لطالما عُدَّ النفط كالغراء الذي يجعل العراق متماسكاً، إلَّا أن العديد من القضايا قد أثبتت انقسام النسيج المكون للدولة منذ عام 2003 أكثر من تلك القضايا المتعلقة بإدارة قاعدة الموارد الطبيعية وتوزيع العائدات القادمة من تلك المصادر، فبدلاً من عدِّ النفط كعامل يحفّز على تعزيز العلاقات المالية والسياسية بين بغداد وأربيل، وتشجيع الوصول إلى توافق بينهما حول القضايا الدستورية الرئيسة المتعلقة بالسيادة، فقد لجأ كل منهما إلى السيطرة على قطاع النفط الخاص بهم (وآليات إيرادات التوزيع ذات الصلة) وذلك كآلية لتعزيز أجندات تقاسم السلطة التي لا يمكن إحداث أي تحسُّن فيها إلى الآن، إن حجر الأساس لجهود حكومة إقليم كردستان في دعم الحصول على الحكم الذاتي بعيداً عن الحكومة المركزية يكمن في امتلاكهم حرية الترخيص المستقل للأراضي وإدارة إنتاج النفط الخام وبيعه، فضلاً عن وضع الأسس لاحتمالية الانفصال، بينما اعترفت الحكومة الاتحادية بهذه الحقيقة، إذ فرضت الحكومة عقوبات أكثر قسوة في عملية تقاسم العائدات وقامت بمنع أربيل من الحصول على معظم حصتها من الميزانية الوطنية؛ ونتيجة لذلك تزايد الخلاف بين الطرفين في الوقت الذي شكلت الأمور المالية والأمنية ضغطاً أكبر على التعاون وتعظيم إدرار الإيرادات.

هذا الوضع هو نتيجة لوضع الأهداف السياسية طويلة الأمد فوق المخاوف بشأن الاستثمار والتنمية المثلى لقطاع النفط والغاز (وتحويله إلى نظام نقدي)، إنَّ حماية الحق السياسي يُعدُّ الهدف الأسمى لكل من بغداد وأربيل، وفي ظلِّ انعدام وجود صيغة توافقية لتقاسم السلطة، فإن كل جهة تعمل على وفق تفسيرها الخاص للدستور؛ ونتيجة لذلك تم حظر مرور تشريعات جديدة تهدف إلى توجيه تنمية هذا القطاع، فضلاً عن القوانين المتعلقة بتوزيع الدخل وهيكل الصناعة المحلية، تضافرت هذه العوامل لتزيد من شكوك المستثمرين في العراق وإحساسهم بالمخاطر؛ الأمر الذي أدّى إلى تقويض تنمية هذا القطاع بنحوٍ كامل وبالتحديد في كردستان، والأهم من ذلك أنَّ هذا الصراع بين الحكومتين الإقليمية والاتحادية كبدتهما إيرادات بقيم كبيرة.

هناك إشارات إلى أن الوضع السياسي الراهن الذي يشكّل هذه المشكلة من الممكن أن يصبح أكثر هشاشة، وما يحتاجه العراق هو صيغة جديدة دائمة لتقاسم السلطة التي تحترم الحقوق السيادية الأساسية للحكومة في بغداد، وفي الوقت نفسه تلبّي الحد الأدنى من مطالب حكومة إقليم كردستان للحكم الذاتي، وفضلاً عن ذلك من الضروري أن تقرر الشرائح العراقية -العرب والكرد- ما إذا كان ممكناً تحقيق ذلك داخل هيكل دولة موحدة، أو إذا كان لا بدُّ من إجراء المزيد من المفاوضات من أجل ترتيبات الانفصال الجذري.

إن هذه القرارات ستحدد كيفية تطوُّر هيكل قطاع النفط العراقي -في الشمال والجنوب- في المستقبل، والأمر الوحيد الواضح من السنوات الـ13 الماضية هو أن آليات تقاسم عائدات القطاع النفطي وما يتعلق به لا يمكن أن تكون الوسيلة لتسوية نزاع تقاسم السلطة، بل على العكس تماماً إن اتباع النهج التصاعدي الذي يتبع الحلول العملية للقطاع النفطي كأساس لبناء الثقة وتعميق التعاون بين بغداد وأربيل لم يثبت أنه أمر مستحيل فقط بل تم تجنبه بنحوٍ فعّال؛ ومن أجل المبدأ السياسي فقد قامت كل من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان باتخاذ إجراءات مضرة، وفي حالة بعض القيادات الكردية، فقد كان الاستقلال هو الحلم الذي لطالما حلموا به (مهما كان هدفهم غير عملياً)، وهكذا فإن إمكانات العراق وإقليم كردستان في قطاع النفط والغاز، وفوائد الإيرادات القادمة منه، تعتمد على قدرة القادة العراقيين بالتفاوض على اتفاق جديد لتقاسم السلطة، حيث لا يعدُّ النفط كوسيلة للوصول إلى تسوية، بل أحد العناصر التي تساعد على الحفاظ عليها على المدى الطويل.

لقراءة المزيد اضغط هنا