هيام علي المرهج – باحثة في مركز البيان – قسم دراسات المرأة
تقديم:
انعكست آثار عقود طويلة من الحروب والنزاعات الداخلية على طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية في العراق، و بعد مرور عشرين عاماً على عملية التحول الديمقراطي، ما يزال العراق يندرج ضمن الأنظمة الديمقراطية الهجينة، أو السلطوية جزئياً وَفْقاً لمؤشر  الديمقراطية العالمي، ممَّا يدلِّل على ركود النظام وجموده نحو التحول الديمقراطي الحقيقي، وينعكس هذا الركود في أداء النظام السياسي وقدرته على تقديم الخدمات، ومنح الحريات وحمايتها بكل صورها ومنها السياسية، إلا أنَّ  الطبيعة الأيديولوجية لأحزاب الإسلام السياسي وسياساتها القائمة على تحقيق المنافع الخاصة، دفعت نحو متغيرات كبيرة كان آخرها دخول داعش في غرب العراق وشمالها، وتلتها احتجاجات واسعة في وسط العراق وجنوبه في عام 2019.
شاركت النساء بطريقة غير مسبوقة في هذه الاحتجاجات بعد أن كانت أكثر الأطراف تضرراً من السياسات المتعاقبة في العراق التي أنتجت الحروب، والبطالة، وسوء الخدمات مع غياب التمثيل النسوي لقضايا المرأة داخل النظام السياسي، لذا كان لدى النساء رغبة جامحة بالتغيير، وأصبحت جزءاً أساسياً منه، ويمكن القول إنَّ ما بعد 2019 تمثِّل المرحلة الثانية من مراحل التحول الديمقراطي في العراق، والتي شهدت تأسيس أحزاب جديدة معارضة ذات توجهات فكرية مدنية انضمت إليها النساء بعد المشاركة في الحراك الاحتجاجي.
تهدف هذه الدراسة إلى معرفة أوضاع النساء داخل الأحزاب الناشئة، هل هناك مشاركة فاعلة للنساء داخل هذه الأحزاب؟ وهل لها دور في اتخاذ القرارات؟ وهل تشترك النساء في الاجتماعات المهمة؟ وهل يؤخذ برأيها في وضع السياسات الحزبية؟
وكذا تسعى هذه الدراسة إلى معرفة المنهجيات الفكرية للأحزاب الناشئة، وهل هي متبنيات حقيقية مطبقة داخل بنية الأحزاب؟ وكيف تتعاطى قيادات الأحزاب الناشئة والأعضاء مع النساء داخل الحزب؟ وبماذا يختلف وجود النساء في الأحزاب الناشئة عن وجودها في الأحزاب التقليدية؟
وقد عمدنا في هذه الدراسة إلى إجراء المقابلات مع نساء قياديات داخل الأحزاب الناشئة، وكذا مقابلات مع ناشطات من الحراك الاحتجاجي، وقمنا بترميز أسماء النساء، وحذف أسماء الأحزاب الناشئة، لكيلا تفهم الورقة على أنَّها استهداف لحزب دون آخر، ولقناعتنا بحداثة التجربة السياسية للأحزاب الناشئة، لذا فإنَّ هدف هذه الورقة هو تسليط الضوء على أوضاع النساء داخل الأحزاب الناشئة، وتقديم توصيات قد تساعد الأحزاب الناشئة على تحسُّن واقع المرأة السياسي داخل الحزب.
أولاً:  النساء والاحتجاج: فاعل اجتماعي غير متوقَّع
بزغت شمس الاحتجاج في حدثٍ غير مسبوق من تاريخ العراق السياسي، حرَّكته القوى الثورية لدى جيل لم يتوقَّع منه أن يكون قادراً على تحريك جندي في رقعة الشطرنج، إلا أنَّه أثبت بأنَّه قادرٌ على إسقاط الملك.
لم تكن هذه الاحتجاجات منفصلة عن الواقع، أو لحظة فارقة خارج الزمن العراقي، بل هي انعكاس طبيعي لما كان يشعر به الشباب من غضب حيال هذه المنظومة التي لم تقدِّم لهم سوى البطالة، وسوء الخدمات، وهو جيل منفتح على العالم يخضع حياته للمقارنة مع حياة غيرهم من شعوب العالم.

لقراءة المزيد اضغط هنا