U.N. logo pattern a press conference background at the United Nations headquarters, Tuesday, Sept. 3, 2013. (AP Photo/Bebeto Matthews)

تدعو التحديات المستمرة لأمن العراق، وأبرزها مؤخراً سقوط مدينة الرمادي بأيدي داعش ، إلى إعادة التفكير بالسياسة الأساسية في المنطقة، إذ يجب أن يعكس النهج الجديد التفاعل المعقد للعوامل الداخلية والخارجية المعنية. يرثي صناع السياسة الغربية فشل بناء الدولة وعدم قدرة الحكومة العراقية على الاتيان بإجماع في التغيرات في نظام قادر على توحيد المجتمعات المختلفة في البلاد، ولكن لا يمكن فهم هذا بمعزل عن العوامل الإقليمية الواسعة النطاق، كالتنافس بين السعودية وإيران، والحرب الأهلية في سوريا، وصعود جهات غير دولية.

وفضلاً عن ذلك ، لن يكون من الممكن التعرف على ما حصل من اخطاء من دون الاعتراف بفشل المجتمع الدولي في توفير قيادة قوية وموحدة للبحث عن السلام، أعاقت مصالح القوة العظمى المتباينة والتدهور في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وعلى وجه الخصوص إمكانية تطوير استراتيجية مشتركة، وجاء انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011 على عاتق تجربة فاشلة في إقامة دولة ديمقراطية وبنائها في بلد عربي استبدادي، وهذا شيء تعارضه المملكة العربية السعودية وعدد من الدول الأخرى في المنطقة.

ومن المؤمل أن يشعر الرئيس القادم للولايات المتحدة بثقة كافية لانتهاج سياسة تجدد الارتباط مع العراق، ولكن ما هو مطلوب حقا هو أن تضطلع الأمم المتحدة بدور أكثر نشاطاً في تعبئة موارد الأعضاء القياديين ونفوذهم جميعاً، وراء خطة سلام متماسكة قادرة على حشد القوى الإقليمية والمحلية لتقديم الدعم.    إنّ الحفاظ على السلم والأمن الدوليين هو المسؤولية الأساسية للأمم المتحدة المنصوص عليها في المادة الأولى من ميثاقها طيلة فترة وجودها، لم تكن هناك حاجة أكثر وضوحا من الان لتنظيم المنظمة للعمل الدولي.

ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وسقوط نظام صدام، كان دور الامم المتحدة في العراق في أحسن الأحوال هو أن تكون أحد المساعدين، ويبدو إنّ إدارة بوش كانت حريصة على استخدام شرعية المنظمة مع تقييد مسؤولياتها في بناء المؤسسات وإعادة الأعمار والتنمية. وقد عين الأمين العام عددا من الممثلين الخاصين للعراق، واثبتوا فعاليتهم وشعبيتهم، بما في ذلك نيكولاي ملادينوف الذي كان مدافعا قوياً عن الوحدة السياسية العراقية ويواصل بديله في الآونة الأخيرة، يان كوبيس، هذا الجهد في بيئة صعبة وبموارد محدودة.

والأمم المتحدة قد قامت بالكثير من العمل الجيد في العراق، ولكن لم يتم دورها في بناء السلام الاستراتيجي المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. وينبغي أن يتم النظر إلى تعيين الأمين العام الجديد في العام المقبل كفرصة للأمم المتحدة للخروج من الهوامش، وأن تلعب دوراً أكثر مركزية في البحث عن حل سياسي للأزمة في العراق والمنطقة ككل، إذ إنّ هدفها الرئيس ينبغي أن يكون لبناء توافق في الآراء داخل مجلس الأمن، وخصوصا بين الأعضاء الخمسة الدائمين بشأن كيفية المضي قدماً.

و بلا شك سيساعد الأمين العام المقبل والذي من المتوقع أن يكون من أوروبا الشرقية بحسب قوانين الأمم المتحدة التي تنص على أن تدور رئاسة المنظمة بين مجموعات إقليمية مختلفة. وفي الواقع أنّ اثنين من ممثلي الأمم المتحدة في العراق في الآونة الأخيرة قد أتوا من تلك المنطقة، وهذا ليس من قبيل الصدفة، إذ إنّ سياسيي أوروبا الشرقية والدبلوماسيين فيها غالباً ما يكونون فعالين وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط، فهم قريبون جغرافياً بما فيه الكفاية لفهم أهمية المنطقة للأمن العالمي، ومندمجين بشكل جيد في المؤسسات الدولية الأكثر أهمية، ولا يحملون أي من مخلفات الإمبراطوريات كتلك التي يحملها نظرائهم من أوروبا الغربية، كذلك ينظر إليهم على أنهم وسطاء نزيهون، من دون أجنداتهم الخاصة.

إنّ الشخص الأوفر حظا الان لتولي المنصب هو وزيرة الخارجية البلغارية السابقة (إيرينا بوكوفا) كمديرة لليونسكو، قامت السيدة بوكوفا بزيارة العراق لمرتين في الأشهر الستة الماضية، وأولت الجهود المبذولة لمكافحة تدمير التراث الثقافي للبلاد على ايدي داعش، تقوم في دورها في اليونسكو وبالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة بقيادة الكفاح الدولي ضد تمويل الإرهاب من خلال الاتجار بالقطع الفنية الثقافية من العراق وسوريا، وتتمتع السيدة بوكوفا بسمعة قوية داخل الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

يأتي المرشحان الآخران من خارج أوروبا الشرقية، أولهما (ميشيل باشيليت) الرئيس الحالي لشيلي، وهو خيار شعبي ولديه خلفية حكومية قوية، ولكنه لا يمتلك خبرة دبلوماسية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وثانيهما يتم ذكر (هيلين كلارك) رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة والرئيسة الحالية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إذ تمتلك مكانة عالية ويرجع إليها الفضل في القيام بعمل جيد في دورها الحالي، إلا أنها قد لا تحظى بدعم الولايات المتحدة، وتعد (هيليثور ننجشميت) رئيسة الوزراء الدنماركية، كمرشحة تسوية محتملة إذا لم يحدث أي توافق في الآراء.

إن اختيار الأمين العام سيقول الكثير عن كيفية رؤية الأمم المتحدة لمستقبلها، وهل تريد أن تكون كالتنظيم الذي دعت اليه في مؤتمرها التأسيسي في سان فرانسيسكو؟ تنظيم قادر على العمل مع سلطة الرأي العام العالمي لمواجهة أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين؟ أم أن تكون منظمة يقتصر عملها على التعامل مع قضايا من الدرجة الثانية لشؤون العالم؟ إنّ شعوب العراق وسوريا والشرق الأوسط ككل لا يشكون بشأن ما يريدون، إنهم في حاجة إلى أمم متحدة تمتلك السلطة والنفوذ لوضع نهاية للصراع، ولا يستطيعون الانتظار لفترة أطول من ذلك بكثير.