جوزيف بريفيل 

بعد شهور من المناقشات والحملات والمقابلات، تقترب الانتخابات الرئاسية الأمريكية من النهاية، يبدو ان هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية، ودونالد ترامب، المرشح الجمهوري، قد تغلبوا على ما يبدو على عشرات المرشحين الآخرين، ويظهرون على انهم مستعدين ليوم الانتخابات في الثامن من تشرين الثاني، ولكن في حين أن العالم الذي يدخلونه واضح لكل ذي عينين، السؤال هو أي نوع من العالم سيتركونه وراءهم؟ وبشكل أكثر تحديدا، كيف ستبدو سياستهم الخارجية، لا سيما بالنسبة للعراق، الدولة ذات التاريخ العاصف مع الولايات المتحدة؟

هيلاري كلينتون

في الوقت الذي خاطبت فيه هيلاري كلنتون مجموعة من قدامى المحاربين الإناث في عام 1994، تحدثت عن فشلها في الانضمام للجيش الامريكي، وقد ادعت انه عند وصولها إلى مكتب الجيش في أركنساس في عام 1975، بعد بضع سنوات من تخرجها من كلية الحقوق في جامعة ييل، بأنه بمجرد ان رآها ضابط التجنيد في البحرية، رفضها وقال: “انت كبيرة جدا، ولا يمكنك الرؤية، وانت امرأة “[1]، وعلى الرغم من صحة ادعاءاتها، الا ان هيلاري كلينتون شخصية وطنية، بعد أن خدمت في مناصب متنوعة الأدوار، والذي تم تصنيفها كأحد “الصقور”[2] الذين يدعون إلى سياسة خارجية عدوانية، وبعد ترددها بين كل من الحزب الجمهوري والديمقراطي في أيامها الأولى، الا انها وباستمرار وضعت سياسيا على الجانب الأيمن للرئيس أوباما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

وقد كان هذا واضحا خلال خدمتها كوزيرة للخارجية، التي تلقت خلاله مراجعات مختلفه، وعلى الرغم من الضغط على زر “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا[3]، وتنظيم القنوات الدبلوماسية الإقليمية لمواجهة العدوان في بحر الصين الجنوبي، وفتح المحادثات مع إيران بهدوء، التي من شأنها أن تشكل أصول الاتفاق النووي الذي وقع العام الماضي، إلا ان لديها العديد من البقع علي السيرة الذاتية السياسة الخارجية، وعلى الأخص قراراتها بدعم الحرب على العراق في عام 2003، والتدخل عسكريا في ليبيا تحت سلطتها كوزيرة للخارجية، مما ساهم في الفشل الكامل للدولة الليبية، ولكن هذا يشكل جزءا من سياستها التدخلية من خلال توسيع نفوذ الولايات المتحدة في العالم، وقال فالي نصر، استراتيجي في السياسة الخارجية الذي قدم النصح الى كلينتون حول أفغانستان وباكستان عندما كانت وزيرة الخارجية[4]، بأنها “عضو في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، إنها تؤمن، مثل الرؤساء ريغان أو كينيدي، بأهمية الجيش في حل الإرهاب وفي تأكيد النفوذ الأمريكي”.

ومع ذلك يمكن القول إن أكبر وصمة عار في تاريخ التدخل لكلينتون هو دعم غزو العراق في عام 2003، وحتى قبل ذلك، عندما سئلت في عام 2002 عن دعمها لقانون تحرير العراق عام 1998 لبيل كلينتون- قيل في بيان الكونغرس في الولايات المتحدة انه “ينبغي أن تكون سياسة الولايات المتحدة هي دعم الجهود الرامية إلى إزالة النظام الذي يترأسه صدام حسين من السلطة في العراق”[5]–  اذ قالت “اتفقت مع ذلك في عام 1998، وأنا أتفق معه في عام 2002”[6]، مصممة وحريصة على توسيع نفوذ أمريكا، ريتشارد هولبروك، المبعوث السابق لبيل كلينتون، يقول “أنها قد تكون أكثر حزما وعلى استعداد لاستخدام القوة اكثر من زوجها”[7]، وقد ظهر هذا من دعمها لغزو العراق في عام 2003، اذ قالت: “لقد توصلت بعد دراسة متأنية وجادة أن التصويت لصالح القرار يخدم أمن أمتنا … لشن حرب أمريكية ضد الإرهابيين وأسلحة الدمار الشامل”[8]، ان استمرارها في دعم هذه الحرب يعيقها اليوم، اذ يواصل بيرني ساندرز، منافسها في ترشيح الحزب الديمقراطي، انتقاد بُعد نظرها السياسي، وخصوصا في ردوده الحذر في عام 1991 خلال حرب الخليج الأولى ومعارضته الشديدة لغزو العراق عام 2003[9].

ولذلك فإن الفشل في الخروج قليلا من هذا الإطار العسكري قوض اول تجربة مباشرة لها في السياسة الخارجية، والتي هي اوسع وتفوق خبرة أي من المرشحين الآخرين، ولكن حقيقة ان كلينتون لم تذهب إلى الكابيتول هيل لقراءة التقرير السري حول العراق قبل اتخاذ قرارها حول الغزو لا يساعدها [10]، على الرغم من ادعائها في عام 2008 بأنها كانت “قد اطلعت على التقرير من خلال الاشخاص الذين كتبوه”[11]، ومع ذلك، كانت وصمة العار الأخرى في عملية صنع القرار حول العراق  هي صد سكوت ريتر، مفتش الأسلحة للأمم المتحدة في العراق 1991-1998، الذي حاول أن يراها قبل أن تتخذ قرارها، وقالت هيلاري في كتابها خيارات صعبة عن تصويتها حول العراق في عام 2002 “اعتقدت أنني قد تصرفت بحسن نية وقدمت أفضل قرار يمكن أن أقوله بالمعلومات التي كانت لدي”، وهو التعليق الذي الهب ريتر، الذي لا يزال غاضباً لأنه لم يمتلك الفرصة لنقل خبرته حول أسلحة الدمار الشامل العراقية لكلينتون[12].

والحقيقة هي أنها تشك قليلا في المؤسسات العسكرية ومؤسسات السياسة الخارجية لاعتقادها بأن الولايات المتحدة يجب أن تواصل قيادة العالم، ان فكرها العسكري، ولا سيما فيما يتعلق بالعراق، يتأثر بشكل كبير من قبل الجنرال المتقاعد جاك كين، أحد مهندسي زيادة القوات في العراق، ووفقا لمارك لاندر في النيويورك تايمز “فإنه يمثل التأثير الأكبر على طريقة تفكير هيلاري كلينتون في القضايا العسكرية “[13]، وباعتباره جنرالا متقاعدا بأربعة نجوم، انتقد كين باستمرار أوباما لعدم تكثيف الهجمات في العراق وسوريا، وهذا شيء يتسرب ظاهريا في الاستراتيجية العسكرية لكلينتون مع تقارير لاندر بأنه وخلال مداولات الإدارة الأميركية الداخلية حول العراق وسوريا، فإنها تؤيد باستمرار خيار التدخل الاكثر حضورا على الطاولة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المطالبات ذات النزعة العسكرية، وخاصة فيما يتعلق بالعراق، الا ان كلينتون تشير وببساطة بأن لديها “تاريخاً أطول بكثير من صوت واحد، ان ما قلته كان خطأ بسبب الطريقة التي تم القيام بها والكيفية التي تعاملت معها ادارة بوش”[14]، ولكن إذا أصبحت هيلاري كلينتون الرئيسة القادمة للولايات المتحدة، فإن المستنقع الشهيرة الذي واجهه أوباما وبوش قبل توليهم منصب الرئيس، وهو “ما هو دور أميركا في العالم في القرن الحادي والعشرين”، سيكون قد تم الرد عليه بالفعل، اذ سيكون هناك قدراً أكبر من النفوذ الأمريكي في جميع أنحاء العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط والعراق.

دونالد ترامب

بالمقارنة مع هيلاري كلينتون، فإن السياسة الخارجية لدونالد ترامب ستكون صعبة التوقع، إن التطور السياسي للملياردير جدير بالملاحظة، بعد ان كانت لدية فرصة ضئيلة لتحقيق الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، ناهيك من أن يصبح رئيسا، اذ يشتهر رجل الأعمال السياسي هذا بخطابه اللاذع، والذي يبدو انه يلائم شريحة كبيرة من الشعب الأمريكي.

ومع ذلك، ان طبيعته الشعبوية تجعل من الصعب جدا أن نفهم كيف ستكون سياسته الخارجية، وبعد عمليات القتل في سان برناردينو، أصدر بيانا قال فيه انه سيفرض حظرا على جميع المسلمين من دخول البلاد[15]، وهو موقف قد خفف منه مؤخرا قائلا “بأنه كان مجرد اقتراح”[16]، وخلال مناظرة للجمهوريين، ادعى ترامب أنه “سيعيد الإيهام بالغرق” و “سيستهدف أسر الإرهابيين”[17]، لكنه قال مؤخرا بانه لن يجبر قادة الجيش الأمريكي على كسر القانون الدولي[18]. (من غير القانوني بموجب اتفاقية جنيف استهداف المدنيين حتى ولو كانوا عوائل إرهابيين)، وأشار إلى أن اليابان قد تضطر إلى الحصول على أسلحة نووية لحماية نفسها اذا ما خفضت أمريكا من نفوذها في الشرق، على الرغم من تأكيده بأنه “عالم نووي مخيف جدا[19]“.

بالإضافة إلى طبيعته الشعبوية، تضيف عدم خبرته في السياسة الخارجية طبقة أخرى من الارتباك لنواياه العالمية الحقيقية، وعندما سئل عن افتقاره للخبرة في السياسة الخارجية، وتحديدا معرفته حول روسيا، ادعى بأنه “يعرف روسيا بشكل جيد للغاية” اذ “كان له حدث كبير في روسيا قبل سنتين أو ثلاث سنوات، مسابقة ملكة جمال الكون ، الذي كان حدثاً كبيرا كبيرا لا يصدق”[20]، ويدعي ترامب أيضا انه يمتلك بصيرة مثالية من خلال الزعم في كتابه أن أسامة بن لادن كان “مقرفا” ويجب “التخلص منه”[21]، وكذلك التنبؤ بتزعزع الاستقرار في الشرق الاوسط بسبب الحرب على العراق.

ومع ذلك، فإن وجهات نظره بشأن العراق تترك الكثير مما هو مرغوب فيه، ففي خلال مناظرة للجمهوريين، ادعى ترامب بأنه “وقف ضد الحرب مع العراق بقوة”[22]، ولكن في مقابلة يوم 11 أيلول عام 2002، سأل هوارد ستيرن ترامب إذا كان يؤيد غزو العراق ورد ترامب “نعم أعتقد ذلك … وأتمنى للمرة الأولى ان يتم القيام به بشكل صحيح”[23]، وعندما سئل عن هذه المقابلة في قاعة CNN  التي احتضنت المناظرة الجمهورية، تراجع ترامب قائلا: “يمكن أنني قد قالت ذلك، لم أكن سياسيا، وربما كانت تلك المرة الأولى التي يسألني أحد فيها هذا السؤال، وبحلول الوقت الذي بدأت فيه الحرب، كنت ضدها، وبعد ذلك بوقت قصير، كنت حقا ضدها”[24]، لكن تراجع ترامب وعدم يقينه يعكس موقف سياسته الخارجية العام، سياسة تغوص في المجهول، وتتغير ويتلاعب بها مع مرور الوقت.

تثبت نظرة ترامب الواسعة حول العراق عدم مراعته للبلد، ان اقتراح ترامب الرئيسي لمواجهة داعش هو بتفجير إمدادات النفط العراقية “لأن يمتلكون النفط” وهذا يدل على عدم وجود فكر ثاقب وفهم للتعقيدات الاستراتيجية الكامنة في البلاد (وفي جارتها سوريا)، في الخطاب نفسه، واصل ترامب القول بإن “ما يسمى بالحكومة في العراق ذهبت إلى إيران لمقابلة إيران، وإن ايران تسير للاستيلاء على العراق … لا تهمني الحكومة العراقية، لانهم فاسدون تماما، من يهتم؟” وهذا يلقي المزيد من الضوء على تبسيطه وغير اكتراثه بالأحداث في الشرق الأوسط[25].

إن عدم امتلاك دونالد ترامب للخبرة السياسية سيجعله يعتمد بشكل كبير على خبراء السياسة الخارجية الخاصين به، ومع ذلك، الا ان النقاد متحيرين حول بعض مستشاريه البارزين[26] – جوزيف شميتز، والجنرال كيث كيلوج، وكارتر بيج، وجورج بابا دوبولوس، ووليد فارس – لا سيما وأنهم، مع استثناء الأخير، غير معروفين نسبيا، ومع ذلك، فقد اتهم وليد فارس من قبل جماعات الحقوق المدنية المسلمة بأنها يكره الإسلام بعد تصريحه بأن “الجهاديين داخل الغرب يظهرون كدعاة للحقوق المدنية”[27]، ومن المستغرب، نظرا للأراء السلبية الصادرة عن ترامب نحو أولئك الذين أيدوا الحرب على العراق، ان توظيف فارس، وهو الرجل الذي كتب افتتاحية تقارن الناس الذين يعارضون حرب العراق مع الناس في القسطنطينية عام 1453 والذين كانوا يناقشون التهديد الذي تتعرض له المدينة من قبل العثمانيين.

مع هيلاري كلينتون، من المرجح أن تكون السياسة الخارجية مدفوعة برغبة الهيمنة والدعم لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، اما الخطاب المتباهي لترامب الذي يتغير يومياً من المرجح أن نرى استمرار في دعم إسرائيل كحليف لأمريكا، ولكنه يسلط الضوء على حالة عدم اليقين التي لا يمكن التنبؤ بها بشأن علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها الآخرين، على أي حال، يبدو ان ترامب اقل عرضة للتدخل في شؤون العراق، دون اهتمام يذكر بإنفاق المزيد من المال في البلاد التي “كلفت 2 تريليون دولار” والتي يجب على الولايات المتحدة ان “يؤخذ ما قيمته 1.5 تريليون دولار من النفط من العراق لدفع تكاليف الحرب”[28]، وعلى أي حال، كما قالت تولسي غابارد اثناء الاستقالة من منصب نائبة رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية قبل دعمها لبيرني ساندرز بأنه من الأهمية بمكان “أن يكون القائد العام للقوات المسلحة شخصاً يمتلك البصيرة، الذي يمارس الحكم الصالح … الذي ينظر في العواقب المترتبة على الإجراءات التي هي على استعداد لأخذها قبل القيام بتلك الإجراءات لكي لا نجد أنفسنا نعيش هذه الإخفاقات التي أدت إلى حالة الفوضى في الشرق الأوسط وفقدان الكثير من الحياة “[29]، وفي يوم الانتخابات، سيكون هناك إما قائداً عاماً للقوات المسلحة والتي ستحتاج إلى تحليل إخفاقات قراراتها السابقة، أو شخصاً يجب أن يتعلم بسرعة لتجنب الوقوع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها الرؤساء السابقون.


المصادر:

[1] http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2007/12/08/AR2007120801551.html

[2] http://www.nytimes.com/2016/04/24/magazine/how-hillary-clinton-became-a-hawk.html?ref=topics

[3] http://news.bbc.co.uk/1/hi/7930047.stm

[4] http://www.newyorker.com/news/john-cassidy/what-sort-of-foreign-policy-hawk-is-hillary-clinton

[5] https://www.gpo.gov/fdsys/pkg/PLAW-105publ338/html/PLAW-105publ338.htm

[6] https://archives.nbclearn.com/portal/site/k-12/flatview?cuecard=4136

[7] http://nymag.com/news/politics/citypolitic/17399/

[8] https://www.youtube.com/watch?v=2ySJLIc5BJM

[9] https://www.youtube.com/watch?v=9p35NmUnMsY

[10] http://edition.cnn.com/2007/POLITICS/05/28/clinton.iraq/index.html?eref=onion

[11] http://www.dailykos.com/story/2015/9/10/1420003/-Hillary-didn-t-hesitate-to-vote-for-the-Iraq-war-without-reading-intelligence-reports

[12] http://www.huffingtonpost.com/scott-ritter/hillary-clinton-iraq-war-vote_b_9350340.html

[13] http://www.nytimes.com/2016/04/24/magazine/how-hillary-clinton-became-a-hawk.html?ref=topics

[14] http://www.huffingtonpost.com/scott-ritter/hillary-clinton-iraq-war-vote_b_9350340.html

[15] http://www.theguardian.com/us-news/2015/dec/07/donald-trump-ban-all-muslims-entering-us-san-bernardino-shooting

[16] http://www.bbc.co.uk/news/election-us-2016-36272236

[17] http://theweek.com/speedreads/610361/donald-trump-doubles-down-torture-war-crimes

[18] http://www.wsj.com/articles/trump-reverses-his-stance-on-torture-1457116559

[19] http://www.nytimes.com/2016/03/27/us/politics/donald-trump-transcript.html

[20] http://www.usatoday.com/story/news/politics/onpolitics/2016/05/06/donald-trump-russia-miss-universe/84024666/

[21] http://www.factcheck.org/2015/12/trumps-bin-laden-prediction/

[22] http://www.huffingtonpost.com/entry/donald-trump-iraq-war_us_55f32d97e4b077ca094f05db

[23] http://www.ontheissues.org/2016_CNN_GOP_Town_Hall.htm

[24] http://www.ontheissues.org/2016_CNN_GOP_Town_Hall.htm

[25] http://transcripts.cnn.com/TRANSCRIPTS/1506/28/sotu.01.html

[26] http://www.nytimes.com/2016/03/23/us/politics/donald-trump-foreign-policy-advisers.html

[27] http://www.publiceye.org/liberty/training/Muslim_Menace_Complete.pdf

[28] http://www.washingtontimes.com/news/2013/mar/15/cpac-2013-donald-trump-immigration-reform-suicide-/

[29] http://www.huffingtonpost.com/scott-ritter/hillary-clinton-iraq-war-vote_b_9350340.html


المصدر: خاص لمركز البيان للدراسات والتخطيط