نظَّم مركز البيان للدراسات والتخطيط ندوة علمية بعنوان (التعديلات الدستورية في العراق مشروع بناء الدولة والمجتمع)، وذلك ضمن سلسلة ندوات المركز خلال العام 2016 الموافق يوم السبت 26/11/2016، وبمشاركة شريحة واسعة من المختصين والأكاديميين والمهتمين والمتابعين للشأن السياسي، ألقى خلالها الأستاذ الدكتور عبد الجبار أحمد عبد الله -عميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد- محاضرة تمحورت حول إشكالية تطبيق التعديلات الدستورية التي ستساهم في بناء الدولة والمجتمع في العراق.

وأوضح الدكتور عبد الجبار أن الدستور العراقي لعام 2005 عبر عن سلطة سياسية جديدة تمتاز بالتعددية السياسية التي كانت غائبة في معظم الدساتير السابقة للجمهورية العراقية، فضلاً عن العملية التي رافقت كتابة هذا الدستور، وأشار إلى أهم العوامل التي سادت أو أثرت في أثناء عملية كتابة الدستور، والتي قفت عائقاً في بعض جوانب نجاح العملية السياسية في العراق ولاسيما ما يخص البرلمان من إجراء التعديلات الدستورية، وقد أوجز هذه العوامل في مجموعة من الأسباب الآتية:

  1. إن أزمة عدم الثقة التي صاحبت عملية كتابة الدستور، هي نفسها التي رافقت عملية مراجعته، فإن النتيجة الحتمية لعدم الثقة هذه هو عدم إنجاز التعديلات.
  2. إن المراجعة الدستورية الشاملة مع وجود سقف زمني في مدة أربعة أشهر لم يكن شيئاً موفقاً، وكان من الأجدر تحديد الأولويات وليس السقوف الزمنية.
  3. إن الدستور الناتج عن توافقية لا بد أن تكون مراجعته توافقية أيضاً، ولذلك فإن التعديلات التي تجري من البديهي ألّا تمثل إجراءات عمومية واقعية لحل المشكلات الخلافية، بل ستكون إجراءات سياسية تشريعه تمثل مصالح حزبية.

وذكر الدكتور عبد الجبار أنه على الرغم من تشكيل لجنة لمراجعة الدستور التي قدمت تقريرها لمجلس النواب في 21/5/2007، ومسودة الدستور المـُعدَّل المقدمة للنواب بتأريخ 30/7/2009 التي تمخضت عنها بجعل الدستور متكوناً من (186) مادة، واعتماد مبدأ سياسة ترحيل القضايا فإن هذا التعديل لا يحلُّ قضايا خلافية وجوهرية بل عمل على تجزئة القضايا.

ونبه الدكتور عبد الجبار على اعتماد التعديلات الدستورية، وضرورة الخوض بها؛ كونها تمثل أهمية للعراق وركناً أساسياً من هيكلة الدولة، وشدد على أن حل المشكلات العالقة لتنفيذ هذه التعديلات التي تعبر عن صلب الواقع السياسي لا بد لها من أن توفر مجموعة من الاشتراطات لتنفيذ لتعديلات الدستورية ومنها:

  1. الأخذ بنظر الحسبان المتغيرات والعوامل التي دخلت في حيز النشاط السياسي العراقي ولاسيما بعد تأريخ 10/6/2014، وخطورة التنظيمات الإرهابية؛ لأن مثل العامل يكون مشترك التأثيرات على مستوى المجتمعي والإداري للدولة.
  2. ضرورة إشراك شخصيات محايدة ومستقلة أكاديمية في موضوع التعديل الدستوري، وكذلك الاستناد إلى الفواعل الاجتماعية (الشعب) في عملية التعديل، وليس حصر هذه الفئة في عملية الاستفتاء فحسب.
  3. تحديد المعادلة الضرورية في أن الوضع العراقي بحاجة إلى أمرين: إما تعديلات دستورية وإما تعديلات سياساتية، ورأى الدكتور أن من الأفضل تطبيق الاثنين معاً، لأن تعديل السياسات والتعديل الدستوري سيفضيان إلى مجموعة من التعديلات الإيجابية التي تعطي طفرة نوعية في مستقبل العملية السياسية.
  4. تحتاج المعادلة السياسية إلى أن نجعل السمو للدستور على القوانين حقاً، وسمو الدستور على العرف الدستوري، وسموه على نشاطات ومزاجات النخب السياسية وليس العكس.
  5. إن وجود هيئة قضائية قوية بجانبها رأي عام ومبدأ دستوري يمكن أن يساعد على إنجاح الدستور بالتعديل أو حتى بتخطي العقبات الدستورية الموجودة حالياً.

وخرجت الندوة بمجموعة من التوصيات:

  1. التأكيد على أهمية المجلس الاتحادي الذي سيعمل على تقليص المحاصصة السياسية.
  2. الاعتماد على الكفاءات الأكاديمية المحايدة والمستقلة في التعديلات الدستورية أو حتى في كتابة النصوص القانونية الجديدة.
  3. لا ضرر في إيجاد تعاون دولي في مجال التعديلات الدستورية من دون الانتقاص من السيادة العراقية.
  4. ضرورة اطلاع صناع القرار على مثل هذه الندوات أو الكتب والبحوث المنشورة التي تخص هذه الإشكالية في العملية السياسية التي ستساهم بإيجاد حلول، أو حتى المساهمة في حل المشكلات الخلافية.