د. مصطفى كامل – باحث
مقدمة
حين اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي (جو بايدن) حزمةً من العقوبات ضد روسيا؛ على خلفية الحرب في أوكرانيا، وجنَّدت معها بريطانيا، ودول غربية أخرى؛ لفرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا، كانت تظن أنَّ كلَّ دول العالم من خارج دائرة الغرب سوف تشاركها تنفيذ تلك العقوبات الاقتصادية، والمالية، والتجارية ضد روسيا، وكانت الولايات المتحدة راغبة باستخدام النفط كسلاح ضد روسيا، وإغراق السوق؛ لزيادة الخسائر الروسية، وإنهاك اقتصادها. وخططت الولايات المتحدة مع مجموعة الدول السبع، والاتحاد الأوروبي؛ لفرض حد أقصى لسعر النفط الروسي، وهو تكتيك هدفه ضرب عائدات الطاقة الروسية، مثلما تستخدم روسيا الغاز كسلاح ضد الولايات المتحدة وأوروبا.
وعلى عكس الرغبة الأمريكية، فقد قرر تحالف (أوبك بلس) في أول اجتماع مباشر له بعد أزمة كورونا في 2020، وانهيار الأسعار التاريخي، وخفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يومياً، بدءاً من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وارتفعت أسعار النفط فور إعلان التحالف قراره بنسبة أقل من (1%)، إذ وصل (خام برنت) القياسي إلى حوالي (93) دولاراً للبرميل، في حين اقترب (خام نايمكس) من عتبة (87) دولاراً، بعد أن كانت أسعار النفط عموماً تتجه للهبوط لتصل إلى (80) دولاراً، وقد كسر هذا القرار حاجز الصمت في البيت الأبيض، إذ وُصِفَ على لسان المتحدثة باسمه (كارين جان) بالقرار الخاطئ، واتهمت في البيان المنظمة بأنَّها بهذا القرار تنحاز لمصالح روسيا، ووَفْقاً لبيان البيت الأبيض، فقد وجَّه بايدن وزارة الطاقة للإفراج عن (10) ملايين برميل أخرى من الاحتياطي البترولي الإستراتيجي الشهر المقبل، وجاء في البيان: (في ضوء قرار أوبك بلس اليوم، سنتشاور مع الكونغرس بشأن أدوات وسلطات إضافية؛ لتقليل سيطرة المنظمة على أسعار الطاقة).
ثم لوَّح أعضاء في الكونغرس الأمريكي ومستشارين الرئيس بايدن بقانون (نوبك) كرد على تخفيض إنتاج النفط من جهة تحالف (أوبك بلس) الذي قد يتسبَّب برفع أسعار الوقود وارتفاع التضخُّم في الولايات المتحدة.
وعلى إثر ذلك التخفيض، وتهديدات الولايات المتحدة فرض قانون نوبك، سنحاول توضيح اتجاهات هذه الأحداث وأبعادها عن طريق الإجابة على أسئلة عديدة تتعلَّق بهذا الموضوع.
أولاً. ما أضرار قانون نوبك على الولايات المتحدة الأمريكية؟
قد يؤدِّي تقليص إنتاج النفط بصورة حتمية إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من (200) دولار للبرميل في فصل الشتاء المقبل، ليس في الولايات المتحدة فقط، بل ستزداد أسعار الوقود عموماً في سائر البلدان الصناعية في آسيا وأوروبا، وهذا يتناقض مع كل الترتيبات والجهود التي تسعى لها الولايات المتحدة؛ لإقناع أوروبا بالابتعاد عن مصادر الطاقة المقبلة من روسيا.
إنَّ ارتفاع أسعار النفط يعني زيادة في أسعار المحروقات، ومن ثَمَّ ارتفاع سعر مادة البنزين على معظم المواطنين إلى الضعف، في الوقت الذي تشهد الأسعار ارتفاعاً مسبقاً، إذ وصل في ولاية ميتشيغان إلى (4.5) دولار للغالون الواحد، وفي بعض الولايات يصل إلى (6- 7) دولارات، وبالتأكيد، سيؤدِّي هذا السعر المتضاعف على الوقود إلى تقليل استهلاك المواطن لسلع أخرى، بمعنى آخر أنَّ ارتفاع أسعار الوقود سيضع عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على المواطنين الأمريكيين، وسيؤدِّي إلى ركود شديد جداً في الاقتصاد الأمريكي، ولن يجعله يتعافى بوقت قريب، ويمكن أن تزداد البطالة، وترتفع أسعار المواد الأخرى.
سيؤدِّي هذا القرار إلى تراجع شعبية الحزب الجمهوري، والرئيس جو بايدن بالتحديد مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفية في الكونغرس، والتي تعقد بعد نحو شهر من الآن، وهو ما شكَّل حرجاً لإدارة الرئيس الديمقراطي أمام ناخبيه، خصوصاً بعد الوعود التي قطعها لهم بحل أزمة ارتفاع الوقود.

لقراءة المزيد اضغط هنا