناورات. في الوقت الذي لا يخفى على أحد أن منطقتي الخليج والإقليم تعيشان ظروفاً استثنائية بفعل تدخلات بعض الدول العربية (السلبية) في المنطقة.

أما ما يخصُّ المناورات البحرية المشتركة الإيرانية التي جرت قبل أشهر قليلة مع القوات العراقية في مياه شط العرب -التي تمّت بإشراف مباشر من قبل الحرس الثوري الإيراني- فقد قال قائد حرس الحدود الإيراني العميد قاسم رضائي معلقاً عليها: “إن هذه المناورات تؤكد بأن البلدين لن يسمحا لأي طرف ثالث بالتدخّل في الشؤون السياسيّة والأمنيّة للمنطقة”.

إن إطلاق المناورات الأخيرة وإجراء الاختبارات العسكرية تزامن مع استفتاء انفصال كردستان العراق، الذي كان يتضمّن تهديدات للأمن الواطني الإيراني؛ ممّا أدّى إلى إثبات الأخيرة قدراتها العسكريّة في المنطقة الغربيّة لها.

الخاتمة

من المؤكد أن إيران تريد إيصال رسالة إلى الدول المجاورة وعلى وجه الخصوص دول الخليج، بأنّ طهران باتت قوة إقليميّة في المنطقة، وأن أمن الملاحة البحريّة في منطقة الخليج -الّذي يعدُّ عصب الاقتصاد لكثير من دول العالم- أصبح تحت سيطرتها من مياه الخليج إلى بحر عُمان؛ إذ تخلق المناورات العسكريّة على حلفاء إيران في المنطقة نوعاً من الإيجابيّة بشأن مدى قدرة طهران، وهذا يؤثّر على صورة تلك القوى في محيطها السياسيّ وإظهارها في صورة الحليف المتفوّق، وهذا الأمر ينطبق على الحركات التحرريّة في العالم.

لقد أثبت الواقع أن إيران استطاعت أن تتفوّق على بعض اللاعبين الآخرين من خلال أدوات السياسة الناعمة، بحيث ساهمت هذه السياسة -بنحوٍ سريع- في إعطاء صورة إيجابيّة بين قطاعات واسعة من الرأي العام العربي وليس الحكومات العربيّة فحسب، فضلاً عن إيجابيّة أثر المناورات العسكريّة لصالح إيران ولاسيما في محيطها الإقليميّ.

ويمكن القول أيضاً إن إستراتيجيّة المناورات في إيران لها انعكاسات سياسيّة ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩيّة على المشهد السياسيّ والإقليميّ مع التركيز في منطقة الخليج، ولاسيما أن اللاعبين الآخرين في المنطقة غير فعّالين أو ليس لديهم الدّراية في سياستهم الخارجيّة.

وفي المحصلة نرى أن الرسائل التي تبعث بها إيران إلى دول المنطقة تحمل عنواناً واضحاً إلى المرسل إليه، عنواناً عسكريّاً بامتياز يثبت بأن إيران قادرة على صدِّ أي هجوم أو تهديد يطال أمنها القومي، ويؤكد أن طهران -ومن خلال سلسلة المناورات التي أجرتها مؤخراً- لها القدرة على إقفال مضيق هرمز الّذي يعدُّ أهمَّ ممرّ عالميّ للنفط إلى العالم، والسيطرة على الممرّات المائية الأخرى في منطقة الخليج إذا تطلّب الأمر.