المقدمة
تشهد الاقتصادات المتقدمة حالة من التنسيق عالي الكفاءة بين السياسات الاقتصادية، لا سيَّما التنسيق بين السياسة (النقدية والمالية)؛ لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي ومنع الهدر في المال العام، خصوصاً أنَّ العالم اليوم يشهد ارتفاعاً كبيراً ومتزايداً لأسعار السلع والخدمات، وهو ما يسبِّب حالة التضخُّم بصورة مباشرة، وقد تزامن هذا الأمر مع ظهور صدمات عديدة، مثل: الصدمة الصحية، وعملية الإغلاق التجاري عام 2020، وصدمة تقلبات أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، ووصولها إلى أسعار قياسية فضلاً عن نقص سلاسل الإمداد، والصدمة الثالثة هي صدمة الحرب الجارية بين روسيا و أوكرانيا، والتي على إثرها شهد العالم نقصاً واضحاً في عملية تحقيق الأمن الغذائي العالمي؛ لأنَّ الدولتين تنتجان أكثر من ربع الإنتاج العالمي لأهم المحاصيل الإستراتيجية، ومن ثَمَّ سبَّبت هذه الصدمات عملية (إغلاق تجاري وبطالة، وتوسُّع مفرط Overheating، وتضخُّم، ومن ثَمَّ الانزلاق إلى الركود التضخُّمي).
  إنَّ العراق أحد الدول التي تأثَّر تأثُّراً كبيراً جرَّاء الصدمات العالمية -المذكورة آنفا- قياساً بدول الخليج (السعودية، والإمارات، والكويت، وقطر) وغيرها؛ لأنَّ هذه الدول لديها صناديق سيادية تعمل على حماية الاقتصادات من الصدمات والهزات التي تصيب العالم بين فترة وأخرى. لذا فقد اتخذ العراق خطوة باتجاه خفض قيمة العملة، ممَّا أدَّى بدوره أيضاً إلى ارتفاع في نسب التضخُّم التي فاقمت الوضع على المستهلكين في الداخل.
وفي ظل هذه الظروف المعقدة يبرز التساؤل الأساس: هل أنَّ للهدر في المال العام –المتولِّد من الإنفاق غير المخطَّط– دوراً في تفاقم حجم الفساد، والحد من تحقيق النمو في البلاد؟
إذ إنَّ تزايد الإنفاق الحكومي بصورة فوضوية (الإنفاق غير المخطَّط) قد ولَّد هدراً واضحاً في المال العام، وفي الوقت نفسه أدَّى إلى زيادة حجم الأموال في التداول، ومن ثَمَّ عمَّق من تزايد مشكلة التضخُّم، وعمل على عرقلة إجراءات البنك المركزي في السيطرة على التضخُّم، والذي كان من المفترض أن يؤدي إلى حالة الاستقرار في الاقتصاد، ومن ثَمَّ العمل على خلق بيئة جيدة للقطاع الخاص، والتوسُّع في الاستثمار، وزيادة الاستخدام الذي من شأنه خلق طلب إضافي (مضاعف الاستثمار) على إنتاج السلع والخدمات واستهلاكها، وبالنتيجة استمرار النمو الاقتصادي وتنشيط الاقتصاد الكلي في البلاد.

لقراءة المزيد اضغط هنا