في رسالة وجهها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الشعب التركي في الذكرى الـ 562 لدخول الجيش التركي إلى إسطنبول، قال أردوغان إنّ ”الأمانة التي تركها لنا السلطان محمد الفاتح وجنوده الذين فتحوا مدينة إسطنبول هي المضي قدما بتركيا وجعلها مركزاً عالمياً.”وقال في مناسبة سابقة ”كما سيّر السلطان محمد الفاتح السفن على اليابسة فنحن أيضاً فعلنا ما يليق بنا، سيّرنا وسائل المواصلات تحت البحر”.

يُظهر الرئيس أردوغان اعتزازه الدائم بالماضي الإسلامي التركي ويستبطن حس العظمة والكبرياء العثماني بشتى السبل،فقد ظهر في عدد من الصور مع حراس يرتدون ملابس حراس الإمبراطورية العثمانية القديمة وكأنّه يسعى إلى تقديم نفسه للعالم بصورة السلطان محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية في العام 1453.ومن هنا شبهه الصحفيون المقربون منه بـ محمد الفاتح ، ولم يكن الأمر حكراً على الإعلاميين الإسلاميين بل أنّ صحفياً تركياً أرميني الأصل(ماركار أسايان)كتب في صحيفة(يني شفق) المقربة من السيد أردوغان في 2015/6/4 مقالاً شبّه فيه أردوغان بالسلطان العثماني محمد الثاني الذي فتح القسطنطينية وغير اسمها إلى إسطنبول.

وخلال الاحتفال بالذكرى السنوية لفتح إسطنبول في الثلاثين من شهر أيار(مايو)قبل الانتخابات التركية، وسط مئات الآلاف من المؤيدين في إسطنبول، خرج إليهم السيد اردوغان بحضور “كتيبة الفتح” التي أمر الجيش التركي بتشكيلها من 478 رجلا يرتدون جميعهم الزي العثماني العسكري مع فرقة“مهترخانة” العازفة العسكرية العثمانية المؤلفة من 84 عازفا. دعا اردوغان الشباب التركي إلى الاقتداء بالسلطان محمد الفاتح، وانتقد صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قائلاً: إنّ الصحيفة “وصفت السلطان عبد الحميد بالدكتاتور وهي تحوّل كراهيتها للدولة العثمانية إلى الجمهورية التركية ولي شخصياً”.

محمد الفاتح في التاريخ الإسلامي

يتداول الأتراك ومعهم الإخوان المسلمون بكثرة هذه الأيام حديثاً منسوباً إلى النبي محمد (ص)“لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”، وهو حديث تحاك حوله بطولات عبر تاريخ المسلمين لكل الملوك الذين حاولوا فتح القسطنطينية منذ عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان إلى معاوية بن أبي سفيان، وهارون العباسي، وعهد السلاجقة إلى محمد الفاتح .وقد أودع السلطان مراد ولده محمد الفاتح عند بعض العلماء ليدرس الشريعة ويحفظ القرآن، فحفظ القرآن قبل سن العاشرة كما في الأدبيات الإسلامية، ثم درس الرياضيات والفلك، وتعلم فنون الحرب، ودرس اللغة العربية والفارسية واللاتينية، تولى الخلافة في سن الثانية والعشرين وتوفى مسموما في التاسع والأربعين.

مع توليه للحكم بدأ محمد الفاتح استعداداته لمعركة القسطنطينية فقاد حملة إعلامية ضخمة عبر منابر العلماء والخطباء لتشجيع الناس في الاشتراك بالمعركة مستعينا بحديث النبي. فافتتح معسكرات للتدريب واستعان بخبير أوربي لصناعة مدفع عملاق وأمر بإنشاء سفن كبيرة وحشد ما يقرب من250 ألف مقاتل للمعركة.

ثم حاصر القسطنطينية زهاء خمسين يوماً قبل أن تنهار. ومع سقوط المدينة بدأ الجيش العثماني يتوجه غرباً نحو أوربا وجنوباً باتجاه البلدان العربية خصوصا سوريا والعراق، وكانت مدينة حلب وشمال سوريا أُولى الأراضي التي دخلت في الحدود العثمانية.

شخصية محمد الفاتح بحسب الأدبيات الاخوانية هي نموذج الشاب المسلم الذي يقاتل في سبيل الله ويحقق الانتصارات في زمن الهزائم٬ والذي تربى على حفظ القرآن ٬وفنون القتال ٬والعلوم الرياضية واستخدم العلوم العسكرية في الحروب٬ وهو نموذج الحاكم الإسلامي الرائع الذي يجب أن يكون عليه الشاب المسلم.

ومن خلال متابعة أعمار المقاتلين الأجانب والسوريين نجد أنّهم بين الـ(18 و30)عاما وهؤلاء تجذبهم الأدبيات الجهادية٬ فقد جذبتهم أفغانستان في الثمانينات والتسعينات (القاعدة نسختها الأولى)٬ والعراق بعد 2003 (القاعدة نسختها الثانية)٬ وسوريا بعد الربيع العربي 2011 (القاعدة نسختها الثالثة)٬والعراق وسوريا بعد إعلان داعش للخلافة في2014 (القاعدة نسختها الرابعة)٬ويأتي إعلان تشكيل جيش الفاتح في آذار (مارس) 2015 في شمال سوريا كجزء من الحرب الدعائية لجذب الشباب المتحمس للجهاد (18-30) سنة إذ يتوجه أكثر هؤلاء للالتحاق بتنظيم داعش تاركين جبهة النصرة لتكون (القاعدة نسختها الخامسة).

الكبرياء العثماني

مشروع تركيا الجديدة الذي طرحه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان استند إلى نظريات أحمد داود اوغلو في الإسلام السياسي٬ وذلك عبر ممارسة دبلوماسية تركية جديدة تقوم على أساس عودة تركيا إلى دائرة التأثير في مناطق نفوذ الإمبراطورية العثمانية وخصوصا في بلاد الشرق الأوسط.

هذه الرؤية استندت إلى ثلاثة مبادئ٬ أولها أن تتصالح تركيا مع ذاتها الإسلامية السنية وتعتز بماضيها العثماني٬ ثم استبطان حس العظمة والكبرياء العثماني والثقة بالنفس عند التصرف في السياسة الخارجية والتخلص من الشعور بالضعف أو النقص تجاه الآخرين، وأخيراً الاستمرار في الانفتاح على الغرب مع تقوية العلاقات مع الشرق الإسلامي.

يقول داود اوغلو في كتابه العمق الاستراتيجي ” أنّ مرحلة تجدد الإدراك الذاتي الإسلامي وتخلصه تدريجيا من عقدة الدونية التي سيطرت على الذهنية المسلمة إبان الحقبة الاستعمارية هي المرحلة الحالية في العالم الإسلامي”.ويرى داود اوغلو أن “السبب في تراجع تركيا خلال الحقبة الماضية يعود إلى سياسة القطيعة مع ماضي تركيا العثمانية وعمقها الاستراتيجي عن حاضر جمهورية أتاتورك ومحيطها الإقليمي التي عمقت أيضا الانقسام بين العلمانية والإسلامية مما أحدثت أزمة هوية في أوساط النخب التركية٬ وعلى وجه الخصوص بعد فشل العلمانية التركية في فرض هوية جديدة بالقوة على المجتمع”.

ولكي تعتز تركيا بذاتها الإسلامية السنية وتعتز بماضيها وتستبطن حس العظمة والكبرياء العثماني في زمن الهزيمة٬ فإنها عادت بقوة إلى أبطال التاريخ العثماني ولعل أشهرهم هو السلطان محمد الثاني الملقب بالفاتح الذي تحدثت عنه كتب الإسلاميين السنّة بأنه صاحب البشارة النبوية.

جيش الفاتح

نشر موقع صحيفة (يني شفق) التركية والمقربة من الرئيس اردوغان في 2015/6/6 موضوعاً باللغة العربية بعنوان “جيش الفاتح يسيطر على قرى في إدلب السورية”،جاء فيها إنّ ”جيش الفاتح”وهو كيان عسكري تشكل قبل نحو 3 أشهر، يضم عدداً كبيراً من فصائل المعارضة السورية منها جبهة النصرة وحركة أحرار الشام، تمكن مؤخراً من السيطرة على مساحات واسعة من إدلب، أبرزها مركز المحافظة ومنطقة جسر الشغور وأصبح على أعتاب الحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية.

وتحدثت صحيفة (يني عقد)المقربة أيضا من اردوغان في 2015/6/8 عن اقتراب المعارضة السورية من اللاذقية بعد نجاحها في السيطرة على مدينة إدلب,وقالت الصحيفة أنّ قوات ”جيش الفاتح” تواصل رغم المعارك الضارية زحفها نحوَ اللاذقية التي تعد من أهم معاقل بشار الأسد، فضلاً عن كونها احد الموانئ المهمة.

صحيفة السفير اللبنانية نشرت في 2015/5/6 عن معارض سوري قوله أنّ رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان أطلق على جيش المعارضة اسم ”جيش الفاتح” تيمناً بالسلطان العثماني محمد الفاتح، لكن السعوديين أصروا على تسميته بـ ”جيش الفتح.”

وأكد ذلك مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الذي نشر تقريرا في2015/5/27 بعنوان (حدود الرهان التركي على تغيير الموازين العسكرية في سوريا) قال فيها”وقد تمخض ذلك عن تأسيس مركز قيادة مشترك جديد في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، ساهم بدوره في تشكيل ”جيش الفتح”وليس ”جيش الفاتح” كما كانت تبغي تركيا نسبة إلى محمد الفاتح- من مجموعة من فصائل الجهاد المحلي (جيش الإسلام، وفيلق الشام، وأحرار الشام، وأجناد الشام، وجيش السنة، ولواء الحق)، مدعومة في ذلك من جبهة النصرة.

الرفض السعودي الإماراتي للمقترح التركي القطري بتسمية الجيش باسم ”جيش الفاتح” وإصرارهم على تسميته بـ”جيش الفتح”،نابع من حساسية سعودية تجاه تاريخ الدولة العثمانية التي تكن العداء للدولة السعودية الأولى (1744-1818) والثانية (1818-1891) والثالثة (منذ 1902)، خصوصا أنّ حاكم مصر محمد علي باشا وبأمر من السلطان العثماني أرسل جيش مصر إلى نجد وأسر الملك السعودي وقضى على دولته، لذا لا تنظر القيادة السعودية إلى السلاطين العثمانيين كأبطال فتحوا البلدان كما هو شأن الإخوان المسلمين.وكان مما فعله إبراهيم بن محمد علي باشا عند غزوه للدولة السعودية الأولى أنه هدم العاصمة الدرعية وقبض على الملك عبد الله بن سعود وأرسله مع مجموعة من آل سعود إلى مصر، وقتل الكثيرين من قادة السعودية وعلمائها ولم يبق منهم إلا الأطفال، ومن مصر أرسل محمد علي الملك الأسير إلى اسطنبول حيث أمر السلطان بقتله هناك.

غرفة عمليات فتح حلب

شبكة الشام الإخبارية وهي شـبكة إعلامية للمعارضة السورية مقرها في الولايات المتحدة نشرت في 2015/5/14 بيانا لغرفة عمليات ”فتح حلب” التي تشكلت في 2015/5/3 قالت فيه أنّ غرفة عمليات فتح حلب أعلنت عن انضمام فصائل  أخرى إلى صفوفها، وأصبحت بذلك غرفة العمليات تحوي واحداً وثلاثين فصيلا وهي: الجبهة الشامية، وحركة أحرار الشام، وجيش الإسلام، وفيلق الشام، و كتائب ثوار الشام، وتجمع فأستقم كما أمرت، وكتائب فجر الخلافة، وحركة نور الدين الزنكي، وجيش المجاهدين، وجيش السنة، وكتائب أبو عمارة، و الفرقة 101، والفرقتين 16 و13، فضلاً عن ألوية الفتح، والسلطان مراد، وفرسان الحق، وصقور الغاب، والحق، وألوية الفرقان، وحركة بيارق الإسلام، و لواء الحرية، وحركة بيان، ولواء شهداء الاتارب، ولواء السلطان محمد الفاتح، وجبهة الأصالة والتنمية، وتجمع العزة، ولواء أنصار الخلافة، ولواء صقور الجبل، ولواء سيف الله، وقوات النخبة .

هناك عوامل إستراتيجية وتاريخية عدة تجذب تركيا نحو سوريا وتحديدا الشمال السوري وهي:

أولا- عزل المنطقة الكردية عن موانئ البحر المتوسط وهذه المناطق في شمال سوريا هي ذات تواجد كردي مما قد يتيح الفرصة لكردستان في تصدير النفط عبر البحر المتوسط من دون الاستعانة بالموانئ التركية، ولذا تشهد تلك المناطق معارك طاحنة بين تنظيم داعش والفصائل السورية الكردية مدعومة بحزب العمال الكردستاني لأن من يسيطر عليها، يتحكم كليا في الحدود السورية التركية وبالنتيجة يصل إلى موانئ البحر المتوسط.

ثانيا – تسعى فصائل جيش الفتح أو الفاتح مدعومة بجبهة النصرة في السيطرة على الشمال السوري وإنشاء منطقة عازلة تكون منطلقا لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بالاستعانة بالمقاتلين الأجانب الذين يأتون عبر الحدود، بعد حصولهم على دعم السلاح والمال، في محاربة داعش والأسد.

ثالثا – إنّ سقوط حلب أكبر مدينة سورية سيؤدي في النهاية إلى سقوط النظام، ومن سوريا ستتوجه أنظار المقاتلين إلى دول عربية أخرى وأهمها العراق والأردن ومصر. وكأن حلب بمثابة القسطنطينية فسقوطها يعني أفاقاً جديدة ليس داخل سوريا فحسب بل إلى العمق العربي.

وثيقة مسربة

وثيقة مسربة من وثائق وزارة الخارجية السعودية ضمن تسريبات ويكيليكس في 2015/6/19 أشارت إلى تعاون تركي سعودي قطري إماراتي في دعم المعارضة السورية ماديا واستخباراتيا وفنيا، تتولى الدول الأربعة بحسب الوثيقة تزويد المعارضة بالسلاح فيما تتولى الولايات المتحدة الضغط على العراق لمنع تقديم أي مساعدة لنظام الرئيس بشار الأسد، واتخاذ موقف سياسي واحد من روسيا والصين، وتشديد العقوبات ضد نظام بشار الأسد، وفي إطار توزيع المهام بين الدول الأربعة، تم الاتفاق مع تركيا على أن تقوم بتوحيد فصائل المعارضة، قطر تنشط دبلوماسيا،والإمارات تقدم تطمينات للأردن بسلامة أمنها القومي،وأشارت الوثيقة إلى طلب تركيا إنشاء منطقة عازلة شمال سوريا مؤكدة حرص تركيا على عدم الظهور بالصورة.

وتتحدث وثيقة أخرى عن اجتماع مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا بشأن المرحلة الانتقالية في سوريا ما بعد الأسد، وتظهر الوثيقة اتفاق الأطراف الغربية الثلاثة على التأني في تشكيل الحكومة السورية لكن تركيا تصر بشدة على تشكيل حكومة انتقالية في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في حلب و إدلب، وتقديم الدعم العسكري العلني إليها. وبالنظر إلى واقع الفصائل التي تسيطر على إدلب ومناطق في حلب، نجدها جبهة النصرة وحلفاءها أو تنظيم داعش. بالمقابل ترى الدول الغربية أنّ الحكومة الانتقالية ستكون رهينة جبهة النصرة التابعة إلى أيمن الظواهري الأب الروحي لجميع المقاتلين الإسلاميين في سوريا باستثناء تنظيم داعش.

مما لا شك فيه، أنّ استضافة أي دولة للقاعدة في سبيل تحقيق أهدافها أمر محفوف بالمخاطر على الدولة المضيفة، ومن تجارب الولايات المتحدة وباكستان بدعمهما للقاعدة في أفغانستان في حرب السوفيت ثم دعم نظام بشار الأسد للقاعدة في استهداف الجيش الأمريكي بالعراق، انتهت بحرب مفتوحة بين الدولة الداعمة والقاعدة بنسخها المتجددة والمتطورة. الدول العربية والغربية الداعمة في الوثيقة تتغافل عن هذه الحقيقة.