بعض الامور المهمة تقف عائقاً امام استقلال إقليم كردستان عن العراق واهمها الخلاف الكردي الداخلي والتبعية الاقتصادية. ويدرك زعماء الاحزاب الكردية في كردستان العراق تلك الصعوبات, لذا فهم يضعون كل ما يملكون من قوة للمشاركة في حكومة بغداد والحصول على حصة من ميزانيتها الاتحادية.

تنافس الادارتين

ما زالت آثار التنافس بين قيادتي الحزبين الكرديين الكبيرين متأصلة إلى حد منع من توحيد البشمركة بسبب الحرب الأهلية بينهما خلال التسعينيات على الزعامة الكردية التي أدت إلى مقتل آلاف الكرد, وكانت الانقسامات بين الكرد العراقيين قد بدأت في عام 1975 عندما انفصل الاتحاد الوطني الكردستاني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني.

حاليا تنقسم كردستان الى ادارتين أو منطقتي نفوذ احداها شرق اقليم كردستان وهي منطقة نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني والاخرى الى الغرب حيث منطقة نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني. الاولى مرتبطة اقتصاديا بإيران عبر تبادل تجاري بمليارات الدولارات سنويا حيث تمثل إيران منفذ الاتحاد الوطني الكردستاني الى العالم, اما الحزب الديمقراطي الكردستاني فيرتبط بتركيا اقتصاديا وبتبادل تجاري بمليارات الدولارات ايضا, لذلك ارتبطت ادارة السليمانية مع ايران وارتبطت ادارة اربيل مع تركيا.

وتعتبر مسألة تمديد ولاية السيد مسعود بارزاني الذي ناهز الـ70 عاما امرا مثيرا للجدل والخلاف بين الاطراف الكردية, فولاية السيد بارزاني ستنتهي في 19 من شهر آب القادم بعد أن تم تمديدها سنتين في العام 2013 فقد أنتخب رئيسا للأقليم في دورتين متتاليتين في الأعوام (2005 – 2009) و (2009 – 2013), وحسب دستور اقليم كردستان فان ولاية رئيس الاقليم تكون لأربع سنوات ولولايتين فقط.

مراقبون كرد تحدثوا عن رسالة وجهها البارزاني في 16/4/2015 الى برلمان الاقليم وحكومته وصف فيها طرفا كرديا دون ان يسميه “بالتيار اللاوطني والخطير الذي يسعى لاشعال فتيل الحرب الاهلية وتجزئة الاقليم الى ادارتين” وجاءت رسالته هذه بعد حديث لاحد قادة حزب العمال الكردستاني رفض فيها تمديد ولاية البرزاني مع ان العمال الكردستاني ليس حزبا عراقيا, لكنها عبرت عن اراء المعارضين بما فيهم ادارة السليمانية, عدم التمديد وعدم الاتفاق سيضع كردستان في ازمة دستورية رغم محاولات بعض الاطراف كحزب التغيير بدعوتها لترشيح نيجيرفان بارزاني لرئاسة الإقليم وقباد طالباني لرئاسة الحكومة.

وكان دوران كالكان وهو من قادة حزب العمال الكردستاني قد قال في 15/4/2015 ان “الدكتاتورية المركزية لن تستطيع البقاء في كردستان ومن غير المقبول أن تكون إدارة الإقليم في أربيل فقط, ومن حق سنجار وكركوك وكرميان ودهوك والسليمانية إدارة نفسها”, وقال ايضا “يريدون تقسيم كردستان لتكون جزء منها للعمال الكوردستاني والجزء الاخر للبيشمركة, إلا أننا لا نقبل بتقسيم كردستان ونطالب بإدارتها معا”.

حزب العمال الكردستاني حليف قوي للاتحاد الوطني الكردستاني وكلاهما يمتازان بروابط متينه مع ايران, ويسعى العمال الكردستاني لانشاء اقليم في منطقة سنجار بعد تأسيس مجلس اداري من الايزيدية مع تشكيلين عسكريين من عدة الاف من رجال ونساء الايزيدية بعيدا عن ادارة اربيل. بدورها قامت سلطات اربيل باعتقال رئيس احدى القوتين حيدر ششو, وبعد تدخل الاتحاد الوطني الكردستاني تم اطلاق سراح ششو وقامت ادارة اربيل بتشكيل قوة اخرى من الايزيديين موالية لها, بينما لا يزال التشكيلان العسكريان المواليان للعمال الكردستاني موجودان.

تعديل الدستور سيسمح للبارزاني البقاء بالسلطة مع حصر جميع الصلاحيات الأمنية والاقتصادية بيده, لكن قيادات الاحزاب في السليمانية ترفض ذلك بشدة وسط تراشق اعلامي كردي- كردي عن تقسيم الإقليم واتهامات لإيران وتركيا بالاستفادة من الخلاف. البارزاني بدوره رفض مسألة تشكيل إقليم السليمانية وقال عنها انها “مؤامرة لا بد من إيقافها” مستغربا ومبديا قلقه من تناول الإعلام الكردي لمسألة تقسيم الإقليم. ومما زاد من حدة الخلاف تزويد الدول الغربية للاقليم بالسلاح وارسال المدربين حيث عارض قادة الأحزاب في السليمانية آلية توزيع الأسلحة مؤكدين ان اربيل لم ترسل حصة قوات السليمانية من السلاح وحصرتها بأيدي قواتها في اربيل وهوك.

وكانت الولايات المتحدة امتنعت عن تدريب وتجهيز البشمركة في الماضي بسبب الانقسامات الداخلية بين الكرد. قائد القوة المتعددة الجنسيات في العراق آنذاك الجنرال ريموند أوديرنو, التقى مع القيادة الكردية في شمال العراق من أجل نقل رسالة من واشنطن, وبحسب تفاصيل ما جرى في اللقاء الذي تم في عام ٢٠٠٩ قال لهم أوديرنو إنه “حضر للتحدث معهم بشأن البشمركة وإن الكونغرس خصص مبالغ مالية من أجل تدريب وتسليح البشمركة لكن لا يستطيع تقديمها لقوتين منفصلتين من البشمركة ما لم تتحدا”, وقال مسؤول إعلامي حضر اجتماعات الأمريكيين مع مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني إن “الأمريكيين أرادوا إنشاء قوة موحدة محترفة وغير سياسية ولكن مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني اضاعوا الفرصة”.

وعندما توجه مقاتلو داعش في شهر آب الماضي ضد اقليم كردستان لم تقدر البشمركة مواجهة التنظيم لضعف تدريبها وتسلحيها حسبما قال القادة الكرد, ولكن الحقيقة انها كانت فاقدة لقيادة موحدة إذ ان نسبة كبيرة من مقاتلي البشمركة ما زالوا يوالون الاتحاد الوطني الكردستاني أو الحزب الديمقراطي الكردستاني وليس حكومة إقليم.

كركوك

يسيطر الاتحاد الوطني الكردستاني على مدينة كركوك حيث ان معظم السكان الكرد فيها من مؤيدي الاتحاد, لكن في تموز 2014 استفاد الحزب الديمقراطي الكردستاني من انهيار الجيش العراقي بعد هجوم تنظيم داعش وسيطر على غرب كركوك التي فيها حقول النفط التابعة لوزارة النفط العراقية. محافظ كركوك نجم الدين كريم القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني يسعى للحفاظ على الوحدة الكردية والدفاع عن كركوك وفي الوقت نفسه يعمل على تقييد نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني.

ومع دخول الحشد الشعبي الى محافظة كركوك بعد انهيار الجيش العراقي اختلفت أراء الاحزاب الكردية, بارزاني رفض بشكل قاطع أي تدخل عسكري عراقي لكن محافظ كركوك استقبل هادي العامري احد زعماء الحشد في مكتبه, فيما عبر حزب العمال الكردستاني الذي تقاتل قواته في غرب كركوك إلى جنب بقية الفصائل الكردية والعراقية عن ترحيبه بدخول الحشد الشعبي. معظم ناخبي الكرد في كركوك صوتوا للاتحاد الوطني وفي حالة اي صدام بين الحزبين فان كركوك تنضم الى ادارة السليمانية او تتحالف معها.

الاقتصاد

تحتكر ثلاث دول فقط 90٪ من السوق الكردستانية, أولها تركيا بتوفيرها نحو 35٪ من حاجاته الاساسية, وتنافسها بدرجة اقل ايران التي تغطي بدورها نحو 25٪, وثالثا الصين عبر البوابتين التركية والايرانية. يعتبر إقليم كردستان ثالث أكبر سوق لصادرات تركيا اذ شهدت الصادرات التركية إلى المنطقة الخاضعة لإدارة اربيل زيادة كبيرة خلال العقد الماضي. وسيطرت الشركات التركية على كافة الأعمال الاساسية في كردستان, ففي 2012 كانت هناك 25 شركة تركية يتم تأسيسها كل شهر, وفي 2009 بلغت عدد الشركات التركية العاملة 485, وفي 2013 ارتفع ذلك العدد إلى 1500 شركة. ووفقا للقنصل التركي في أربيل ان حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا بلغ عام 2013 نحو 12 مليار دولار, 70٪ منه مع إقليم كردستان, و15 مليار دولار خلال العام 2014. وهو رقم مقارب لما تسعى ايران الى تحقيقه وفق وزير الاقتصاد الإيراني الذي قال أن حجم التبادل التجاري العراقي- الايراني وصل حتى نهاية العام الماضي الى 12 مليار دولار, نصفه تقريبا مع اقليم كردستان.

عجز مالي

قال البنك الدولي في تقرير له أن حكومة إقليم كردستان سوف تحتاج الى (1.4) مليار دولار هذا العام لتحقيق الاستقرار في اقتصادها بعد تراجع معدل النمو الأقتصادي السنوي 5 نقاط مئوية , بسبب الحرب الاهلية السورية والصراع مع تنظيم داعش وتدفق النازحين حيث زاد عدد السكان بنسبة 28٪ مما وضع ضغوطا اضافية على الأقتصاد المحلي.

وزير التخطيط في حكومة اقليم كردستان علي السندي قال في تقرير له بعنوان “تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للصراع السوري والأزمة مع داعش” ان اللاجئين الذين يدخلون الى سوق العمل يرفعون من معدلات الأسعار ويزيدون من معدلات البطالة بكردستان العراق, اضافة إلى انخفاض تدفق الأستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة مما ترك تأثيره السلبي على اقتصاد كردستان .

وقال سندي “على الرغم من ان حكومتنا خصصت موارد كبيرة – خلال خطة الاستجابة الفورية – لتلبية احتياجات النازحين, فإنه لا يمكن لهذه الأزمة الإنسانية الكبيرة ان تعالج نفسها بنفسها”, وأضاف التقرير أن معدل الفقر في كردستان تضاعف اكثر عن العام الماضي من (3.5 في المائة) إلى (8.1 في المائة) ودعا السندي الشركاء الوطنيين والدوليين لتقديم دعم أكبر للتغلب على الأزمة الإنسانية.

من جانب اخر, تتوقع الحكومة الفدرالية في بغداد ان تستلم من عائدات نفط حكومة إقليم كردستان في مقابل تسليم 17٪ من العائدات الكلية للنفط العراقي, وحكومة بغداد تعتقد ان الكرد يلعبون لعبة مزدوجة من خلال المطالبة بحصتهم من عائدات النفط الاتحادية بينما قاموا في السابق بتوقيع سلسلة من العقود المستقلة مع شركات نفط دولية دون الرجوع الى وزارة النفط في بغداد. المحافظات الجنوبية في العراق التي تنتج أكثر من 90٪ من نفط العراق يمكن ان تستنسخ دعوة الكرد للحكم الذاتي, لان النخب السياسية في البصرة تتساءل لماذا يدفع العراق من واردته النفطية الى حكومة اقليم كردستان في حين يطالب رئيسها بالاستقلال عن العراق.

بالنسبة للكرد الاستقلال يعني توقف حصة 17٪ من الميزانية العراقية وهي ستكون كارثية لهم لأن  استقلال كردستان من شأنه أن يجعل عائدات النفط الكردية سنويا أقل من 7 مليار دولار اي ما يقرب من ثلث ما يحصل عليه من عائدات النفط العراقي. وهو غير ممكن اقتصاديا لكردستان لوجود مئات الالاف من النازحين في الأقليم الكردي مع عائدات تبلغ 300 مليون دولار تقريبا في الشهر الوحد, ومع انخفاض أسعار النفط فان الكرد سيحتاجون لإنتاج ضعف انتاجهم الحالي من النفط. حكومة اقليم كردستان تنتج حاليا 10٪ فقط من نفط البلاد وعلى الرغم من عقبات التصدير والتحديات التنظيمية فان الشركات العالمية لاحظت أنه بحلول عام 2020 يمكن مضاعفة الإنتاج في حقول البصرة العملاقة وهو ما يعني حصة محتملة أكبر لحكومة إقليم كردستان من نفط العراق.

الخيارات الكردية

الدكتور بيوار خنسي وهو مستشار الأمن الاقتصادي في مؤسسة حماية الأقليم كتب تقريرا في مجلة (كولان ميديا) الاسبوعیه التي تنشر‌ باللغة الكردیه, قال فيها ان حكومة اقليم كردستان أمام ثلاثة خيارات, اما ان تكون ميزانيتها ضمن العراق أو ان تكون لوحدها أو ميزانية مختلطة.

الخيار الاول – ميزانية ضمن العراق: يؤدي تراجع اسعار النفط الى تراجع حصة اقليم كردستان من واردات النفط سواء كانت مع العراق او لوحدها. سيكون حصة الاقليم لعام 2015 مابين (6.885) – (8.262) مليار دولار على اساس 17٪.

الخيار الثاني – ميزانية لوحدها: تحصل حكومة اقليم كردستان من بيع النفط ( 450 -500) ألف برميل باليوم وبسعر 45 دولار للبرميل على وارد يقدر مابين (7.290) – (8.1) مليار دولار لعام 2015.

الخيار الثالث – ميزانية مختلطة: بموجب الاتفاق الاخير بين اربيل وبغداد قام الاقليم ببيع حصة من انتاجه (250 الف برميل باليوم) عن طريق شركة (سومو) مع مساعدة الحكومة العراقية بتصدير 300 الف برميل باليوم من كركوك الى الخارج عن طريق (خط أنبوب كردستان), مقابل تعهد بغداد على دفع مبلغ (1.2) تريلون ومائتان مليار دينارا (راواتب قوات البشمركة) وتخصيص 17٪ من ميزانية العراق لأقليم كردستان. تتمكن حكومة الاقليم في ظل هذا الاتفاق من بيع حوالي 200 الى 250 الف برميل باليوم أضافي لغرض دفع مستحقات الشركات والديون المترتبة عليها.

واستنتج الدكتور بيوار خنسي من مقارنة الخيارات, ان الخيار الثاني (7.290) – (8.1) مليار دولار أفضل من الخيار الاول 17٪ (6.885) – (8.262) مليار دولار, لأن الاقليم سيحصل على واردات أعلى وأكثر ضمانا مع استقلالية اقتصادية, ورأى ان الخيار الثالث هو الانسب من الخيار الثاني أو الخيار الاول.

ان حكومة إقليم كردستان العراق تواجه ازمة دين داخلي بمقدار 17 مليار دولار وليس لديها السيولة لدفع رواتب موظفيها المدنيين في اقليم كردستان العراق, وتشمل الديون رواتب موظفي الخدمة المدنية لأكثر من شهرين بـ(1.25) مليار دولار, وديون الحكومة (1.1) مليار دولار, و ديون المصارف الخاصة (10) مليار دولار أمريكي, بالإضافة إلى ذلك هناك الديون المستحقة لشركات النفط ليكون إجمالي الدين 17 مليار دولار أمريكي.

في الآونة الأخيرة, اقترضت حكومة الإقليم 500 مليون دولار من تركيا للتعامل مع الأزمة المالية, وتتوقع 500 مليون دولار أخرى قريبا. ويرى الكرد ان الدفع الشهري 400 مليون دولار بموجب اتفاق الحكومة المركزية في بغداد لا يكفي حتى لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في حكومة إقليم كردستان, بالنظر إلى العائد الشهري من الميزانية الوطنية العراقية كجزء من صفقة النفط مع بغداد.

ووفقا للاتفاق الذي توصل إليه الطرفان, فإن حكومة الإقليم تصدر 250 الف برميل من النفط يوميا, وان محافظة كركوك تصدر 300 الف برميل يوميا تحت اشراف الحكومة الاتحادية. في المقابل فإن الحكومة الاتحادية في بغداد تسلم 17 في المئة من ميزانيتها الوطنية إلى أربيل أي ما يعادل حوالي 1 مليار شهريا.