يعلن الآلاف من العراقيين في كل دورة انتخابية -بما فيهم أولئك الذين لديهم فرصة ضئيلة للفوز- ترشيحهم للانتخابات، إذ تنافس 9043 مرشحاً على 328 مقعداً فقط في الانتخابات البرلمانية لعام 2014 أيّ ما يعادل حوالي 27 مرة ضعف عدد المقاعد المتاحة، وتعدُّ هذه النسبة عالية جداً في حال ماثلناها مع البلدان الأخرى ذات النظم السياسية والانتخابية المماثلة؛ فعلى سبيل المثال: تنافسَ 2146 مرشحاً على أكثر من 200 مقعد في الانتخابات البرلمانية لفنلندا -التي لها نظام برلماني وتمثيل نسبي- لعام 2015، وهو ما يمثل 10 أضعاف عدد المقاعد المخصصة[1].

وقد يزعم أنصار الأنظمة التي تتيح ترشيح عدداً كبيراً من الأفراد بأن لها ميزة الحد من المنافسة داخل الحزب الواحد من خلال السماح للعديد من الأشخاص بالترشيح تحت راية الحزب نفسه. وإن احتمالية وجود مرشحين يتشاركون الهوية نفسها في كل دائرة انتخابية تحفزهم على أن يكونوا أكثر استجابة لاحتياجات الناخبين، وتحد من تحشيد الناخبين على أساس الهويات الفرعية، فمثلاً: إذا كان هناك مرشحان -فأكثر- يتنافسان في المنطقة نفسها ويتشاركان الامتداد العشائري نفسه، فمن المرجح أن يعاد انتخاب المرشح الذي أوفى بتعهداته سابقاً.

بيد أن هناك جانبين سلبيين لهذا النظام: أولاً: يؤدي ارتفاع عدد المرشحين إلى هدر كبير لأصوات الناخبين الصالحة [2]، الذي بلغ 36٪ في محافظة واسط خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2014، كما هو مبيّن في الرسم البياني رقم (1). ويبدو أن نسبة الأصوات الضائعة تصل إلى أعلى مستوياتها في الأجزاء الوسطى والجنوبية من العراق؛ بسبب العدد الكبير من القوائم الانتخابية والدعم الشعبي القوي الذي كانت تتمتع به الجهات السياسية المشاركة في الحكومة آنذاك.

الشكل رقم (1): نسبة الأصوات الضائعة في الانتخابات البرلمانية لعام 2014

ثانياً: يتيح النظام للمرشحين الذين لا يمتلكون قواعد شعبية حقيقية الحصول على مقاعد نيابية، كما حدث في الانتخابات البرلمانية السابقة، إذ فاز العديد من المرشحين بمقاعد نيابية على الرغم من حصولهم على 3000 إلى 5000 صوت فقط، معتمدين على أصوات قوائمهم الانتخابية، على الرغم من أن من المفترض أن يمثل كل مقعد 100 ألف صوت، وكانت العتبة الانتخابية الفعلية تصل لـــ 38474 صوتاً. حتى أن بعض الكتل السياسية الصغيرة تفضل التنافس كقائمة منفردة، بدلاً من التنافس داخل تحالف من الأحزاب السياسية الصغيرة؛ وذلك لأن خيار ترشيح العديد من المنافسين يمكّنهم من الحصول على أصوات كافية لتأمين مقعد واحد على الأقل، فضلاً عن غياب عتبة انتخابية رسمية واتباع نظام سانت ليغو في عملية تخصيص المقاعد.

وللتخفيف من هذه الجوانب السلبية، ينبغي فهم العوامل التي تؤدي إلى ترشيح أعداد كبيرة من المنافسين المتمثلة بالآتي:

أولاً: ارتفاع عدد الأحزاب السياسية، إذ شارك 277 كياناً سياسياً مسجلاً في الانتخابات البرلمانية لعام 2014 [3]، ولكن معظم تلك الكيانات تحالفت مع كيانات أخرى لتتنافس كقائمة انتخابية واحدة، ولاسيما تلك التي تتشارك البرنامج السياسي نفسه. وعلى الرغم من التصديق على قانون الأحزاب السياسية، فقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن 204 أحزاب سياسية مسجلة رسمياً ستتنافس في الدورة الانتخابية المقبلة لعام 2018؛ لذا يقترح العديد من النقاد وضع متطلبات أكثر صرامة لتسجيل الأحزاب الجديدة من خلال زيادة رسوم التسجيل، وتوسيع نطاق الانتشار الجغرافي للأحزاب، واشتراط عضوية تمثل التنوع الإثني والطائفي في العراق.

ومع كثرة الانتقادات، إلا أنّ هذه الظاهرة جديرة بالاهتمام كون الأحزاب تؤدي دوراً حاسماً في تفعيل مشاركة المواطنين، وتثقيفها، وتحشيدها في الحياة السياسية، وهي تعكس الطابع الديمقراطي للنظام السياسي في العراق، إذ بإمكان أي مجموعة من العراقيين تأسيس حزب سياسي وتسجيله بمجرد استيفاء الشروط التنظيمية المنصوص عليها في الدستور والواردة في قانون الأحزاب السياسية. وفضلاً عن ذلك أثبتت الانتخابات السابقة أن العديد من القوائم لم تحصل على أي مقعد، إذ فشلت 125 قائمة انتخابية خلال الانتخابات البرلمانية لعام 2014 بالحصول على مقعد واحدٍ.

ثانياً: الفوائد المترتبة على عملية الترشيح نفسها: إن الحافز الرئيس الذي يقف وراء ترشيح عدد كبير من الأكاديميين، وزعماء القبائل، ورجال الأعمال، ورجال الدين هو تمكنهم من الحصول على الفوائد، إذ يحصل معظم المرشحين على مبالغ كبيرة من الأموال أو يحصلون على مناصب عليا إذا فازت قوائمهم بعدد من المقاعد، فيحشّدون شبكاتهم الاجتماعية؛ لتأمين فوائد قصيرة الأجل، فضلاً عن وجود احتمالية كبيرة للحصول على مقعد من خلال الاعتماد على أصوات قوائهم.

ثالثاً: النظام الانتخابي: يسمح النظام الانتخابي لكل قائمة انتخابية بأن يكون عدد المرشحين ضعف عدد المقاعد في دائرة انتخابية معينة، ومن الممكن تقليل عدد المرشحين ليتساوى مع عدد المقاعد في كل محافظة بطريقة تقلل من عدد الأصوات الضائعة، ولكن قد تعترض الأحزاب الصغيرة على مثل هذه القرارات؛ لأنها تقلل من احتمالية حصولهم على مقعد واحد على الأقل؛ وبالمقابل، قد تدعمها الأحزاب الكبيرة، لأنها تميل إلى تشكيل ائتلافات مع أحزاب أخرى وتوزيع مرشحيها بين الأحزاب السياسية المختلفة التي تكوّن كل ائتلاف.

وخلاصة القول: هنالك إيجابيات وسلبيات لوجود عدد كبير من المرشحين في الانتخابات، التي يمكن التخفيف من أضرارها من خلال التركيز على جانب الطلب، أي: الحد من عدد المرشحين المتنافسين في كل دائرة انتخابية، ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال حصر عدد المرشحين لكل قائمة انتخابية بعدد المقاعد المتاحة في كل دائرة انتخابية، بدلاً من معالجة جانب العرض، أي: عدد الأحزاب السياسية المسجلة؛ لأنها قد تتعارض والمعايير الديمقراطية فيما لو وَضَعَ النظام الانتخابي في العراق قيوداً على تسجيل الكيانات السياسية.


[1]https://www.stat.fi/til/evaa/2015/evaa_2015_2015-04-30_kat_001_en.html.

[2]– الأصوات الضائعة: هي الأصوات التي حصلت عليها القوائم أو مرشحيها ولكن لم تتمكن من الحصول على أي مقعد، ويتم حساب الأصوات الضائعة بطرح مجموع الأصوات التي حصلت عليها القوائم الفائزة من مجموع الأصوات الصالحة في محافظة معينة. على سبيل المثال: بلغت الأصوات الضائعة في محافظة واسط 495027 صوتاً (مجموع الأصوات الصالحة) ناقص [173608 أصوات (لتحالف دولة القانون) + 77774 صوتاً (لتحالف الأحرار) + 63231 صوتاً (لتحالف المواطن)[، ومن ثم تُقسَّم النتيجة الكلية على العدد الإجمالي للأصوات الصالحة وتضرب في 100 للحصول على النسبة المئوية للأصوات الضائعة.

[3] -Sa’ad Al-Abdali, “Legislative Encyclopedia of Iraqi Elections Post 2003,” 2016.