كشف مصدر من داخل حزب العدالة والتنمية إنّ لقاءً جرى بين أردوغان وأحمد داود اوغلو مساء يوم الانتخابات عقب إعلان النتائج ،وتناول اللقاء مرحلة ما بعد الانتخابات وتلا ذلك إجراء لقاءات بين أردوغان وقيادات حزب العدالة والتنمية  ومن خلال هذه الاجتماعات تبين التفاوت في الرؤى بين أردوغان الرئيس الفعلي لحزب العدالة والتنمية وداود اوغلو الرئيس الرسمي للحزب إذ إنّه من الواضح أنّ أردوغان قد قرر الذهاب إلى انتخابات مبكرة وبدأ بإعداد خارطة طريق وفي مقابل ذلك فإنّ داود اوغلو يفضل التوجه إلى حكومة ائتلافية مما دعا هذا الاختلاف في الرؤى إلى تدخل رئيس الجمهورية السابق عبد الله كول إذ أجرى سلسلة من الاتصالات بكليهما لتقريب وجهات النظر مع العلم أنّ عبد الله كول يفضل تشكيل حكومة ائتلافية مؤكدا أن اللجوء للانتخابات المبكرة سيكون خطأً كبيرا.

فبحسب صحيفة الاكونو ميست الانكليزية فان الشخص الوحيد الذي يمتلك القدرة على الوقوف بوجه أردوغان هو الرئيس السابق عبد الله كول بصفته رئيساً سابقاً للوزراء والجمهورية وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية ومن المحتمل أن يكون مرشحاً جيداً لرئاسة الوزراء مرة أخرى والكلام بحسب الصحيفة الانكليزية.

من جهته أشار أحمد سفر كبير مستشاري الرئيس عبد الله كول السابق في كتابه “12 عاماً مع عبد الله كول” إلى أن كول كان يرغب بالعودة إلى قيادة “العدالة والتنمية”، وتسلم منصب رئيس الوزراء بخطة تهدف إلى “إعادة إحياء العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وتصحيح الأخطاء التي شابت السياسة الخارجية، والتخفيف من الاستقطاب الحاد في البلاد، وإرسال الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد إلى المحكمة العليا لمحاكمتهم”، لكن هذا كله اصطدم برفض أردوغان.

وأكد سفر أن كول غير متحمس للعودة إلى السياسة والحزب، لكن لا يمانع بذلك إن استدعت الحاجة. واشترط لعودته شروطاً لخّصها بالآتي، موجهاً كلامه لاردوغان، “لا يمكن السماح بقيادتين، إن أصبحت رئيساً للوزراء. لن أسمح لأحد بالتدخل، وكما أمضيت ولايتي في رئاسة الجمهورية، عليك أنت أيضاً أن تمضيها بالطريقة نفسها، ضمن الصلاحيات الدستورية، بينما أقضي أنا فترتي في رئاسة الوزراء كما أمضيتها أنت”.

وفيما يخص عملية السلام، أكد سفر أن كول هو من شجع رئيس المخابرات التركية على الذهاب إلى أوسلو واللقاء بقيادات “العمال الكردستاني” في أوروبا، لبحث عملية السلام، مشيراً إلى الدور الكبير الذي كانت تقوم به حركة الخدمة في مفاصل الدولة وكأنها دولة ضمن الدولة، موجهاً انتقادات شديدة لزعيم الحركة الداعية فتح الله غولان.

وبحسب المصدر من داخل حزب العدالة والتنمية فان أردوغان طرح خارطة طريق حددها بثلاث نقاط؛

أولا- خفض حالة الضغط المسيطرة على البلاد، عن طريق استخدام لهجة تصالحية معتدلة تُقدّم أجواء استقرار تركيا على أيّ شيء آخر. كما ستُعطى صورة مفادها أن العدالة والتنمية استوعب الدرس اللازم من الانتخابات وأجرى نقدًا ذاتيًّا مع نفسه.

ثانيا –سيتم العمل على تشكيل صورة ذهنية خادعة لدى الرأي العام تفيد بأنه تمت تجربة  الطرق جميعها لكي لا تبقى تركيا من بدون حكومة، وأنه تم اللجوء إلى السبل كلها مع  الأحزاب جميعها للاتفاق بشأن تشكيل حكومة ائتلافيّة إلا أنه لم يتم الاقتراب للائتلاف بأي شكل من الأشكال، إذ سيتم خلال هذه المرحلة إجراء سلسلة من اللقاءات مع المعارضة لإقناع الرأي العام بأن الأبواب جميعها قد طُرقت لتشكيل الحكومة.

ثالثا –العمل على استعادة أصوات الأكراد المحافظين التي ذهبت لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي في الانتخابات، والتي جعلته يجتاز الحد الأدنى للعتبة الانتخابيّة (10 %) ويضمن 80 مقعدا في البرلمان بعدما كان يمثل الحزب بنواب مستقلين فقط.

ويقول أحد المسؤولين الكبار بحزب العدالة والتنمية “مَن يعرف السيد أردوغان يعلم جيدًا أنه لن يقدر أن يعيش تحت وصاية أبدًا. والنتيجة الصادرة في الانتخابات الأخيرة تعني وصاية على كل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية. بمعنى أنه ما دامت التحركات والخيوط في يد المعارضة وأغلبية البرلمان ليست معهم فهذا يعني أن أردوغان تحت وصاية.و أردوغان لا يمكن أن يعيش أبدًا تحت ظل شخص آخر، وسيرغب في تعويض ذلك على الفوز”.

وتشير التوقعات من داخل حزب العدالة والتنمية بإمكانية حصول تغيير في القيادة في حالة الذهاب إلى الانتخابات المبكرة فمن غير المستبعد أن يقوم أردوغان بتقديم الرئيس السابق عبد الله كول رئيسا للوزراء خلفاً لداود اوغلو هذا إذا ما نجح في إقناع كول في الذهاب إلى الانتخابات المبكرة ولكن هذا الأمر يبدو مستبعداً للاختلاف الكبير في الرؤى بين الشخصين.

موقف الأحزاب الأخرى من حزب العدالة والتنمية:

حزب الشعب الجمهوري

وقد حصل 132 مقعداً ( 9,24 % من مجموع الأصوات) فهو يختلف في الرؤى مع حزب العدالة والتنمية في مسائل جوهرية كقضية العلمانية فالحزب يعد نفسه حامياً لها فهو يرفض مثلا قانوناً يجيز السماح بارتداء الحجاب في تركيا، ولقد أعلن الحزب ما يشبه إعلان مبادئ أو شروطاً للمشاركة في أي حكومة ائتلافية، تضمن بندين أساسيين يتعلقان بأردوغان فضلاً عن وعوده الانتخابية، وهما: منع الرئيس التركي من تجاوز صلاحياته الدستورية، أي عدم السماح له بالتدخل في شؤون الحكومة وإعادة الوضع إلى ما كان عليه خلال فترة الرؤساء السابقين. والثاني، هو الكشف عن حسابات الميزانية السرية التي كانت تذهب لرئاسة الجمهورية، ولم يتطرق الإعلان لعملية السلام مع “العمال الكردستاني”.

ويرى زعيم الحزب كمال كلجدار اوغلو في أن التوجه إلى الانتخابات المبكرة مضيعة للوقت فهو يرى بأن يعطى أولوية لتشكيل حكومة ائتلافية تضم أحزاب المعارضة فقط، إلا أن الكثير من قياداته يرغبون في مشاركة حزب العدالة والتنمية بالحكومة الائتلافية.

فبعد انتهاء الانتخابات بأسبوع بدء الحزب بالمشاورات لإنشاء ائتلاف من أحزاب المعارضة ولكن محاولات كلجدار اوغلو باءت بالفشل إثر خلاف مع دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية (اليميني المتطرف) حول دور حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي).

يأتي هذا في الوقت الذي اندلعت فيه خلافات داخل حزب الشعب الجمهوري بين زعيمه كمال كلجدار أوغلو وزعيمه السابق دينيز بايكال أحد صقور التيار القومي في الحزب بعد اللقاء الذي عقد أخيراً بين بايكال و أردوغان ولكون بايكال هو من سيتسلم رئاسة الجلسة الأولى للبرلمان كونه العضو الأكبر سناً، إذ اتهم كلجدار أوغلو بايكال بالعمل من دون التشاور معه ومخالفة تعليماته فيما يخص عدم الحديث مع أردوغان بشأن مستقبل الحكومة الائتلافية، الأمر الذي نفاه بايكال جملة وتفصيلاً.

ويذكر أنّ زعيم الحركة القومية دولت بهجلي رفض العرض السخي المقدم من قبل كلجدار اوغلو بتسلم منصب رئيس الوزراء مقابل الموافقة على حكومة ائتلافية جماعية للمعارضة أو حتى حكومة بين الطرفين تضمن دعم “الشعوب الديمقراطي” وبتخلي بهجلي عن شرط إيقاف عملية السلام.

حزب الحركة القومية

حصل الحزب على 80 مقعداً (2,16% من مجموع الأصوات) وقد صرح زعيم الحزب اليميني بأنّ أبواب الحزب مفتوحة للأطراف كافة عدا حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) لتشكيل الحكومة الائتلافية ويرى الحزب ائتلافه مع حزب العدالة والتنمية ممكنة إذا ما نفّذ حزب العدالة والتنمية شروطه التي هي:

أ‌- انسحاب رئيس الجمهورية إلى حدوده المرسومة بالدستور،

ب‌- إلغاء عملية السلام الداخلي لأنها تُعد “خيانة للوطن”،

ت‌- فتح تحقيقات جديدة مع المتورطين في قضية الفساد والرشاوى التي تم الكشف عنها في 17–25 كانون الأول 2013 وفتح الطريق لمثولهم أمام محكمة الدولة العليا.

وتشير التقارير إلى أنّ محادثات رسمية انطلقت بين الحزبين وأنّ المشروع التوافقي المقدم من قبل حزب العدالة والتنمية هو:

أ‌- فيما يخص عملية السلام يتم تغيير اسمها إلى عملية ديمقرطة البلاد بالتالي ستقوم الحكومة بالخطوات اللازمة لحل القضية الكردية من دون السماح لحزب الشعوب الديمقراطي بتقديم نفسه كأحد رعاة العملية والاستفادة منها على المستوى الشعبي، وأيضاً عِبر سحب شرعية زعيم العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، كمخاطب ومفاوض وحيد في عملية السلام، وبالتالي لن تتوقف العملية على الأقل إلى حين الانتخابات المبكرة التي تشير معظم التقارير بأنها تكون في مدة أقصاها تشرين الثاني من العام الحالي، ولكن تبقى عملية السلام مع “العمال الكردستاني” الهدف الأهم للحركة القومية فهي تسعى إلى ضربها وإيقافها مهما كان الثمن.

ب‌- أما بخصوص الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فلن يُسمح له بترؤس الحكومة بشكل دوري،  ليتحول إلى دبلوماسية الأبواب الخلفية عبر الالتقاء بوزراء العدالة والتنمية بشكل منفصل في القصر الرئاسي.

ت‌- وفيما يخص الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد، فإن الحركة القومية ستتوقف عن المطالبة بتحويلهم إلى محكمة الدولة العليا للمحاكمة، مقابل حصولها على 8 وزارات. وتشير التقارير إلى ترشيح النائب عن الحركة القومية، أكمل الدين إحسان أوغلو،(المرشح الرئاسي السابق) إلى منصب وزارة الخارجية من قبل حزب العدالة والتنمية.

من جهته فان الحركة القومية ترى وجوب الوفاء بالوعد الذي قطعته لجمهورها بإعادة فتح ملف عمليات الفساد من الوزراء والمقربين من أردوغان بما فيهم ابنه بلال ووصل الأمر بالتصعيد إلى درجة أن يقول بهجلي “فليعطنا بلال وليأخذ الحكومة”.

حزب الشعوب الديمقراطي

وقد حصل على 80 مقعداً (1,13% من مجموع الأصوات) والحزب مرفوض من قبل حزب الحركة القومية لكونه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني وهو بالتالي من المشاكل التي تحول دون تشكيل حكومة ائتلافية للمعارضة فضلاً عن الاختلاف الجذري في المسائل الأساسية كالمسألة الكردية وعملية السلام فحزب الشعوب الديمقراطي يبذل جهده للحفاظ عليها، لأن إنهاءها سيعني انتهاء مشروع السلام الذي بُني عليه، مما قد يعرّض الحزب برمته إلى الفناء.

وتظهر بعض المؤشرات مؤخراً تراجع زعيم الحزب صلاح الدين ديميرتاش عن شرطه الوحيد بما يخص المشاركة في الحكومة أو عدم التعامل مع “العدالة والتنمية” الذي صرح به بعد إعلان النتائج إذ ذكر أنّه سوف لن تجمعهم بحزب العدالة والتنمية لا الحكومة ولا المعارضة، ولكن يأتي هذا التراجع بسبب المخاوف على عملية السلام، فعلى ما يبدو فان حزب “العدالة والتنمية” الأكثر انضباطاً وتوازناً، بطرحه والذي يمكن عده “الأكثر واقعية” بالنسبة إليهم، فالحزب الكردي يعد عملية السلام الأساس في برنامج أي حكومة سيمنحها الثقة.

مع ذلك، فإن تحوّل “حزب الشعوب الديمقراطي” من عداء “حزب العدالة والتنمية” إلى ائتلاف معه لن يكون سهلاً، لأنه كالأحزاب الأخرى بنا حملته الانتخابية كلها على انتقاد سياسات “العدالة والتنمية” والهجوم عليه، كما أنه حزب مكوّن من ائتلاف لعدد من القوى، لا يملك بعضها أي خبرة سياسية، ليس في الحكم فحسب، بل أيضاً في العمل السياسي المعارض داخل البرلمان مما يضع كل ذلك “حزب الشعوب الديمقراطي” أمام تحديات جديدة، فلن يكون سهلاً إقناع بعض التيارات اليسارية في داخله، بالحوار مع “العدالة والتنمية”، والتي تعد عداءه أمراً أيديولوجياً لا يقبل النقاش.

وأخيراً فلقد قوبلت الدعوة التي وجهها أردوغان للقاء رؤساء الأحزاب الأربعة كل على حدة بالرفض من قبل رؤساء الأحزاب الثلاثة المعارضة لاردوغان، قبل تكليف قائد الكتلة النيابية الأكبر بتشكيل الحكومة.