د. سعد سلوم: أستاذ العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية
شكّلت زيارات البابا لاون عام 2025 إلى كلٍّ من تركيا ولبنان حدثاً مفصلياً أعاد رسم ملامح الدور الفاتيكاني في الشرق الأوسط. لم تكن هذه الزيارات مجرد لقاءات بروتوكولية، بل هي جزء من رؤية استراتيجية متكاملة للكرسي الرسولي تتقاطع فيها الدبلوماسية الروحية مع الحسابات السياسية ومسارات التعايش الديني، وتستهدف بناء جسور بين الشرق والغرب.
وقد تجاوزت زيارات البابا الطابع التقليدي لتشكّل امتداداً لرؤية أوسع تقوم على إعادة توظيف الدين كقوة ناعمة قادرة على تهدئة النزاعات وتعزيز التعايش، وقد تم اختيار الدولتين ببراعة لخدمة أهداف استراتيجية محددة.
ففي لبنان، جاءت الزيارة بمثابة تجديد لالتزام الفاتيكان بحماية نموذج العيش المشترك، في لحظة بلغ فيها الانهيار الاقتصادي والسياسي حدّ تهديد الركائز الأساسية للتعددية اللبنانية، مما يجعل البلد نموذجاً هشاً وفريداً للتعددية يجب حمايته ورعايته روحياً ودبلوماسياً. أمّا في تركيا، فانفتحت الزيارة على مسار موازٍ يستهدف إعادة تنشيط الحوار الكاثوليكي–الأرثوذكسي وتعزيز التقارب مع قوة إقليمية صاعدة، تمتلك تأثيراً مباشراً على قضايا الاستقرار والهوية والدين، وتشكل مركزاً إقليمياً ذا ثقل سياسي وروحي يُستغل لترسيخ رسالة التعددية في المنطقة الأوسع.
وفي ظل هذا التحول، يطرح المقال إشكالية تتمحور حول طبيعة الأبعاد الاستراتيجية لدبلوماسية الفاتيكان الروحية، وكيف تعمل زيارات البابا إلى دول محورية في الشرق الأوسط (لبنان وتركيا) على إعادة صياغة الدور الفاتيكاني لترسيخ خطاب عالمي للتعددية والتعايش في مواجهة التحديات الجيوسياسية والدينية المعاصرة؟
انطلاقاً من ذلك، ينطلق المقال من فرضية أساسية ترى أن زيارات البابا لاوان إلى لبنان وتركيا عام 2025 ليست مجرد أحداث رمزية، بل هي جزء من استراتيجية فاتيكانية متكاملة تهدف إلى دمج البراعة بين الرعاية الروحية والدبلوماسية، مستغلةً محورية الدولتين لتثبيت حضور مسيحي آمن وفعّال في الشرق، وصوغ نموذج عالمي للتعددية يُناهض الانقسامات المتصاعدة في النظام الدولي.
تتقاطع الزيارتان في كونهما امتداداً لمسار فاتيكاني أوسع يقوم على ترسيخ خطاب عالمي يعيد للدين دوره كـقوة ناعمة، بدل تحويله إلى أداة للاستقطاب. وعليه، يسعى المقال لتحليل أهداف ونتائج زيارتي 2025 من خلال دمج البعدين الروحي والجيوسياسي، وتوضيح كيف يساهم هذا التوجه في إعادة ترتيب الأولويات المسيحية في الشرق وصياغة نموذج عالمي للتعددية يواجه التحديات العابرة للأديان التي يفرضها التطرف، والهجرة، وتسييس الهوية. قدمت هذه الزيارات رؤية متكاملة لما يمكن أن يكون عليه مستقبل العلاقات الدينية والسياسية في منطقة شديدة التعقيد، لكنها تظل نقطة ارتكاز أساسية في فهم موقع الشرق الأوسط في خريطة الأولويات الفاتيكانية الراهنة.




