مع نيل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الثقة من البرلمان العراقي، ظهرت عديد من التوقعات التي أطَّرت عمل مراكز الأبحاث والدارسات، ودارت حول طبيعة مآلات التوجه الخارجي لهذه الحكومة في المرحلة المقبلة، سواءً على مستوى البيئتين الإقليمية أم الدولية، وفي هذا الإطار حظيت العلاقة بين العراق ودول مجلس التعاون الخليجي باهتمام بالغ، وذلك لما لها من تأثير كبير في الداخل العراقي، إلى جانب دورها في صياغة معادلة التوازن الإقليمي في المنطقة، وعلى هذا الأساس تأتي هذه الورقة لتسلِّط الضوء على طبيعة هذه العلاقة والمتغيرات التي تحيط بها؛ للوصول لفهم إستراتيجي أكثر وضوح للإطار العام الذي يربط العراق بالمنظومة الخليجية.
العراق والمصالحة الخليجية
رحَّب العراق بالمصالحة الخليجية بعد توترات دامت أكثر من ثلاث سنوات بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين على إثر البيان الختامي الذي تمخَّضت عنه قمة العلا في السعودية في يناير 2021: «نبارك لمجلس التعاون الخليجي نجاح اجتماع قمة العلا، ونرحِّب بعودة العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر إلى إطارها الطبيعي». جاء هذا الترحيب العراقي نتيجة إدراك عراقي بأنَّ استمرار الخلافات الخليجية الخليجية قد يلقي بظلاله على الوضع في العراق، والتأثير تأثيراً مباشراً في سياسته الخارجية، خصوصاً مع محيطه الإقليمي؛ بسبب التعقيدات في الصراعات الإقليمية، وخصوصاً بين السعودية وإيران، فضلاً عن سياسة المحاور والتكتلات التي نشأت في المنطقة في الأزمة الخليجية، هذا فضلاً عن سعي العراق إلى استئناف العمل بعديد من المشاريع الخليجية فيه، والتي توقفت بسبب الأزمة، ومنها أنبوب نقل الغاز القطري إلى تركيا عبر الأراضي العراقية، ومشروع السكك الحديدية بين الخليج وتركيا عبر العراق، خصوصاً أنَّ هذه المشاريع ستساعد في تحريك عجلة الاقتصاد العراقي الذي يعاني كثيراً من الأزمات.
يتمثَّل التأثير الإستراتيجي الأبرز للمصالحة الخليجية حيال العراق في إمكانية أن تبلور هذه المصالحة موقف خليجي موحَّد من الحالة العراقية، وبالإطار الذي يخلق حالة توازن سياسي مع التأثير الإيراني والتركي، إلى جانب الدور الذي نهضت المصالحة الخليجية بتخفيف التوترات الداخلية العراقية، عبر ضبط إيقاع التيارات والكتل السياسية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع دول الخليج، والدور الذي يمكن أن ينهض العراق بإجراء تسويات سياسية على مستوى أعلى، سواءً على مستوى العلاقات السعودية الإيرانية أم على مستوى العلاقات الإقليمية بصورة أوسع، وهو ما برهنت عليه قمة بغداد للتعاون والشراكة التي عقدت في أغسطس 2021، إذ نجح العراق في جمع معظم القوى الإقليمية المختلفة، وبرهنت قدرة العراق على خلق توافق سياسي إقليمي يعيد للمنطقة استقرارها، وهي قدرة لم تكن لتتوفَّر لولا المصالحة الخليجية، والموقف الخليجي الموحَّد بدعم جهود العراق في هذا السياق.
لذا يمكن القول إنَّ الأزمة الخليجية أثَّرت بصورة كبيرة على دور العراق السياسي، خصوصاً أنَّها جاءت في ظل ظروف صعبة عاشها العراق، سياسياً وأمنياً، إذ واجه العراق تحدياً كبيراً في الحصول على موقف خليجي موحد، عبر سعيه الحصول على مساعدات اقتصادية، ممَّا جعل العراق يعاني من انعدام هامش المناورة السياسية بين دول الخليج، بفعل حالة الاستقطاب السياسي الحاد الذي رافق الأزمة، ومن ثَمَّ فإنَّ العراق نظر للمصالحة الخليجية من منطلق أنَّها فرصة لخلق حالة انفتاح سياسي على كل دول المنظومة الخليجية، لإقامة علاقات أوسع وأكثر فعالية، وتحديداً في إطار جهود إعادة الإعمار، وهو ما برز واضحاً في المساعدات التي قدَّمتها قطر لإعمار بعض المدن المدمَّرة نتيجة الحرب ضد تنظيم «داعش»، كما قدمت الإمارات مساعدات مالية كبيرة لإعادة إعمار جامع النوري في مدينة الموصل، فضلاً عن إعلان السعودية سعيها القيام بمشروعات استثمارية وزراعية كبيرة في صحراء الأنبار.
تأتي إحدى أبرز الفرص -التي سعى العراق إلى أن تترجمها المصالحة الخليجية- في إطار إيجاد بدائل اقتصادية-طاقوية أكثر فائدة من إمدادات الطاقة الإيرانية، ومع الجهود التي بذلتها حكومة مصطفى الكاظمي في إكمال مشروع نقل الطاقة مع دول الخليج؛ لمنح العراق مرونة في توفير إمدادات الطاقة الكهربائية من مصادر متعددة، وتحقيق توازن اقتصادي كمقدمة للتوازن السياسي الخليجي مع إيران، إلا أنَّ هناك كثيراً من العقبات التي وقفت في طريق حكومة الكاظمي بهذا الاتجاه، بعضها نابع من البيئة الداخلية العراقية، وبعضها إقليمي.

لقراءة المزيد اضغط هنا