تتسبب النزاعات في العديد من البلدان النامية فضلاً عن الوفيات والنزوح والصدمات، بدمار واسع النطاق على جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية (البنية التحتية والخدمات وبيئة الاعمال والقطاع الخاص)، وأدى خفض الإنتاج بنحوٍ كبير مما دعا إلى ظهور مجموعات هشة ارتفعت نسبتها وتعاظمت مشكلاتها وخسائرها، ولعل أبرز ما أودت إليه تلك النزاعات الحالية في المنطقة ما يأتي:
نشأت عن عقد اجتماعي منقطع للأنموذج الاقتصادي الذي تقوده الدولة، والذي انعكس في مسار «التنمية غير السعيدة»، التي غذت بدورها كثيراً من المشكلات في مقدمتها الإرهاب والعنف، مع آثار عابرة للحدود.
تسببت في وقوع أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين داخلياً، مما انعكس -على المدى القصير والمدى الطويل- على المجتمعات المضيفة وانتشارها في البلدان المجاورة.
تركت نتائج تلك النزاعات آثاراً بنيوية على جميع المتغيّرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفي مقدمتها فرص التشغيل والبطالة، التي انعكست بالتالي على جودة نوعية الحياة وفرص استدامتها.
فالبطالة ومعدلات المشاركة في العمل هي مشكلات سلبية وحرجة، ومن الصعب أحياناً تقدير مستوياتها في الاقتصاديات النامية، وتقلل التقديرات -غالباً- من المستوى الفعلي للعالم الحقيقي للبطالة.  إذ يكف الكثيرين عن محاولة المشاركة في قوة العمل الرسمية حينما يتعرض الاقتصاد إلى مشكلات بنيوية حادة، وإن البلدان الفقيرة تحاول توليد العديد من الوظائف غير المنتجة ذات المخرجات غير النافعة، أو إن العديد من العاملين يقومون بعمل منتج من عامل واحد فقط أو يعملون لأسباب عائلية أو اجتماعية أو سياسية أخرى. وتبقى الفجوات قائمة بين الرقم المسجل ومستوى العالم الحقيقي للبطالة المقنعة، التي يمكن أن تجعل بسهولة المستوى الإجمالي لعالم البطالة بين الشباب مرتفعاً. وفضلاً عمّا ذُكر فإن التأثيرات الاقتصادية توزعت بنحوٍ مختلف جداً حسب المدينة والمنطقة والمهنة، وإن معاناة جزء كبير من كل نسبة يمكن أن تكون أكبر بكثير.
لقد أظهرت نتائج مسح الهشاشة والأمن الغذائي 2016 في العراق ارتفاعاً حاداً في مستويات العمالة الناقصة (28.4%)، على الرغم من محاولة الكثير من العراقيين المشاركة في قوة العمل. وتظهر المعطيات أن معدل مشاركة الإناث في النشاطات الاقتصادية منخفضة جداً (حوالي (14%)، في بلد يتمتع بمعايير تعليمية عالية للمرأة، إذ بلغت نسبة البطالة عند الذكور (8.5%) مقابل (22.2%) للإناث.  وهذا صحيح على الرغم من قطاع الدولة المتضخم. ومن شبه المؤكد أنها مصدر رئيس لتيار الاحتجاجات، يضاف إليها حقيقة أن العديد من العاطلين عن العمل هم من الخريجين.
وبسبب هذه الخصائص، لا يمكن بناء فرص السلام والإعمار، ولا العمل بطريقة طبيعية دون إيلاء الاهتمام للمتغيرات المجتمعية التي تصاحب ظروف النزاع والآثار الناجمة عنه، أو تحسين تصميم البرامج لمواجهة الديناميات المحرضة للنزاع.
وليس ثمة شك أن كل خطوة من الخطوات الحالية للسياسات الانمائية يمكن أن تساعد قليلاً بـ «حل» مشكلة التشغيل في البلدان الخارجة من النزاع أو بتعزيز فرص الحفاظ على السلام؛ لذا فإن مساقات هذه الدراسة تحاول أن تحلل معطيات كل خطوة. ففي القسم الأول من هذه الدراسة برز استعراض موجز لمفاهيم العمالة والبطالة فيما يخص أسواق العمل في البلدان النامية. ويناقش القسم الثاني العلاقة بين وضع التشغيل واحتمال نشوب الصراعات المسلحة. بينما يستعرض القسم الثالث من خلال الشواهد كيفية تأثر أوضاع التشغيل بالنزاع. في حين يناقش القسم الرابع سياسات ما بعد النزاع نحو التوظيف في ضوء التحليل السابق.

لقراءة المزيد اضغط هنا