بغض النظر عن كون تركيا من أكبر الدول الإسلامية مما قد يعتبره الكثيرون السبب الأساسي في رفض الاتحاد الأوروبي لطلب الانضمام لحد الآن، لكن الاتحاد الأوروبي يعمل كمؤسسة ذات معايير خاصة وهي تطلب من أي دولة تقع في القارة الأوروبية وتريد الانضمام أن تلتزم بهذه المعايير، وحسب تقييمها فإن تركيا ما زالت متاخرة عن الالتزام بهذه المعايير.

الاتحاد الأوروبي

الاتحاد الأوروبي هو اتحاد كونفدرالي سياسي واقتصادي مكون من ٢٨ دولة ذات سيادة قامت كل منها بتفويض بعض الصلاحيات إلى هيئات مشتركة تعمل وفق مجموعة معاهدات اتفقت عليها هذه الدول ابتداءً من معاهدة روما الاقتصادية لعام ١٩٥٧ ومعاهدة الاندماج في ١٩٦٧ والقانون الأوروبي الموحد لعام ١٩٨٦ومعاهدة ماستريخت في ١٩٩٢ ومعاهدة أمستردام في ١٩٩٧ ومعاهدة نيس في ٢٠٠٢ ومعاهدة لشبونة في ٢٠٠٩. وللاتحاد الأوروبي أربعة أهداف رئيسية هي (أولا تحقيق معايير المواطنة الأوروبية ويعني حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وثانيا ضمان الحرية والأمن والعدالة ويعني التعاون في مجال القضاء والشؤون الداخلية، وثالثا تعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي ويعني سوق واحدة، واليورو، وحماية البيئة والتنمية الاجتماعية والإقليمية، ورابعا الدور الأوروبي في العالم). ويعمل الاتحاد الأوروبي من خلال خمسة مؤسسات رئيسية هي (١- البرلمان الأوروبي، و٢- مجلس الاتحاد الأوروبي، و٣- المفوضية الأوروبية، و٤- محكمة العدل، و٥- ديوان المحاسبة).

ويعتبر البرلمان الأوروبي المؤسسة التي تمثل مواطني دول الأعضاء البالغ عددهم حوالي ٥٠٣ مليون مواطن أوروبي ممثلين في ٧٦٦ نائب يجتمعون في بروكسل ولوكسمبورغ وستراسبورغ بفرنسا. ولدى البرلمان ثلاث سلطات رئيسية هي (السلطة التشريعية، والسلطة المالية، وسلطة الرقابة الديمقراطية). وتشترك السلطتان التشريعية والمالية مع مجلس الاتحاد الاوربي في معظم الحالات بتني القرارات. أما سلطة الرقابة الديمقراطية فتشرف على مسائل تحقيق الديمقراطية ومتابعتها. وللبرلمان عبر سلطاته الثلاثة الحق في تقرير توسيع الاتحاد الاوربي ومراقبة مفاوضات انضمام دولة جديدة أو تمديد المفاوضات.

مجلس الاتحاد الأوروبي هو صاحب القرار الرئيسي في الاتحاد الأوروبي ويتكون من وزير واحد من كل حكومة دولة من الدول الأعضاء، ويقوم المجلس بثلاث وظائف أساسية هي (السلطة التشريعية، وتنسيق السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء، وسلطة الموافقة على ميزانية الاتحاد الأوروبي). وفي معظم الحالات تشارك السلطة التشريعية في المجلس مع البرلمان الأوروبي بإصدار القوانين الأوروبية عن طريق إصدار قرار مشترك. المجلس والبرلمان يستلمان معا مقترحات لتشريعات تأتي من المفوضية الأوروبية، ويمكن للمجلس والبرلمان اجراء تعديلات على التشريعات في إطار هذا الإجراء. أما إدارة تنسيق السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء فتقوم في كل عام بتوجيه السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء عبر توصيات ترفع إلى المجلس. وتشترك سلطة الموافقة على ميزانية الاتحاد الأوروبي مع البرلمان في الاشراف على الإنفاق في الاتحاد الأوروبي وتبني الميزانية السنوية للاتحاد، ولـ‘‘سلطة الموافقة’’ الكلمة الأخيرة في تحديد الإنفاق على الصندوق الأوروبي للتنمية الإقليمية، والصندوق الاجتماعي الأوروبي، والبرامج الثقافية والتعليمية والمساعدات الانسانية وبرامج اللاجئين، والإنفاق على الزراعة، والإنفاق على الاتفاقات الدولية.

ويتخذ المجلس قراراته بطرق مختلفة، بعض القرارات يجب أن يتم اتخاذها بالإجماع مثل القرارات المتعلقة بالدفاع والضرائب وإذا لم يكن هناك توافق في الآراء فتتخذ القرارات في معظم المجالات بتصويت الأغلبية بعد الالتزام بالشرطين التاليين (الاول موافقة ٥٥٪ من الدول الأعضاء وهو ما لا يقل عن ١٦دولة، ثانيا المؤيدون للقرار يجب ان يمثلوا ٦٥٪ من سكان الاتحاد الأوروبي أي ٣٢٩ مليون من ٥٠٣)، وإذا كان هناك أقل من أربع دول تعارض الأغلبية فإن تصويت الأغلبية يعد نافذا. في بعض الحالات، بعض الدول الأعضاء تشارك في القرارات دون الجميع مثل الدول التي تبنت اليورو تتخذ قرارات تتعلق باليورو أو الدول الأعضاء في منطقة شنغن ايضا تتخذ قرارات معينة حول موضوع شنغن وعليه تطبق النسب المئوية للدول المشاركة فقط. وفي حالة اتخاذ قرار لاقتراح مقدم من غير المفوضية فيجب تحقيق شرطين هما (موافقة ٧٢٪ من الدول الاعضاء ويعني ما لا يقل عن ٢١ دولة من الـ ٢٨، وأن يكون الموافقون يمثلون ٦٥٪ من سكان الاتحاد الاوربي). وإذا كانت المشاركة لبعض دول الاعضاء دون الجميع فإن الشرطين السابقين يطبقان على المشاركين، ولتحقيق الثلث المعطل فيجب أن لا تقل نسبة سكان الدول المشاركة عن ٣٥٪ من سكان الاتحاد.

وتقع مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل في بلجيكا وهي مكونة من ٢٨ مفوض بواقع واحد لكل دولة من الدول الأعضاء، وتقوم المفوضية بعدد من الوظائف وهي (تقديم مقترحات القوانين الأوروبية وإرسالها إلى البرلمان ومجلس الاتحاد الاوربي للموافقة عليها أو التعديل، وتعمل المفوضية كضامنة لتطبيق تشريعات الاتحاد الأوروبي بين الدول الأعضاء، وإدارة السياسات والميزانية السنوية، وتمثل المفوضية الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية وتتفاوض لعقد اتفاقيات التجارة والتعاون مع الدول خارج الاتحاد الأوروبي). وتعتبر محكمة العدل الأوروبية والتي مقرها في لوكسمبرغ المؤسسة القضائية في الاتحاد الأوروبي حيث تتعامل مع النزاعات بين الأطراف ولديها وظيفة تفسير القانون الأوروبي وتطبيقه وتـأييد المعاهدات، وتتكون من ٢٨ قاضيا بواقع قاض عن كل دولة من الدول الأعضاء. أما ديوان المحاسبة ومقره في لوكسمبورغ ايضا ويتكون من ٢٨ عضوا (واحد لكل دولة من الدول الأعضاء) وأعضاءه مستقلون ولديهم الخبرة في مجال التدقيق المالي العام. المهمة الرئيسية لديوان المحاسبة هي تدقيق الحسابات والإشراف على تنفيذ ميزانيات مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ويسعى الديوان إلى تحسين الإدارة المالية للاتحاد الأوروبي وتقديم تقرير إلى مواطني الاتحاد عن كيفية إنفاق أموال الاتحاد الأوروبي ضمن تقرير سنوي في نهاية كل سنة مالية.

أهم عوائق قبول عضوية تركيا

الاقتصاد

حسب وكالة الإحصاء التركية الرسمية فقد نما الاقتصاد التركي بنسبة ٤٪ في عام ٢٠١٥ متجاوزا كل التوقعات كأفضل الأسواق الناشئة أداءً في العالم على الرغم من الاضطرابات السياسية والتهديدات الأمنية، حيث ارتفع إجمالي الناتج المحلي التركي عام ٢٠١٥ إلى ٧٢٠ مليار دولار. لكن مع نهاية ٢٠١٥ وبداية ٢٠١٦ واجه الاقتصاد التركي صعوبات كبيرة في تحقيق نفس مستوى النمو للعام الماضي وأبرز هذه الصعوبات هي الازمة الاقتصادية مع روسيا والعلميات الانتحارية بسبب عودة الحرب الاهلية في جنوب شرق تركيا وانخفاض عدد السياح القادمين إلى تركيا، مما شكل قلقا للمستثمرين الاجانب والاتراك حيث أظهرت البيانات الصادرة عن وزارة السياحة التركية أن عدد السياح الاجانب انخفض في عام ٢٠١٥ بنسبة كبيرة عن عام ٢٠١٤، وتساهم السياحة بعائدات تصل إلى ٣٠ مليار دولار في السنة لتشكل ٤٪ من الاقتصاد التركي. وحسب الخبراء الاقتصاديين في الاتحاد الاوربي فإن العمليات الانتحارية والحرب الاهلية التركية الكردية ستكلف الاقتصاد التركي كثيرا على مستوى الاستثمار والسياحة ولمدى طويل، بالمقابل تسعى تركيا لتعويض خسائرها في قطاع السياحة بزيادة آفاق التجارة مع إيران والاتحاد الأوروبي مستفيدة من رفع العقوبات الغربية عن إيران.

وعلى الرغم من النمو الكبير لا يزال الاقتصاد التركي في نظر الاتحاد الاوربي اقتصاد متدني المعايير وهو مشابه لحد ما نموذج الاقتصاد الصيني. آرثر لويس، وهو عالم اقتصادي (فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام ١٩٧٩) وضع نظرية ’’نموذج القطاعات المزدوجة‘‘ أو ’’نموذج لويس‘‘ في عام ١٩٥٤ موضحا كيفية بقاء الأجور في مستويات منخفضة في الاقتصادات الزراعية التي تخضع للتصنيع السريع. ذلك النموذج استفادت منه دول آسيوية مثل كوريا وتايوان والصين. في نموذج لويس عندما يبدأ التصنيع تتم إعادة توزيع اليد العاملة من المزارعين ذوي الإنتاج المنخفض إلى القطاع الصناعي الحضري ليقود إلى نمو سريع، لكن ثمار هذا النمو السريع تنتهي بشكل غير عادل عند أصحاب رؤوس المال لأن العمالة الريفية الفائضة تضمن بقاء الأجور في مستويات منخفضة، وبالتالي يزداد أصحاب رؤوس المال ثراء وتبقى اليد العاملة على أجورها المنخفضة. هذه الديناميكية الاقتصادية تولد معدلات عالية للغاية من الادخار والاستثمار وهما السمتان المميزتان للاقتصاد التركي الآن. والسبب الاساسي أن أصحاب المصانع والشركات يعلمون أن بمقدورهم العثور على يد عاملة جديدة بسهولة لذا يعملون بمثابرة على توسيع اعمالهم وزيادة أرباحهم بمزيد من الاستثمارات، مما يعني مزيد من الادخار والاستثمار. اليد العاملة الرخيصة وارتفاع معدلات الادخار ينتجان فوائض تجارية واحتياطيات نقد أجنبي كبيرة ويرفعان العملة.

لذا فإن دخول بلد فقير وبهذا الحجم الكبير من شأنه أن يضع ضغوطا لا تحتمل على الموارد المالية للاتحاد الأوروبي، ويعتقد الخبراء الاوربيون أن جيشا من المهاجرين الفقراء الاتراك سيتوجهون إلى أوربا، وعلى الرغم من أن تركيا نجت من الأزمة الاقتصادية العالمية إلا أنها فشلت في تطبيق الإصلاحات اللازمة التي ستؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. لكن الاتراك يعتقدون أن الموقع الجغرافي لتركيا على مفترق الطرق بين أوروبا والشرق وتاريخها منذ عهد كمال أتاتورك كدولة علمانية حديثة تتيح لها توفير جسر الاتصال بين الغرب والدول الإسلامية، وهي أيضا الدولة التي يمكن استخدام اراضيها لمد خطوط الأنابيب النفط والغاز من آسيا إلى أوروبا، كما أن الاقتصاد التركي الناشئ يمكن أن يستمر في النمو ويعمل على توفير أسواق جديدة لأوروبا مع استثمارات تركية محتملة في أوروبا.

مؤسسات غربية تعنى بدراسات المخاطر الاقتصادية والسياسية لدول العالم قدمت تحليلات عن المخاطر التي تواجه تركيا، إحدى هذه المؤسسات تدعى كونترول ريسكز (مراقبة المخاطر) قالت إن تركيا من بين  خمسة بلدان ذات ‘‘الأسواق الناشئة الهشة’’ وتتأثر بتدفقات الاستثمارات الأجنبية، الاقتصاد التركي يعاني من عجز ٥٪ في الناتج المحلي الإجمالي الذي يحتاج إلى تمويل خارجي كبير. منذ عام ٢٠١٢ شهدت تركيا نموا أقل من المتوسط وصار الناتج المحلي الإجمالي عند ما يقارب من ١٠ ألاف دولار أمريكي للفرد الواحد، وبذلك سقطت في ‘‘فخ الدخل المتوسط’’ وأصبحت غير قادرة على اللحاق بركب الدول المتقدمة ومنها دول الاتحاد الاوربي. ولا تقتصر مشاكل تركيا بالأرقام، فمجتمع الأعمال التركي قلق إزاء عدم وجود خريجين مؤهلين بسبب المشاكل البنيوية في النظام التعليمي. المؤسسات القضائية مثقلة بأعباء تفوق طاقتها وبطيئة وكثيرا ما يشكك في نزاهتها، والبيئة الأمنية لجاراتها في العراق وسوريا مضطربة، ومتوترة مع جارتها الاخرى روسيا بعد أن قام الجيش التركي بإسقاط طائرة عسكرية روسية. والنتائج كما يقول التقرير ‘‘برميل بارود يحتوي على بيئة استثمارية صعبة والإدمان على الديون الخارجية وجغرافيا سياسية غير مستقرة، الشيء الوحيد المفقود هو شرارة من البنك المركزي’’. ويمضي التقرير قائلا، أنه في الوقت الذي أطلقت فيه مؤسسة مورغان ستانلي الامريكية المتخصصة في الادارة المالية في منتصف عام ٢٠١٣ مصطلح ‘‘الاسواق الخمسة الهشة’’ ، دخلت السياسة التركية في مرحلة طويلة من التوتر بين المؤيدين والمعارضين لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وانتهى هذا التوتر باحتجاجات مناهضة للحكومة على نطاق واسع في آيار ٢٠١٣ ثم ظهرت قضايا الفساد في كانون الأول من العام نفسه واستمرت خلال الانتخابات الأربعة، هذه الصراعات السياسية والانتخابات استقطبت التوترات ولم تجلب المواجهات الاجتماعية فقط بل حولت الانتباه عن المشاكل الاقتصادية. هناك قرارات صعبة تلوح في الأفق، بما في ذلك خفض النفقات وترك البنك المركزي ليرفع أسعار الفائدة وهو ما يرفضه السيد إردوغان حتى الآن، وبدون مثل هذه القرارات فإن السؤال الذي يٌطرح هل ستواجه تركيا فترة أخرى من التوترات السياسية في حين يترنح الاقتصاد في أزمة على المدى القصير وركود على المدى الطويل.

وبفرضية إنضمام تركيا للاتحاد الأوروبي فإن ذلك سيترك أثرا كبيرا على ميزانية الاتحاد، وتقسم ميزانية الاتحاد السنوية إلى خمسة أقسام (اقتصادية وزراعية وقضائية ودولية وادارية)، وبلغت عام ٢٠١٦ بقيمة ١٥٥مليار يورو (التزامات مالية) و١٤٤مليار يورو (مدفوعات) ضمن إطار مالي على مدى سبع سنوات، منها ٦٩ مليار يورو أي ما يقرب من نصف الميزانية السنوية في التزامات لتحفيز النمو الاقتصادي والعمالة والقدرة التنافسية، والتزامات أخرى لفتح الاستثمارات في أوروبا. بعض الالتزامات المالية تخصص لدعم قطاع الزراعة والصناعة في دول الاتحاد وبفرض إنضمام تركيا فإن على دول الاتحاد ارسال جزء غير قليل من مخصصات الميزانية إلى قطاعات زراعية وصناعية تركية مما يعني سحب جزء من هذه المخصصات من دول زراعية كبرى كفرنسا وايطاليا واسبانيا التي يشتكي مزارعوها دوما من قلة انفاق الاتحاد الاوربي على مزارعهم. ويتوقع الخبراء الاوربيون أن انضمام تركيا للاتحاد سوف يدفع بعدد كبير من الأتراك للبحث عن فرص العمل والهجرة إلى بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وغيرها، وتعتبر العمالة التركية من العمالة ’’الرخيصة‘‘ مما يعمل على تخفيض الأجور في هذه الدول وزيادة معدلات البطالة. بالاضافة لذلك ستنتشر البضائع التركية الرخيصة في دول الاتحاد ما سيؤثر على أسعار الصناعة المحلية وعلى مستوى الجودة. ومن جانب آخر سيتيح انضمام تركيا للمستثمرين الأوربيين القيام باستثمارات في تركيا التي تعتبر سوقا كبيرة وتوفير فرص عمل للأتراك بدلا عن الايدي العاملة ‘‘المرتفعة الاجور‘‘ في أسواق أوروبا التي سيتحول جزء من الاستثمارات عنها إلى تركيا. كما أن أنضمام تركيا يتطلب اجراء استفتاء عام في بعض الدول الاوربية وشعوب تلك الدول ترى أن تركيا دولة كبيرة وفقيرة وستثقل ميزانية الاتحاد بنفقات كثيرة، لكن الاتراك يردون أن تركيا لم تعد ’’ رجل أوربا المريض‘‘ وانها حققت قفزات كبيرة في النمو الاقتصادي.

 الدين وعدد السكان

استنادا إلى أحدث تقديرات الأمم المتحدة في نيسان ٢٠١٦ فإن عدد السكان الحالي في تركيا يناهز الـ ٧٩ مليون نسمة وهو ما يعني ثقل كبير جدا لتركيا على الصعيد البشري ضمن دول الاتحاد (٥٠٣ مليون) التي تعاني أصلا من مشكلة التراجع في نمو السكان. اجتماعيا سيحصل تغيير في المعادلة الديموغرافية في أوربا، واقتصاديا سيسيطر الاتراك على سوق العمالة وسياسيا سيحدث خلل في عملية التصويت داخل مؤسسات الاتحاد الأوربي لان تركيا ستكون بالمرتبة الثانية بعد ألمانيا في عدد الأعضاء بالبرلمان الأوربي وتتحول فرنسا إلى المرتبة الثالثة، واذا ما أخذنا بنظر الاعتبار النمو السكاني في تركيا مقارنة بألمانيا فإن عدد سكان تركيا سيفوق ألمانيا في عام ٢٠٢٠ حسب الدراسات الاوربية ويحتل ٩٦ مقعد في البرلمان كحد أقصى وتكون قادرة على التأثير في صناعة القرار السياسي والاقتصادي الاوربي. ويشكل المسلمون ٩٩٪ من سكان تركيا وهو ما تخشاه الدول الاوربية في ظل النمو السكاني المتراجع في دول الاتحاد وتقدم النمو السكاني لتركيا التي بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي سيصل عدد المسلمين في أوروبا إلى ١٠٠ مليون.

وكانت مجلة إيكونيميست البريطانية نشرت تقريرا مطولا في ٢٠١٤/١١/١ عن ايران بعنوان “انتهت الثورة” تطرقت فيه الى ذكر تركيا وتحدثت عن آثار التغيرات الاجتماعية والتحولات الديموغرافية خلال السنوات الماضية في كل من ايران وتركيا، واوضحت ان تركيا تتحول بسرعة مذهلة إلى بلد هائل العدد بالسكان فبعد الطفرة الاقتصادية منذ عام ٢٠٠٢ ارتفعت معدلات المواليد وتضاعف حجم السكان، وأكبر الفئات العمرية الان تبلغ (من حديثي الولادة الى ٣٥) عام. غالبية الاتراك من المسلمين السنة يبدون اهتماما بالدين مع تركيز أقل على العبادة مقارنة بالسنة العرب وان كانت المساجد مشغولة بصلاة الجمعة! فان خطباء المساجد يتبعون للدولة التي يحكمها حزب العدالة والتنمية وصلاة الجمعة في كثير من الأحيان هي لإلقاء الموعظة الأيديولوجية من قبل رجال الدين ولكن في المحافظات الامر مختلف حيث يحضرون في المسجد الرئيسي بشكل متواصل. وكان لكل هذه التغيرات الاجتماعية تأثير واضح على السياسة التركية في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٤ وتركز معظم النقاش حول المرشح الأفضل، وهنا تُظهر الأيديولوجية الدينية قوتها في السياسة الداخلية ويتم تعبئة الاتراك جماهيريا وتلقينهم مذهبيا رغم رفض الاقليات الدينية والعلمانيين لذلك. أما الحجاب فيزداد في تركيا كل يوم والشباب المتدين يزدادون ايضا ربما من تأثير زيادة عدد رجال الدين المتخرجين من المدارس الدينية وكليات الشريعة الاسلامية حيث ازداد عدد رجال الدين في تركيا من عام ٢٠٠٢ بشكل ملفت للانتباه في شكل تنافسي مع إيران والمملكة العربية السعودية ومصر.

262603206

كما أن دول الاتحاد تخشى من مشكلة تنامي ظاهرة التطرف الإسلامي بين فئات من الشعب التركي بسبب الصراع السياسي داخل وخارج تركيا، حيث تناقلت وسائل الاعلام الاوربية ما نشره مركز دراسات تركي في ١٢ كانون الثاني ٢٠١٦ عن نتائج مسح اجتماعي داخل تركيا أظهر أن 9.3 ٪ من المشاركين بالمسح قالوا إن داعش ليس تنظيما إرهابيا بينما قال 4.5٪ إنهم يؤيدونها، وقال 21٪ في المئة إن التنظيم يمثل الإسلام بينما قال 8.9 ٪ إنهم يرون التنظيم كدولة. إن تعاطف ما يقارب ١٠٪ من سكان تركيا مع تنظيم داعش أمر حتما سيقلق الاتحاد الأوربي الذي يعاني من هجمات إرهابية طالت عدة دول من اعضائه، وإذا كان من نفذ العمليات الإرهابية ضد الأهداف الاوربية هم مجموعات صغيرة ضمن الأقليات المسلمة في أوربا فكيف الحال عندما يصبح في أوربا ١٠٠ مليون مسلم منهم ١٠٪ متعاطفون مع من يقتل مواطني دول الاتحاد.

قبرص واليونان

بعد الانقلاب العسكري في قبرص في عام ١٩٧٤ الذي اطاح بحكومة توافقية بين الاتراك واليونانيين، غزا الجيش التركي شمال قبرص وقام بتقسيم الجزيرة بين الاتراك القبارصة (المسلمين) في الشمال واليونانيين القبارصة (المسيحيين) في الجنوب بعد مواجهات دامية بين الطرفين أخذت بعدا دينيا وقوميا، استعان فيها القبارصة المسيحيون باليونان التي أرسلت إليهم دعما عسكريا ’’غير رسمي‘‘ من متطوعين وأسلحة والحقوا بالقبارصة الاتراك خسائر كبيرة الذين كانوا وما زالوا يشكلون أقل من ثلث سكان قبرص، وعندما تدخل الجيش التركي واحتل شمال قبرص أعلن ما عُرف بـ’’يوم التبادل‘‘ حيث طلب من جميع القبارصة الاتراك  وسط وجنوب قبرص الهجرة إلى الشمال وطلب أيضا من القبارصة اليونانيين في الشمال الهجرة إلى الجنوب، وفيما بعد اعلن القبارصة الاتراك عن جمهورية قبرص الشمالية التي لم يعترف بها أحد سوى تركيا التي حولت قضية قبرص إلى مسألة قومية وإحدى ثوابت الكرامة التركية ضد أوربا واليونان في سلسلة عداء تاريخي يمتد منذ ما قبل العهد العثماني، وأنشأت قاعدة عسكرية تركية في شمال قبرص. دول الاتحاد الاوربي اعترفت بدولة قبرص الجنوبية فقط واعتبرتها الدولة الوحيدة في جزيرة قبرص التي انضمت للاتحاد الاوربي في ٢٠٠٤ وصارت إحدى أهم الدول المعارضة لانضمام تركيا للاتحاد.

القيادة الجديدة في قبرص الشمالية قيادة يسارية بنت سياستها الانتخابية على الانفتاح على قبرص الجنوبية اولا ثم العمل على توحيد الجزيرة في دولة واحدة فيدرالية من فيدراليتين شمالية وجنوبية لتكون قبرص الشمالية ضمن دولة من دول الاتحاد الاوربي، كما أن سياسة الرئيس القبرصي الشمالي مصطفى أكينجي تدعو إلى تبني سياسة قبرصية ذات سيادة خارج المحور التركي أو اليوناني، هذا النهج السياسي جعلت الرئيس أردوغان يشن هجــوماً على الرئيس القبرصي مشيرا إلى أن تركيا تساهم سنوياً بمبلغ مليار دولار في موازنة شمال قبرص وأن الشعب التركي دفع ثمنا غالياً في مواجهة اليونان وأوروبا. لكن القبارصة الاتراك ورغم كل الدعم التركي المالي والسياسي ما زالوا فقراء مقارنة بقبرص الجنوبية ومعزولين دوليا. وبسبب عدم اعتراف أي دولة باستقلال قبرص الشمالية وبسبب العقوبات الاقتصادية فإن تركيا هي من يتحكم بعلاقات قبرص الشمالية الخارجية، ويرتبط اقتصاد قبرص باقتصاد تركيا بشكل كلي حيث تستخدم قبرص الشمالية الليرة التركية كعملة رسمية لها، وتشارك الدولة التركية في ثلث ميزانية قبرص الشمالية وتمول معظم مشاريعها للبنية التحتية، والخط الجوي الوحيد الذي يربط قبرص التركية بالعالم الخارجي يمر عبر مطار إسطنبول فضلا عن وجود خط بحري بين ميناء كاريينا القبرصي التركي ومدينة أضنه في تركيا. ومع اكتشاف الغاز والنفط في البحر المتوسط وطرح قبرص الجنوبية مشاريع مشتركة مع اليونان ومصر وإسرائيل وجدت قبرص التركية أن قطاع الطاقة قد ينقلها إلى وضع اقتصادي جديد بعيدا عن هيمنة تركيا التي تستخدمها كورقة في صراعها مع اليونان وفي مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي.

تكمن أهمية قبرص بالنسبة إلى تركيا في كونها قاعدة لجميع أنواع العمليات العسكرية، مثلا أن أي عمل عسكري يتم في منطقة البلقان في أوربا ’’التي لتركيا فيها مصالح ‘‘ قد يسهل الوصول إلى بحر إيجة المهمة استراتيجيا لتركيا، وأيضا لجزيرة قبرص أهمية دفاعية عسكرية وتجارية في منطقة شرق المتوسط وقناة السويس ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، وبعد إكتشاف الغاز والنفط بكميات كبيرة في منطقة جنوب قبرص رأت تركيا أن من حقها الاستفادة من مصادر الطاقة هذه خصوصا وأنها تستورد الغاز والنفط من روسيا وإيران والعراق وغيرهم. وتبقى العقلية التركية ترى أنه لا يمكن تصور تركيا بدون قبرص‘‘ إلى درجة أن بعض الاتراك وصفوا ’’تركيا بلا قبرص كتركيا بلا إسطنبول‘‘. لكن حسب المفهوم الاوربي أن مشكلة تركيا الاساسية مع قبرص واليونان أنها تحتل أراضي  دولة من دول الاتحاد الاوربي ولا تعترف بهذه الدولة ولا تتعامل معها سياسيا بل فرضت حصارا اقتصاديا عليها ردا منها على حصار اوربا لقبرص التركية المعزولة دوليا، وفي خضم هذا الاجراءات ترغب تركيا في الانضمام لهذا الاتحاد دون أن تسحب قواتها من شمال قبرص أو أن تتصالح مع قبرص اليونانية. وفي مناسبات عديدة قال المسؤولون الاوربيون أن على تركيا الاعتراف بدولة قبرص الجنوبية، وفتح مطاراتها وموانئها أمامها، ووضعوا شرطا أساسيا على تركيا ’’لكي تكون عضوا في أسرة، يجب أن تعترف بجميع أفراد هذه الأسرة‘‘.

الاعتراف بالإبادة الأرمنية

في الذكرى السنوية المائة للمسألة الارمنية أقر البرلمان الاروبي أن ما حصل للارمن إبادة جماعية وأن على تركيا الاعتراف بذلك، لكن تركيارفضت القرار وقالت أنه لا يمتلك أية صفة قانونية. الجدل القائم بين تركيا والاتحاد الاوربي هو: هل أن عدد الأرمن الذين قتلوا بين ١٩١٥ و١٩١٧ هم ٣٠٠ ألف أم مليون ونصف المليون؟ وهل كانت إبادة أم لا؟. يقول الأرمن إن ما يصل إلى  مليون ونصف المليون أرمني قتلوا خلال سقوط الدولة العثمانية وأن ما حصل إبادة جماعية وعلى المجتمع الدولي الاعتراف بذلك، لكن تركيا كانت دائما وما تزال ترفض تلك المطالبات الأرمنية وتقول أن ٣٠٠ ألف إلى ٥٠٠ ألف من الأرمن والأتراك والاكراد قتلوا في الحرب الأهلية التركية الارمنية بسبب انتفاضة الارمن ضد العثمانيين ووقفوهم مع الجيش الروسي الذي كان في حرب مع الدولة العثمانية لسنوات طويلة وأن ما جرى لم يكن إبادة بل أعمال قتل وقعت بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى وبداية إنهيار الدول العثمانية وخروج الامور عن سيطرة الحكومة العثمانية وأن الضحايا لم يكونوا من الأرمن فقط بل من الأتراك والأكراد أيضا، وإن حملات الترحيل التي جرت  بحق الارمن إلى الصحراء السورية وغيرها لم تكن بهدف القتل بل كانت لحمايتهم بعد أنتشار القتل على الهوية في الدولة العثمانية واعتبار كل ارمني خائن  وعميل للروس وهدف للقتل.

المراكز والهيئات الدولية المعنية تقدر عدد الضحايا بنحو مليون أرمني وبعض الدول والمنظمات الدولية اعترفت بان ما جرى بحق الارمن هو ابادة جماعية، ومن بينها الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة إضافة إلى (فرنسا وسويسرا والنمسا والمانيا وبلجيكا وهولندا والسويد وايطاليا وقبرص واليونان والفاتيكان وبولندا، ومن أمريكا الجنوبية فنزويلا والارجنتين وتشيلي وبوليفيا والاوروغواي ومن الدول العربية لبنان). بعض هذه الدول لم تكتف بالاعتراف بل سنت قوانين تجرم انكار الابادة. والسؤال المطروح: لماذا لا تعترف تركيا بأن ما حصل للارمن إبادة ! الحقيقة أنه إذا كان الأمر بالنسبة للأرمن قضية وطنية مقدسة فإنها بالنسبة لتركيا ذات ابعاد سياسية واقتصادية وأن هناك تبعات فيما إذا أقرت تركيا واعترفت بإدة الأرمن حيث سيطالب الارمن بأراض ورموز دينية وتعويضات مالية بما يمس وحدة تركيا وسيادتها، كما أن الآشوريين والسريان والكلدان واليونانيين ممن كانوا في يعيشون في اراضي الدولة العثمانية الذين تعرضوا أيضا لملاحقات وقتلوا وهُجروا سيطالبوا بحقوقهم، وهو ما يصعب على تركيا القبول به.

المادة ٣٠١ من القانون التركي

المادة ٣٠١ من قانون العقوبات التركي يعتبر إن إهانة تركيا أو الشعب التركي أو مؤسسات الدولة التركية جريمة يحاسب عليها القانون بالسجن من ٦ أشهر ولغاية سنتين. هذه المادة القانونية استخدمت لملاحقة الاعلاميين والصحفيين والكُتّاب الذين ينتقدون الدولة العلمانية التي بناها كمال آتاتورك أو رئيس الجمهورية أو مؤسسة الجيش أو القضاء، حيث قدم الاتحاد الاوربي قائمة بإسماء الصحفيين والكتاب الاتراك الملاحقين قضائيا لانتقادات وجهوها لمؤسسات الدولة التركية. منظمة العفو الدولية تعتبر أن المادة ٣٠١ تشكل تهديدا مباشرا لحرية التعبير مقارنة بالمادة ١٠ من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية. في عام ٢٠١١، قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن ’’نطاق الشروط المنصوص عليها في المادة ٣٠١ من القانون الجنائي، واسع جدا وغامض وبالتالي يشكل تهديدا مستمرا لممارسة الحق في حرية التعبير‘‘، ويرى الاتحاد الاوربي أن هذه المادة القانونية لا تصل إلى مستوى قوانين الاتحاد التي تكفل حرية التعبير.

وانتقد الاتحاد الاوربي في بداية هذه السنة اعتقال السلطات التركية لمجموعة من الاكاديميين الاتراك عملا بقانون ٣٠١ بسبب انتقادهم لرئيس الجمهورية والجيش التركي بعد التدخل العسكري ضد حزب العمال الكردستاني، وكان اكثر من ألف اكاديمي تركي وقعوا على عريضة طالبوا فيها الحكومة بوقف العمليات العسكرية جنوب شرق تركيا. وانتقد الاتحاد الاوربي ايضا تمتع  المحاكم التركية بحقوق واسعة للتدخل في ما يعتبر أمورا سياسية بحتة وطالب الاتحاد بإلغاء المادة ٣٠١ والسماح بتوجيه انتقاد لكل مؤسسات الدولة. وقد بلغ عدد الدعاوى التي تقدم بها الرئيس أردوغان إلى القضاء بتهمة ’’تحقير‘‘ رئيس الجمهورية ما يقارب من الفين دعوى معظمها وجهت ضد اعلاميين وصحفيين وضد مواطنين عاديين قاموا بشتم الرئيس أو انتقدوا سياساته، ولم يسبق لرئيس تركي أن وجهه هذا الكم من الدعاوى القضائية ضد منتقديه، بل إن الامر وصل إلى اتهام اردوغان لبعضهم بالتجسس والخيانة.

رغم رغبة تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الاوروبي إلا أنها تقيد حرية التعبير في قضايا تعتبرها تهديدا للجمهورية العلمانية، فمثلا قضايا تتعلق بحقوق الأقلية الكردية أو مذابح الارمن تعتبر تهديد للامن القومي التركي. ومع توجه الرئيس اردوغان للتحالف غير المعلن مع القوميين الاتراك الذين حكموا تركيا منذ سقوط الدولة العثمانية، بات واضحا أن الدولة التركية لا تقبل بطرح شؤون حساسة للنقاش الاعلامي مثل الشأن الفيدرالي الكردي أو المذبحة الارمنية، ويتعرض من يتحدث عنها للمسآءلة القانونية وفق قانون ٣٠١ وفق ظروف مشابهه لما تعرض له كل من الكاتب التركي أورهان باموك الحاصل على جائزة نوبل والصحفي الارمني التركي هرانت دينك الذي كان يحمل الجنسية الأميركية وقتل فيما بعد على يد قومي تركي.

حقوق المرأة

مع أن تركيا شهدت إصلاحا نموذجيا في مجال حقوق المرأة فقد وجه الاتحاد الاوربي في مناسبات عديدة انتقادات إلى النظام القانوني التركي الذي يتكفل بالحماية ضد العنف الأسري قائلا انه يترك النساء دون حماية من قبل الأزواج وأفراد الأسرة رغم وجود قوانين تركية قوية في هذا الصدد. بعض التقارير الاوربية تحدثت عن تجاهل الشرطة والقضاء واستهزائهم بشكاوى تقدمت بها نساء ضد ازواجهن واجبروهن على العودة إلى بيوتهن دون توفير المساعدة أو الحماية وأن طالبات الحماية من العنف لا يملكن أدلة واضحة ضد العنف مما يسبب تجاهل القضاء والشرطة، وفي حالات متعددة تعرضت النساء للاساءة العنيفة من قبل الشرطة مما جعلهن يفضلن العودة إلى أزواجهن. ورغم وجود قانون تركي يقضي بتوفير مأوى للنساء والاطفال ممن يتعرضون للعنف الاسري إلا أن المآوى الموجودة في أوضاع سيئة وبإجراءات امنية غير جدية كأن يسمح القائمون على المأوى بدخول الزوج المعتدي على زوجته الهاربة منه رغم عدم رضاها بنية عقد صلح بين الطرفين وفق شروط الزوج.

ويرى الاتحاد الاوربي أن على تركيا تطبيق المعايير الاوربية لحقوق المرأة وتطوير النظام القضائي والامني  التركي بما يتناسب مع حقوق المرأة ضد العنف الاسري التي تشمل حسب القانون الاوربي (استخدام القوة البدنية أو التهديد باستخدام القوة الجسدية أو سوء المعاملة العاطفية، وتدمير الممتلكات، وفرض الانعزال عن الأصدقاء والعائلة، والمطاردة، والسيطرة على الأموال أو الحسابات الشخصية للمرأة ووسائط النقل والهاتف)، وبموجب هذا التعريف القانوني في الاتحاد الاوربي فإن جهاز الشرطة  يقوم باعتقال ومحاكمة الزوج أو المعتدي داخل أفراد الأسرة  ثم يقوم بتوفير الحماية  بعد الحصول على أمر قضائي  يحظر على الشخص العنيف المزيد من العنف أو التهديد بالعنف، وفي البداية  قد لا يلزم الشخص العنيف مغادرة منزل العائلة، لكن يمكن للقاضي اصدار أمر بمغادرة هذا الشخص العنيف بيت الأسرة ويحظر عليه الاقتراب من المنزل لمدة قد تصل إلى سنوات.

تقييم المفوضية الاوربية لإنضمام تركيا

صادق البرلمان الأوروبي بالأغلبية في ١٤ نيسان ٢٠١٦ على التقرير الخاص بتركيا الصادر من المفوضية الاوربية الذي يقيّم مدى توافق تركيا مع معايير الاتحاد الأوروبي في كافة المجالات لعام ٢٠١٥. تقرير المفوضية الاوربية لعام ٢٠١٥ بعنوان ‘‘تقرير التقدم’’ الذي تقيّم فيه المفوضية اوضاع الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد الاوربي ومطابقتها لمعايير دول الاتحاد، قالت فيها إن انتكاسات خطيرة حصلت في حرية التعبير خلال العامين الأخيرين في تركيا، وتراجع استقلال القضاء وسن القوانين دون معايير الاتحاد الأوروبي. التقرير لم يذكر أسماء لكنه لمح إلى السيد أردوغان في انتقاداته للتراجع في حرية التعبير، وذكر التقرير إن من القضايا المقلقة في تركيا التي تعد ابتعادا عن المعايير الاوربية إقدام السلطات على تقويض حرية الصحافة بملاحقة الصحفيين والكتاب والاعلاميين بقضايا جنائية وتخويف وسائل الإعلام، وتغيير القوانين التركية بشأن الانترنت، بما يسمح للسلطات بغلق المواقع دون أمر قضائي. ودعا التقرير إلى فتح الفصل ٢٣ المتعلق بالقضاء والحقوق الأساسية والفصل ٢٤ المتعلق بالعدالة والحرية والأمن في المفاوضات مع تركيا لتشجيع عملية الإصلاح وإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين

وتحدث التقرير عن قلق الاتحاد الاوربي من الجهود التي يبذلها الرئيس ارودغان لتغيير النظام السياسي في تركيا من نيابي إلى رئاسي وحصر أغلب الصلاحيات بيده، وأن على تركيا القيام بخطوات جادة لمحاربة الفساد. وأشار التقرير إلى ضرورة استئناف محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني (المصنف ارهابيا في تركيا) بعد تدهور الوضع الأمني، وأكد التقرير أن حل المسألة الكردية لن يكون من خلال العنف وحظر التجوال المفروض في بعض المناطق جنوب شرقي تركيا الذي سبب نزوح ٤٠٠ ألف شخص عن منازلهم بسبب الاشتباكات، وطلب التقرير إزالة حزب العمال الكردستاني من قائمة الاتحاد الاوربي الخاص بالمنظمات الارهابية. وتحدث التقرير عن العنف الذي تتعرض له المرأة واعتبرته مثيرا للقلق لوجود نواقص قانونية وتشريعية لا تتوافق مع التشريعات الاوربية في حقوق المرأة. ووصف التقرير المسألة الارمنية بـ‘‘الابادة الجماعية’’ وهي ما ترفض تركيا الاعتراف به. وقدم التقرير توصية بإبطاء مفاوضات عضوية تركيا أو تعليقها وبقطع التمويل المخصص لتركيا طيلة مرحلة المفاوضات.

خلاصة القول

تنص معاهدة دول الاتحاد الأوروبي على أنه يمكن لأي دولة أوروبية أن تنضم للاتحاد الأوروبي إذا التزمت بمعايير كوبنهاغن لعام ١٩٩٣ والتي هي (سياسيا: لها مؤسسات مستقرة تكفل الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، اقتصاديا: لديها اقتصاد سوق فاعل ومعايير السوق داخل الاتحاد الأوروبي، قانونيا: تقبل قوانين وممارسات الاتحاد الأوروبي خصوصا الأهداف الرئيسية للوحدة السياسية والاقتصادية والنقدية)، وما زال أمام تركيا الكثير لتطبيق تلك المعايير.

 بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها النمسا وقبرص قالت أن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ستخضع للاستفتاء الشعبي. وفي ظل استطلاعات الرأي العام الأوروبية فإن العضوية التركية غير مرغوبة شعبيا، لإن هناك تخوف شعبي أوربي من عشرات الملايين الاتراك المسلمين الذين إن أصبحوا مواطنين أوربيين قد يتوجهوا للسكن والعيش في دول الاتحاد مما يشكل تغييرا ديموغرافيا للثقافة الاوربية، إضافة لخشية دخول متطرفين إسلاميين جدد كمواطنين داخل اوربا. ولعل ابلغ وصف لانضمام تركيا للاتحاد الأوربي جاء في حديث للرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان (١٩٧٤-١٩٨١) عندما قال في حوار مع صحيفة لوموند الفرنسية في ٨ شباط ٢٠٠٣ ’’إن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يعني نهاية أوروبا فعاصمتها ليست في أوروبا و٩٥ في المائة من سكانها يعيشون خارج أوروبا، لها ثقافة مختلفة وحياة مختلفة. إنها ليست دولة أوروبية. وتاريخيا لا تنتمي للحضارة الأوروبية‘‘.

ولكن لماذا ترغب تركيا بمواصلة المفاوضات للانضمام وهي تعلم انها لن تحصل على العضوية، يبدو أن القادة الاتراك يضربون بسقف مطالب سياسية واقتصادية عالية تتمثل بالعضوية الاوربية ليحصلوا على مكاسب كبيرة في اتفاقات سياسية واقتصادية مع دول الاتحاد الأوربي بين الحين والأخر كتعويض للمماطلة الاوربية في القبول. كما أن دول الاتحاد لا تريد رفض عضوية تركيا بشكل نهائي خوفا من تحولها إلى بلد خارج مصالح السرب الأوربي ولعل في قضية اللاجئين السوريين خير مثال عندما فتحت تركيا أبوابها لهجرة اللاجئين إلى أوربا.