مرتضى سلطانبور، موقع الدبلوماسية الإيرانية

 أسباب ارتفاع معدلات الانتحار

تمكنت كوريا الجنوبية في العقود الأربعة الماضية عبر نموها الاقتصادي وتطورها الذي فاق الخيال، أن تتحول من بلد فقير جداً إلى تاسع أكبر اقتصاد في العالم. ويعاني الناس في مجتمع هذا البلد الجميل والرائع من عدة مشكلات، ولكن لم يكن لها انعكاس خارجي كبير. يقول العديد من العظماء أن الثروة تجلب الراحة في الحياة، لكنها لا تقلل من حجم المعاناة البشرية.

إحدى المعضلات الاجتماعية الرئيسة في كوريا الجنوبية هي ارتفاع معدل الانتحار بين مختلف شرائح المجتمع في هذا البلد، التي لطالما وضعت كوريا الجنوبية في المرتبة الأولى أو الثانية على مستوى العالم. ومن جهة أخرى، على الرغم من أن نصيب الفرد من الدخل يزيد عن 38 ألف دولار، إلّا أن الشعور بالسعادة في هذا المجتمع ليس عالياً. وبحسب الأبحاث، فإن هذا البلد يحتل المرتبة 57 على مستوى العالم من حيث الشعور بالسعادة. وتشير الإحصاءات إلى أن معدل الانتحار في السنوات الأخيرة هو 38 شخصاً يومياً. وأظهرت الأبحاث العلمية أن التوتر والعادات الاجتماعية والتقاليد القائمة على السرية، والضغط الشديد، والظروف التنافسية تشير إلى وجود مجتمع يعاني من القلق. وعلى الرغم من أن الظواهر لا توحي بشيء مأساوي، وعندما تتحدث إلى مواطن كوري جنوبي، ترتسم في ذهنك صورة وجه مبتسم، ولكن الواقع شيء آخر. إن السبب الأكثر أهمية الذي تشير إليه معاهد البحوث الاجتماعية الكورية الجنوبية عن الانتحار هو الاكتئاب، حيث تظهر الإحصاءات أن بعض الناس يعانون من هذا النوع من المرض، والكثير منهم يرفضون الخضوع للعلاج؛ بسبب بعض التقاليد الشرقية القائمة على السرية والحفاظ على السمعة وماء الوجه.

إن الضغوط السياسية، والاقتصادي، والثقافية، والاجتماعية داخل المجتمع الكوري الجنوبي هائلة جداً، والانتحار هو أحد السبل للتخلص من هذه الضغوط. ولقد خلقت العديد من العوامل الأخرى مجتمعاً متوتراً ومجهداً، حيث مع أن التنمية الاقتصادية تمكنت من توفير بعض الأمن المالي لهذه البلاد، إلّا أن المنافسة نحو نيل الأفضل في هذا المجتمع قد أدت إلى تضاؤل هذا الهدوء. وفي الواقع، إن إحدى التعقيدات المهمة للتنمية الاقتصادية المتسارعة في كوريا الجنوبية تتمثل في النمو غير المتوازن للقطاعات الثقافية والسياسية والاجتماعية.

وعلى أي حال، يمكن الإشارة إلى عدة أسباب للانتحار في كوريا الجنوبية، حيث إن إحدى مشكلات هذا المجتمع هي التمييز الاقتصادي والاجتماعي والمسافة الطبقية والمنافسة لتقليل هذه الفجوات. وقد تسببت هذه المعضلة في أن تخوض الطبقات الاجتماعية المختلفة منافسة قاتلة مع بعضها البعض من أجل حل المشكلات القائمة. وتبدأ هذه المنافسة القاتلة في مرحلة التعليم الأساس للأطفال وتستمر حتى مرحلة التخرج من الجامعة. على سبيل المثال: ينبغي لطلبة المدارس الثانوية قضاء نحو 16 ساعة من وقتهم في اليوم من أجل الحضور في المدرسة الثانوية أو الانشغال بالأمور ذات الصلة؛ وبعد التخرج من المدرسة الثانوية أيضاً، تبدأ المنافسة لدخول أفضل الجامعات. ولقد تحولت هذه المنافسات إلى مشكلة للعائلات، لدرجة أنهم ينفقون الكثير من المال على هذه المنافسة الحادة. وفي هذه الأثناء، يتعرض الضعفاء مادياً إلى مشكلات مثل الاكتئاب.

والسبب الآخر للاكتئاب ومحاولات الانتحار -ولاسيما بين الطالبات- يعود إلى قضية التحرش الجنسي في هذه الأماكن، حيث إن الكثير من الناس لا يتطرقون إليه؛ وذلك بسبب الحفاظ على سمعتهم. على الرغم من سن قوانين صارمة لحماية النساء في المجتمع الكوري الجنوبي في السنوات العشر الماضية، لكن أعداد الضحايا ليست بقليلة وقد ينتحر البعض منهم أحياناً. وأحد الأسباب الأخرى للانتحار في كوريا الجنوبية هو استمرار التقاليد القديمة القائمة على السرية للحفاظ على الشرف وماء الوجه.

يعتقد الكثيرون في المجتمع الكوري أن الانتحار سيؤدي إلى الحفاظ على سمعة وشرف تلك الطبقة أو العائلة، وأن الشخص من خلال القيام بذلك، سيمنع حدوث الكثير من المشاكل اللاحقة. وخير مثال على ذلك هو انتحار السيد بارك وون سون، العمدة الشهير والمحبوب لبلدية العاصمة الكورية الجنوبية، كانت هناك شائعات تتحدث عن توجيه اتهام القيام بالتحرش الجنسي من قبله.

بطبيعة الحال، لقد انخفض معدل الانتحار في هذا البلد بنحو طفيف، وذلك بعد إجراء العديد من الدورات التدريبية، والعمل التوعوي، والإجراءات الحكومية في السنوات الأخيرة، ولكن لا بدّ من القول إن هذه المشكلة ما تزال تتجلى في كوريا الجنوبية.

المصدر:

 https://b2n.ir/960134