ولاء علي فرحان – باحثة متدربة في مركز البيان في قضايا الأمن المجتمعي والتنمية المستدامة
تقديم:
يُشيرُ مفهوم النوع الاجتماعي إلى العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، إذ يتبادل الرجال والنساء الأدوار في النشاط الاجتماعي، وبمستويات ونسب مختلفة، وَفْق طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يعيشون فيه، ويستفيدون من التنمية بنسب متفاوتة، ويعيشون تجار الفقر بصور مختلفة؛ نتيجة لأدوارهم المختلفة، والقيود الاجتماعية، والاقتصادية المفروضة، ومن ثَمَّ فإنَّ المساواة بين الرجل والمرأة شرط أساسي؛ لتفعيل برامج ومشروعات التنمية، وتعزيز فعاليتها لتحقيق الإنصاف والمساواة.
 إنَّ قضية تمكين المرأة من القضايا الأساسية في أجندة الإستراتيجيات لنهوض المجتمع؛ لذا فإنَّ المرأة وَفْقاً للأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، نلاحظ أنَّ التشريعات والخطط تكفل للمرأة حقها في التمكين، ولتعريف صندوق (اليونيفيم) «هو العمل الجماعي في المجتمعات المقهورة أو المضطهدة للتخطِّي، أو المواجهة، أو التغلُّب على العقبات، وأوجه التمايز التي تقلِّل من أوضاعهم، أو تسلبهم حقوقهم»، ولكي تصبح المرأة متمكنة فرداً أو جماعةً عليها أن تكون واعية بالطريقة التي تؤثر وبقوة على المجتمع، فتكتسب الثقة بالنفس، والقدرة على التصدِّي والتحدِّي؛ لتكسب المساواة مع الرجل.
تعبِّر فجوة النوع الاجتماعي عن الفروقات بين الجنسين، في المواقف السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية ومن أهمها، الفجوة النوعية التي تتمثل في القوانين واللوائح، والكمية التي تتمثل في الإحصاءات والأرقام حول الفرق بين الذكور والإناث في مختلف المجالات المختلفة، والفجوات غير المرئية التي تتمثَّل في المعتقدات والتصورات والتحيزات التي تحدد المواقف من المرأة، وتؤدي الفجوة النوعية إلى الفجوة كمية.
ويأتي الاهتمام بهذا الموضوع لما جاء في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2030، وفضلاً عن الاتفاقيات الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والعهدين الدوليين لسنة 1948، والعهدين الدوليين لسنة 1966، واتفاقية سيداو لسنة 1979، تحقيقاً لأهم أهداف مبادئ النوع الاجتماعي للمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة في جميع مرافق مؤسسات ووزارات الدولة العراقية؛ لأنَّ المرأة العراقية العاملة تعاني من فوارق اجتماعية في وجودها داخل المؤسسات، لذا تبحث هذه الورقة التوازن في مواقع العمل بين الجنسين من حيث السلم الوظيفي، ومدى تكافؤ في الفرص بين الجنسين في تسنُّم المناصب القيادية، وكذلك فجوة الادماج بين الجنسين في مؤسسات الدولة العراقية.
أولاً: المشاركة السياسية للمرأة العراقية
تُعدُّ المشاركة السياسية للنساء ظاهرة حضارية وواحدة من القضايا الأساسية التي تعكس البنية الحقيقة للأنظمة السياسية والاجتماعية، وعلى العكس من ذلك فإنَّ ضعف وصول المرأة إلى موقع القرار السياسي المؤثر، وعدم الفاعلية السياسية على صعيد البرلمان والمجالس المحلية والوظائف العليا إلا على نحو محدود،  فما هي سوى انعكاس لهشاشة النظام الديمقراطي في الدولة ومن جهة أخرى ضعف القوانين، وموقف السلطات وبنية الوعي الاجتماعي العام، والأيديولوجيا المتجذرة للمجتمع التي تضع العراقيل أمام مشاركة النساء السياسية.
اكتسبت المرأة العراقية حق التصويت في الانتخابات عام 1980، لكن بقيت الفجوة بينها وبين الرجل في مجال التصويت ولم تتراجع، وظلت مساهمتها متدنية في الصور الأكثر فعالية من المشاركة السياسية، وبقيت المساهمة السياسية للنساء أقل حتى بعد عام 2003 وما رافقه من تغيير سياسي، مع الحرية السياسية التي منحها الدستور للجميع بغض النظر عن الجنس، فقد نصت المادة (14) من الدستور على: «أنَّ العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس، أو العرق، أو القومية، أو الأصل، أو اللون، أو الدين، أو المذهب، أو المعتقد، أو الرأي، أو الوضع الاقتصادي، أو المركز الاجتماعي، أمَّا المادَّة (15) من الدستور العراقي فقد نصَّت على أنَّ لكلِّ فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وَفْقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة، وكذلك أحكام المادة (16) من الدستور العراقي التي تقول إنَّ تكافؤ الفرص مكفول لجميع العراقيين، وقد نصَّتِ المادة (20) على: (للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتُّع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)، إلا أنَّ قضية المشاركة السياسية للنساء بقيت مرهونة بعاملين أساسيين، وهما التنشئة الاجتماعية القائمة على أساس العادات والتقاليد والصور النمطية لأدوار النساء داخل المجتمع، والعامل الثاني هو الإرادة السياسية في دعم مشاركة النساء السياسية بصورة فعالة، فواحدة من المآخذ على مشاركة النساء في العملية السياسية هي مشاركة شكلية تخضع إلى إرادة صنَّاع القرار من الرجال.

لقراءة المزيد اضغط هنا