يقوم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بزيارة إلى واشنطن في 2015/4/14. وتأتي هذه الزيارة، التي هي الزيارة الرسمية الأولى له إلى الولايات المتحدة، في ظل أوضاع صعبة يعيشها العراق والمنطقة تتمثل في وجود تحديات أمنية وسياسية واقتصادية خطيرة قد تترك بصماتها على مستقبل البلد والمنطقة.

لا يمكن بأي حال من الأحوال الحكم على طبيعة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة في الوقت الحاضر. فالعلاقة وعلى الرغم من قدمها والتي تصل إلى مئة عام تقريباً لم تستطع أن تتحول إلى علاقة يمكن أن توصف بأنها سليمة ومستقرة، وخضعت إلى متغيرات الواقع الداخلي والاقليمي والعالمي. فبعد انتهاء أكثر من عقد من الغزو الأميركي للعراق وتأسيس واقع سياسي جديد، ومع انتهاء ثلاثة أعوام من انسحاب القوات الأميركية من البلد، ومع وجود اتفاقية “إطار إستراتيجي”بين البلدين (لم تصل إلى الآن إلى مستوى الاتفاقية أو المعاهدة)، فإن العلاقة ما تزال تعيش حالة المد والجزر ويعطي تعقيدها انطباعاً بأن هنالك تحالفاً من نوع ما بينهما، فيما يتولد انطباع آخر بوجود بعد في المسافة بالتفاهم والانسجام بينهما تارة أخرى. وربما ولطبيعة الوضع الجيوسياسي الخاص للعراق وديناميكيته الخاصة فضلا عن عدم وضوح الرؤية لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه البلد فإن العلاقة بين البلدين تشهد هذا النوع من المطاطية.

يشعر بعض القادة السياسيين العراقيين بأهمية وجود علاقة قوية وخاصة بين بلدهم والولايات المتحدة. فالعراق “الجديد” بنظامه الديمقراطي الحالي مدين على الأقل للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. كما أن طبيعة الأوضاع السياسية والأمنية في العراق تفرض عليه وجود علاقة قوية مع شريك دولي قوي وفاعل يساعده على مواجهة الكثير من التحديات التي تهدد كيانه. فالتعقيد الأمني الذي يعيشه العراق منذ 2004 والذي وصل الى حد تمدد وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مناطق واسعة منه منذ حزيران 2014، وضعف القدرات العسكرية لديه لمواجهة التنظيم، وهشاشة البنية السياسية في العراق، والمعاناة الإنسانية التي تنتج عن مثل هذا الأزمة فضلا عن  تضاؤل عائدات الحكومة العراقية بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية , واستمرار الحرب الأهلية في سوريا , وتحول المنطقة إلى ساحة صراع من أجل النفوذ بين قوى اقليمية كبرى تجعل العراق في وضع لا مفر منه ليكون علاقة قوية مع الولايات المتحدة.

من جهة أخرى فإن الولايات المتحدة تدرك هي الأخرى الأهمية الإستراتيجية للعراق في المنطقة والعالم. ودون الدخول في تعداد الجوانب الإستراتيجية التي يتوافر عليها العراق والتي تؤثر على العالم بشكل مباشر وتدخل في صميم مصالح الولايات المتحدة، فإن التحديات التي يواجهها العراق سواء على المستويات السياسية أم  الأمنية  أم الاقتصادية  أم الاجتماعية  ستترك آثارها بشكل مباشر وغير مباشر على المنطقة. ومن ثم  فإن المنطقة والعالم سيكونان أقل أمناً واستقراراً إذا ما أصبح العراق أقل أمناً واستقراراً، وهذا ما تثبته أوضاع المنطقة حالياً.

يزور رئيس الوزراء العبادي الولايات المتحدة وفي حقيبته الكثير من التحديات والمشكلات التي يأمل أن تقوم الولايات المتحدة بمساعدته على حلها. ولعل الجانبين الأمني والسياسي هما أهم الموضوعات التي سيناقشها في لقائه مع الرئيس الأميركي أوباما. ولكن ونظراً لتعقيد العلاقة العراقية-الأميركية وتداخل المشكلات في العراق مع المناطق الأخرى، فإن مباحثاته في واشنطن لن تكون سهلة. ولهذا السبب فإن هذه الزيارة ينبغي أن تكون من أولوياتها وقبل بحث أي أطر للتعاون، أن تضع إطاراً أو تعريفاً جديداً وواضحاً لطبيعة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة بالشكل الذي يجعلها تتحرك في أفق علاقة الدولة مع الدولة، لا علاقة الحكومة مع الحكومة وعلى المدى البعيد. فضلا عن ذلك فإن المطلوب من البلدين بذل المزيد من الجهد لإزالة الكثير من الشكوك والمخاوف تجاه بعضهما البعض والتي لبعضها أسباب حقيقية وأخرى وهمية. وفي هذه الأوضاع التي يمر بها العراق والمنطقة فإن على العراق أن يوجه بعض الأسئلة للولايات المتحدة بالشكل الذي يزيل الغموض واللغط حول الموقف الحقيقي للولايات المتحدة تجاه العراق. ومنها نظرة الولايات المتحدة إلى العراق كبلد موحد، ليس على المدى القصير، ولكن على المدى البعيد أيضاً. ومدى أهمية العراق بوضعه ونظامه السياسي الحالي للولايات المتحدة، بما في ذلك طبيعة علاقاته الإقليمية كحليف إستراتيجي لها. وما مدى جدية الولايات المتحدة في دعم ومساندة العراق في مواجهة التحديات التي تهدد أمنه واستقراره وسيادته دون موضعته في خارطة توازنات اقليمية باتت تأخذ أشكالاً طائفية وإثنية. فضلا عن ذلك فإن على العراق أن يجيب عن بعض الاسئلة فيما يخص علاقته مع الولايات المتحدة. إذ هل يريد العراق حقاً علاقة تحالف وشراكة مع الولايات المتحدة؟ وما هي مستويات هذا التحالف؟ ومدى شعبية مثل هذه العلاقة؟ فضلا عن ذلك كيف ينظر العراق وبشكل واقعي إلى الولايات المتحدة، هل هي حليف أو صديق أم عدو. وكيف ينظر إلى مستوى شراكته مع الولايات المتحدة بالشكل الذي يحقق مصالحه الوطنية وبما يحفظ خصوصيته ومديات الالتزام في هذه العلاقة. فضلا عن ذلك عشرات الأسئلة التي تدخل في صميم العلاقة ومستويات التعاون والتنسيق بين البلدين. ويتطلب ذلك البدء بعملية تقييم جدي للعلاقة بين البلدين عبر تأسيس حوار إستراتيجي بين البلدين، يضع  الأسئلة والتساؤلات ومواطن النجاح والاخفاقات كافة طوال الأعوام الماضية، فضلا عن مواضع التفاهم والخلاف على طاولة البحث للتوصل إلى صيغة شراكة إستراتيجية حقيقية تؤسس علاقة سليمة بين البلدين. ويتم عبر الحوار صياغة الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها العلاقة بين البلدين بعيداً عن الضجيج السياسي في داخل وخارج العراق والولايات المتحدة.

ومن هذا المنطلق فإن وجود علاقة صحية وإستراتيجية وبعيدة الأمد بين البلدين يتطلب وضع بعض الأسس والثوابت عراقياً التي ينبغي الاتفاق عليها:

  • للعراق خصوصية في نسيجه السياسي والاجتماعي وموقعه الجغرافي لا تسمح له بأن يكون جزء من تحالف اقليمي سياسي أو أمني يتحرك ضد هذه الدولة أو تلك. مع أهمية أن يكون حاضراً في أي منظومة أو ترتيب أمني في المنطقة.
  • بقاء العراق كبلد موحد وديمقراطي وفيدرالي قضية جوهرية في علاقته مع البلدان الأخرى، وخاصة في منطقة يعاد رسم حدودها على أنقاض نظام إقليمي يبدو أنه يتداعى بشكل متسارع.
  • أمن واستقرار العراق يمثلان مؤشراً على أمن واستقرار المنطقة والعالم. وعليه فإن الاستقرار في العراق هو مصلحة عراقية وأميركية وإقليمية.
  • وضع السبل كافة موضع التنفيذ من الولايات المتحدة مع حلفائها الإقليميين في المنطقة لعدم تحويل العراق إلى ساحة صراع إقليمي-إقليمي بالوكالة.
  • وضع أسس للتعاون بين البلدين تفيد من إخفاقات الأعوام الماضية، خاصة في مجالات بناء أجهزة الدولة والمؤسسات الديمقراطية وبعيداً عن متغيرات وتعقيدات الواقع السياسي في العراق وعلى وفق المصالح المشتركة.
  • مستويات التعاون مع الولايات المتحدة في حل بعض التعقيدات الداخلية والإقليمية تتم على وفق أسس يتم التفاهم عليها مع الواقع الرسمي في العراق.
  • التفاهم المشترك في لجم إنتشار التطرف الديني، والعنف والإرهاب في المنطقة.
  • هذه الأسس تنطبق على البلدان الأخرى كافة التي يرغب العراق في أن تكون لديه علاقة إستراتيجية معها.
  • التنسيق مع الولايات المتحدة في السياسات والقضايا ذات المصلحة المشتركة عالمياً وإقليمياً.

إذا نجح العراقيون في صياغة فهم واضح وإطار رصين وواضح لعلاقتهم مع الولايات المتحدة بعيداً عن ضجيج عالم السياسة المتقلب، وإذا ما نجح الأميركيون في صياغة فهم واقعي للعراق يبتعد عن تجارب الماضي البعيد والقريب وعن قصر الرؤية وتأثير اللوبيات المختلفة في تعاطيهم مع الأحداث  فإننا سنشهد وضعاً إستراتيجياً مفيداً للطرفين والمنطقة. فالعراق سيبقى ذا  ثقل إستراتيجي وتأثير كبير على الأحداث في المنطقة والعالم وأي فشل قد يواجهه في التحديات سيعني إضافة خسائر كبيرة ضد مصالح الولايات المتحدة وبلدان المنطقة. إن زيارات المسؤولين العراقيين إلى الولايات المتحدة لن تكون ذات فائدة كبيرة إن لم تؤسس مقاربة جديدة للعلاقات العراقية-الأميركية تبنى على أسس أكثر وضوحاً، تتعاطى بشكل واقعي، وتقوم على المصالح المشتركة. إن النجاح في بلورة علاقة ذات طبيعة واضحة مع الولايات المتحدة ينبغي أن تكون الأولوية فيها بتعامل البلدين بعضهما مع بعض، وهي أمر جوهري في تحقيق المصالح المشتركة من تلك العلاقة.