أُعلن اليوم الثلاثاء ١٤/تموز/٢٠١٥ عن الاتفاق النهائي بشأن البرنامج النووي الايراني بين مجموعة الست الكبرى وايران، بعد مفاوضات طويلة تأجل اعلان الاتفاق فيها لاكثر من مرة، بسبب تفصيلات معقدة كان لابد من الاتفاق بشأنها.

وقد راقب المعنيون بتوجس لحظة الاعلان النهائي او “الاتفاق الجيد” كما اسماه الرئيس الايراني حسن روحاني لانهاء ازمة البرنامج النووي الايراني. ويطرح المتابعون تساؤلا منطقيا، هل: ستكون نهاية ازمة النووي الايراني مدخلا لازمات جيوسياسية جديدة، تتصاعد وتيرتها مع تزايد النفوذ والدور الايراني الاقليمي؟. ويمكن الاجابة باحتمالية ان يؤدي الاتفاق الامريكي-الايراني بشأن برنامج ايران النووي الى ترك انعكاساته على السياسة الخارجية الايرانية وطريقة ادارتها لملفات الصراع الاقليمية، رغم حرصها على الفصل بين مفاوضاتها النووية ومشكلات المنطقة الاقليمية، إذ يعتقد بعض الخليجيين ان الاتفاق النووي مع ايران سيؤدي الى مزيد من الازمات الاقليمية، التي من المحتمل ان تؤدي الى مواجهات عسكرية يكون لايران دور مباشر فيها.

وفي المقابل فان هناك رأي آخر يتوقع ان يكون للاتفاق النووي مع ايران تأثير مهم على بناء حالة من الاستقرار يكون لدول اقليمية اخرى الى جانب ايران ادوار فاعلة فيها، وذلك من خلال اتباع سياسة واعية لادارة الازمات التي في حال وقوعها ربما تطول زمنيا وتتوسع جغرافيا، الامر الذي سيقلل من اهمية مايحققه الاتفاق النووي من مكسب أو ربح استراتيجي لايران، وهذا يقودنا الى تساؤل آخر، هل: سيؤدي الاتفاق النووي مع ايران الى مزيد من التنسيق والتعاون الامريكي-الايراني في القضايا الاقليمية؟. ولعل الاجابة على هذا التساؤل متعلق بالسياسات التي سيتبعها الطرفان فيما يخص العلاقة بينهما، ومن المرجح ان تتبع الولايات المتحدة الامريكية سياسة الحوافز مقابل التعاون الامني، وهي سياسة بعيدة المدى تهدف الى استدراج ايران وتحويلها من حالة العداء الى حالة التعاون. وهناك عدد من النقاط او المحاور التي تسعى الولايات المتحدة الامريكية الى اتباعها في التعامل او العلاقة مع ايران مابعد الاتفاق النووي، واهمها:-

– تعزيز استقرار المنطقة من خلال التعاون في المصالح المشتركة.

 – الالتزام بحماية حلفائها في المنطقة ومنعهم من تهديد الاستقرار فيها في الوقت ذاته.

– مواجهة سياسة “دعم الوكلاء” التي تتبعها ايران والتي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الامريكية.

– الترويج لفكرة ان الاتفاق النووي مع ايران سيساعد على دعم وتعزيز سياسة منع الانتشار النووي في المنطقة.

– ان الاتفاق النووي سيوفر الوقت والفرص لزيادة الاهتمام باسيا واوربا وزيادة النفوذ الامريكي فيها مقابل النفوذ الروسي والصيني.

أما إيران فانها من المرجح ان تتبع انموذج السياسة الصينية في علاقاتها مع الولايات المتحدة والمتمثلة في تقارب سياسي محدود مع تبادل للمصالح بشكل كبير ضمن اطار التعاون الاقتصادي المتقابل، لأن النخبة السياسية الايرانية تدرك ان تطبيع العلاقات والانفتاح الكبير مع الولايات المتحدة الامريكية سيتصادم مع الشعارات الثورية مما يؤشر على هشاشة الوضع الداخلي الايراني، الذي يحتدم فيه التنافس بين المعتدلين والمتشددين استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة في شباط من العام القادم، والتي يعول عليها الرئيس حسن روحاني كثيرا، معتمدا على التأييد الشعبي الكبير للمفاوضات وما ستنتجه من ” اتفاق جيد ” كما وعد مواطنيه، ويأمل ان تأتي هذه الانتخابات لصالح المعتدلين لدعم موقفه وتعزيز مكانته السياسية، فضلا عن المصادقة على الاتفاقية النووية من قبل مجلس الشورى المقبل، خصوصا وانه يواجه انتقادات شديدة من خصومه في لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الحالي التي حذرته من ” اتفاق يمس استقلال ايران”.

ينتظر الرئيس حسن روحاني انجاز الاتفاق لايجاد مخرج للازمة الاقتصادية التي تعاني منها ايران بسبب العقوبات المفروضة عليها منذ سنين طويلة، إذ من المتوقع الافراج عن مايقارب (٤٠- ٥٠ ) مليار دولار بعد الاعلان عن الاتفاق النهائي مباشرة، الامر الذي سيترك اثارا ايجابية مستقبلية على الاقتصاد الايراني، مما سيوفر للرئيس روحاني افضلية اكبر في تعامله مع المجتمع الدولي نتيجة لنظرة الداخل الايراني الى نجاحه وكفاءته في ادارة ملف التفاوض، وبذلك سيكون قد حقق بعض ماوعد به من سياسات على المستويين الداخلي والخارجي.

 وتجدر الاشارة الى: ان الاتفاق النووي ربما يعزز التقارب الامريكي-الايراني، الذي سيفتح بدوره افاقا اوسع امام تعاون اقليمي ينجز مستوى من العلاقات الجيدة بين ايران وجيرانها، وتحديدا السعودية، مما يوفر تدفقا آمنا لإمدادات الطاقة.

ويقابل هذا الرأي رأي آخر،  يحتمل ان الاتفاق النووي سيمنح ايران زخما اكبر لزيادة نفوذها وهيمنتها في مناطق لها موالون فيها، على حساب النفوذ السعودي والتركي في تلك المناطق، ومن المحتمل ان تكون ادارة السعودية لملف التنافس مع ايران مابعد الاتفاق النهائي تؤدي الى تصاعد وتيرة التنافس وصولا الى مستوى الصراع، اذا بقيت الاوضاع على ماهي عليه في سوريا والعراق، فضلا عن عجزها اي السعودية من حسم مابدأته في اليمن. وخلاصة القول: ان ايران تستعد الى جني المكاسب الاستراتيجية باتفاقها النووي، الذي سيعزز مكانتها الاقليمية والدولية ويجعل منها لاعبا اساسا له ادوار مهمة في منطقة الشرق الاوسط ، اذ سيفتح لها تحررها من قيود العقوبات افاقا اقتصادية واسعة مع الغرب وروسيا والصين، حيث تسعى روسيا الى بناء المزيد من الشراكة الاقتصادية مع ايران مرتكزة على نفوذها السياسي والاقتصادي، فضلا عن سعيها الى زيادة التعاون في الشرق الاوسط والقوقاز واسيا الوسطى.

وتمثل ايران اهمية جيوستراتيجية في مدركات صانع القرار الصيني لذا سيكون الاتفاق النووي معززا للعلاقات الصينية-الايرانية، اذ سيحرر إلغاء العقوبات البلدين من القيود التي تعيق الكثير من مشاريع النقل والطاقة.

اما الهند فهي كذلك تنتظر اعلان الاتفاق النووي لزيادة وارداتها من البترول الايراني التي تقدمت بطلب رسمي بهذا الشأن حال توقيع الاتفاق ورفع العقوبات، فضلا عن اقامة المشاريع في قطاع النقل البحري والموانيء.

لكن كل هذه الارباح الاستراتيجية الناتجة عن الاتفاق النووي لايران ستكون قليلة الاهمية مقارنة بالازمات الاقليمية المحتملة التي ربما ستطول زمنيا وتتسع جغرافيا مالم تتم ادارتها بسياسة واعية لمخاطرها واثارها من جميع الاطراف.