مريم وريج كاظمي: باحثة وخبيرة في الشؤون الدولية.

أتاحت البنية الاجتماعية التقليدية إلى جانب التسلسل الهرمي للميول القومية المتعاظمة في كشمير إمكانيات يسيرة للنساء؛ حتى يتمكن من الاضطلاع بدور هيّن في النزاعات الدينية والخطاب السياسي المعاصر. لكن تداخل الأزمات السياسية والأمنية الموجودة مع إقصاء التقاليد الذكورية، أفرزت تبعات خطيرة أمام فعاليات النساء في مسار السلام والمصالحة الوطنية، فمن وجهة نظر الحكومة الهندية -كونها الحكومة التي تزعم امتلاكها لأراضي كشمير- تفضي هذه القضية إلى إشعال فتيل النزاع، ومفاقمة الأزمة في كشمير.

والحكومة الهندية على ثقة بأن النزاع لا يمكن أن يستمر دون مشاركة النساء اللاتي يؤدين أدوار أمهات، وزوجات، وشقيقات، وبنات المقاتلين الرجال.

يسود اعتقاد مفاده أن النساء يقدمن إلى المجموعات المتطرفة والأصولية مساعدات بدءاً من تأمين الطعام، ومعالجة جراح المقاتلين، وإعداد الطعام، وصولاً إلى تأمين الملاذ الأمن، أو تقديم المعلومات؛ ولولا هذا لما كان للكفاح الانفصالي في كشمير أن يمضي قدماً على نطاق واسع وفاعل، ويقحم المصالح القومية-الأمنية الهندية في مواجهة تحديات. ومع هذا تقع النساء في كشمير -على الدوام- ضحايا للعنف الاجتماعي-الثقافي مثل: العنف الجسدي والجنسي، والاعتداء الجنسي، أو يسقطن جرحى، أو يُقتلن في موجات العنف الناجمة عن هجمات المليشيات المسلحة التي تحدث تقريباً بنحو يومي. والأمر الذي يسترعي الاهتمام هنا يتمثل في وقوع النساء في كشمير ضحايا للعنف من قبل القوات الأمنية والمقاتلين الانفصاليين أيضاً.

دون أدنى شك أن النساء المسلمات الكشميريات يأتين في طليعة الكفاح المتواصل والحركات الانفصالية ضد الحكومة الهندية، فقد اشتبكن إلى جانب المقاتلين المحليين في شوارع مدينة “سريناغار” مع شرطة مكافحة الشغب، واعتصمن أمام مكتب مراقب الأمم المتحدة مطالبات بحلِّ النزاع لصالح المسلمين في كشمير.

ونشرت وسائل الإعلام المحلية والدولية صوراً تُظهرُ بجلاء مظاهرات النساء واشتباكهن مع القوات الأمنية، وكيفية تعرضهن لضربات الهراوات واستنشاقهن الغاز المسيل للدموع، وأعربت وسائل الإعلام هذه عن أن المشاركة الأيديولوجية النضالية للنساء في الحركة الانفصالية في كشمير فاق التقديرات؛ وهذا الأمر مرده إلى رغبة النساء في المشاركة ومطالبتهن بتمثيل سياسي.

في هذا المناخ المفعم بالعنف توجد مجموعة من النساء يعتقدن أن قضية كشمير في الدرجة الأولى هي قضية دينية والجهاد من أجلها أمر إلزامي، في نهاية المطاف عام 1987 شكلت النساء حزباً يدعى “بنات الملة “(Dukhtaran- e- Millat)، حيث صنف المختصون في شؤون الإرهاب هذه الحركة كإحدى الشبكات الإرهابية الناعمة، بمعنى أنه على الرغم من توظيف أدوات غير قانونية من جملة فرض تعاليهمن وعقائدهن، بيدَ أنهن لم يلجأن إلى السلاح حتى الآن.

إن بنات الملة مجرد حركة نضالية جهادية نسائية في منطقة سريناغار في كشمير ينتهجن نهجاً نضالياً معتدلاً، لكن لديهن عقيدة راسخة بالجهاد أو الانتفاضة الكشميرية.

هذا وتنحصر أنشطة بنات الملة حتى الآن في وادي كشمير، حيث تدعم هذه الحركة ضم هذا الوادي إلى الأراضي الباكستانية. وأعلنت حركة بنات الملة معارضتها لأهداف السلام التي تطرحها دولة الهند في كشمير، ورفضت قبول وقف إطلاق النار، وانتقدت الشخصيات والمنظمات التي وافقت على وقف إطلاق النار. وفي هذا السياق طالبت حركة بنات الملة بوجود مجموعات أصولية خارجية مثل جيش طيبة للقيام بعمليات.

آسيا أندرابي Asiya Andrabi التي تقدم على أنها امرأة مسلمة محافظة وناشطة نسوية متطرفة، تترأس حركة بنات الملة، وتعرّف أندرابي نفسها بأنها ناشطة نسوية إسلامية تسعى إلى تحقيق المساواة في الحقوق في إطار قوانين الإسلام، وقد أنشئت حركة “عسكر الجبار(LEJ) ” وفرضت ارتداء الزي الإسلامي ولاسيما على النساء.

وإبان إنشاء هذه الحركة أُعلن عن عدم استخدام العنف ضد مسلمي كشمير الذين يمتنعون عن ارتداء الزي الإسلامي، وأعربت أن النشاط الفعلي هو بداية لحركة الإصلاح الاجتماعي الشامل التي تقوم على الفكر الإسلامي الحقيقي، ودعت النساء في كشمير إلى الابتعاد عن الوظائف الحكومية.

تزعم السلطات الهندية أن آسيا أندرابي تستخدم المنصات الإعلامية المختلفة في نشر أفكارها وكلامها التحريضي الذي يهدد وحدة الهند وأمنها وسيادتها.

وتزعم السلطات الهندية أيضاً أن لأندرابي علاقات مع سائر التنظيمات الأصولية الساعية إلى إحداث خلل في سيادة الهند، وتدعم بقوة انفصال جامو وكشمير عن الهند.

على الرغم من أن القوات الأمنية لم تذعن بوقوع هجمات إرهابية مباشرة من قبل حركة بنات الملة، لكن السلطات الهندية تزعم قيام أعضاء هذه الحركة في إيصال السلاح والمال إلى المجموعات المتطرفة المعارضة للحكومة الهندية من جهة، والضلوع في عمليات غسيل أموال لتأمين الميزانية للمجموعات الأصولية في منطقة كشمير من جهة أخرى.

أعلنت الشرطة أن زوج آسيا أندرابي “قاسم فاكتو” المسؤول المالي في جماعة المجاهدين  (JUM)متهم بالحصول على مساعدات مالية لجماعة المجاهدين، وكذلك حركة بنات الملة من طريق “أيوب تاكور” رئيس حركة تحرير كشمير الذي يعيش في لندن، وتدعي أن هذه العمليات تجري مباشرة تحت إشراف “ايمتاتاز أحمد بازار” رئيس تحرير وناشر مجلة Srinagar Mountain الذي يتزعم شبكة غير قانونية لتحويل الأموال من إسلام آباد-لندن-سريناغار.

بناءً على هذا الأساس تمثلت أولى عمليات الاعتقال المهمة التي نفذها جهاز مكافحة الإرهاب منذ بدء سريان تنفيذ قانون “إعادة التنظيم” في جامو وكشمير، باعتقال آسيا أندرابي ومعاونيها “ناهيدة نسرين”، و”صوفي فهميه” في منطقة أنانتناغ جنوب كشمير.

مع ذلك، قيام الحكومة الهندية بتضخيم أو التقليل من إمكانيات حركة بنات الملة فاقم أوضاع القوات العسكرية في منطقة كشمير، وأرخى بظلاله على مسألة تعزيز قوة المجموعات المتطرفة خارج الحدود أيضاً. وتأسيساً على ذلك فإن العمليات الأيديولوجية غير المنظمة التي أنجزتها حركة بنات الملة التي تشهد صعوداً وهبوطاً كبيرين في سياق تغيير المصير السياسي والأمني لكشمير، خلقت تحديات مؤثرة أمام فرض السيادة الهندية على منطقة جامو وكشمير، وصاعدت من حدة أسباب النزاع العرقي-الديني تحت لواء حركات النوع الاجتماعي.

المصدر: معهد دراسات السلام الدولي-IPSC

https://b2n.ir/580062