محمد كريم الخاقاني: باحث في الشأن السياسي.

أطلقت القوات العسكرية التركية عملية جوية في يوم الأحد وسمتها بالمخلب-النسر، وتبعتها بأخرى برية سميت عملية المخلب-النمر لتعقب أفراد حزب العمال الكردستاني المعارض. إذ لم يكن التدخل العسكري التركي في شمال العراق هو الأول، فقد سبقته تدخلات عسكرية كثيرة، فالحكومات التركية المتعاقبة منذ عام 1991 تبنت الخيار العسكري للمشكلة الكردية في جنوب شرق تركيا بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما أدى لاجتياحات تركية مستمرة منذ ذلك الوقت [1]، ويثير دخول القوات التركية  للأراضي العراقية تساؤلات بشأن انتهاك سيادة العراق، وعدم احترام الأعراف والمواثيق الدولية التي تؤكد على هذا الجانب، إذ تعده تركيا خطوة دفاعية للحفاظ على أمنها القومي عبر التصدي لهجمات متكررة من قبل حزب العمال الكردستاني انطلاقاً من العمق العراقي الذي يتخذ من مناطق جبال قنديل مقرات لها، وقد صنفته تركيا رسمياً منظمة إرهابية، فتركيا تعد آلاف المقاتلين في صفوف حزب العمال الكردستاني يستخدمون مناطق في شمال العراق كقاعدة للانطلاق لشن الهجمات على تركيا وفي الوقت نفسه تتهم قيادة إقليم كردستان بالتغاضي عن نشاطات ذلك الحزب بل أكثر من ذلك بدعم المقاتلين وتزويدهم بالسلاح، ومنذ اندلاع الحرب على حزب العمال الكردستاني في عام 1984، بلغت الخسائر البشرية التركية أكثر من 30 ألفاً، وتحمل أنقرة مسؤولية ذلك الأمر على عاتق الحزب المعارض [2].

تسوق تركيا أسباب للقيام بمثل تلك العمليات العسكرية داخل الأراضي العراقية بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لسياساتها، إذ ترى في طروحات الحزب العمالي طموحاً لقيام دولة كردية مستقلة في الجزء الجنوبي الشرقي المتاخم لحدودها مع العراق وسوريا، وتتخوف تركيا كثيراً من ذلك الهدف، فالجميع ينظر إلى حقوق الكرد في شمال العراق، وما يتمتعون به من حقوق وإمتيازات ما كان ينالها لولا تضحيات الكرد ومقارعتهم أعتى دكتاتورية عرفها العالم لحين انتزاع حقوقهم وصولاً إلى المرحلة الحالية، وهذا الهاجس كان دافعاً قوياً للأتراك كي يمنعوا القومية الكردية الذين يشكلون الغالبية السكانية في 18 ولاية من الولايات الشرقية لتركيا، وتقدر نسبتهم بحدود 20-25% من سكانها من تحقيق ولو جزء يسير مما تحقق لنظرائهم العراقيين [3]، لذا نجدهم بين حين وآخر، يشنون الهجمات العسكرية ليس في مناطق الوجود الكردي في الجنوب الشرقي، بل وصل الحال إلى التدخل العسكري داخل حدود دولة ذات سيادة، ودولة عضو في منظمة الأمم المتحدة، ويتعكز الأتراك على اتفاقيات سابقة تعطي لهم حق التدخل العسكري لمنع أي تهديد ضد الأمن القومي التركي حسب ما أقرته معاهدة 1926 [4]، ولم يكتف الأتراك بذلك الأمر، بل يعملون حالياً على التواجد فعلياً في قواعد عسكرية بحجة متابعة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل مقرات لهم ورصدهم.

إن تدخل القوات التركية وتوغلهم في الأرض العراقية  يثير تساؤلات حقيقية ومخاوف طبيعية إزاء العمل العسكري التركي كونه يعد بنظر الحكومة العراقية انتهاكاً لسيادتها وخرقاَ سافراً لمبدأ مهم في العلاقات الودية بين الدول، وعلى الرغم من الاحتجاجات العراقية المتكررة والرافضة لمثل تلك التدخلات بقوة السلاح داخل العمق العراقي، وعدم استجابة الجانب التركي، دفع العراق إلى رفع شكوى رسمية بشأن ذلك إلى مجلس الأمن [5].

ويمكن استخلاص أبرز المؤشرات من عمليتي المخلب النسر، والمخلب النمر، من طريق الآتي:

1- إن قيام القوات التركية بالعمل العسكري داخل الاراضي العراقية يمثل خرقاً لسيادة جمهورية العراق واعتداءً سافراً على أرضه حسب مواثيق الأمم المتحدة، وتمثل العملية العسكرية انتهاكاً لسيادة العراق، فالوجود التركي في شكال العراق لا يقتصر على مطاردة عناصر الحزب المعارض فحسب، بل يمتد نحو وجود فعلي على الارض العراقية بشكل قواعد عسكرية ثابتة فيها.

2- إن القوات التركية قامت بأعمال عسكرية مستمرة ضد عناصر حزب العمال الكردستاني على الرغم من توقيعها لاتفاق سلام في عام 2013.

3- تبرر القوات التركية تدخلها العسكري بزيادة الهجمات على مقرات الشرطة والحدود بين البلدين من قبل عناصر حزب العمال الكردستاني.

4- لقد أعلن العراق توجيه رسالة احتجاج رسمية للسفير التركي من قبل وزارة الخارجية العراقية بشأن ذلك العمل العسكري التركي، إذ استدعت الخارجية العراقية السفير التركي في بغداد فاتح يلدز للاحتجاج على الضربات الجوية التركية على الأراضي العراقية، ويعد تصرف القوات التركية وقصفها للمدن العراقية عدواناً حسب معايير الأمم المتحدة المثبتة في ميثاقها، إذ لا تخضع لمبدأ إقامة العلاقات الودية بين الدول والمعايير المتبعة في العلاقات الدولية [6]، فتركيا تستند بهذا المجال إلى اتفاقيات سابقة بشأن السماح لها بالتدخل داخل العمق العراقي، وهذه أصبحت من الماضي.

5- على الرغم من الاحتجاج العراقي الرسمي ضد التدخل التركي في شمال العراق، إلا أن الأتراك تجاهلوا ذلك الأمر ونفذوا عملياتهم العسكرية بعبورهم منفذ إبراهيم الخليل، ومنفذاً آخر أُنشئ لهذا الغرض وبعيداً عن علم السلطات العراقية به وهو منفذ سرزير، وأنشأت القوات التركية قاعدة مؤقتة لإدارة العمليات العسكرية.

6- تبرر القوات التركية وجودها المستمر في الأراضي العراقية بعلم الحكومة العراقية، وهذا ما نُفي من قبل السلطات العراقية التي تطالب الأتراك بسحب قواتهم إلى خارج الأراضي العراقية؛ لأنها تشكل تهديداً مباشراً للسيادة العراقية.

7- أُدين القصف التركي من قبل الجامعة العربية وعلى لسان أمينها العام أبو الغيط، عاداً ذلك العمل انتهاكاً لسيادة دولة عضو في الجامعة العربية والأمم المتحدة، وإن هذا العمل العسكري يجري من دون التنسيق مع بغداد، وعدّ أبو الغيط أنقرة أنها تمثل خطراً على العراق والعرب. وكانت الجامعة العربية قد دانت التدخلات التركية في شهر آذار الماضي، ودعت إلى اتخاذ موقف عربي موحد إزاءه.


[1] عربي لادمي محمد، سياسة تركيا تجاه العراق 1990-2010، مجلة دراسات البيان، مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد، العدد 1، 2017 ، ص: 11.

[2] سطام حسين علوان، توجهات السياسة الخارجية لحكومة العدالة والتنمية حيال العراق، مجلة دراسات دولية، مركز الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد51 2012، ص: 87.

[3] عبد الحميد العيد الموساوي، التدخل التركي في شمال العراق بعد العام 2014، مجلة أبحاث استراتيجية، مركز بلادي للدراسات الإستراتيجية، بغداد، العدد17، 2017، ص 442.

[4] أحمد حسن علي، الحسابات التركية الخاطئة في شمال العراق، حصاد البيان 9، مركز البيان للدراسات والتخطيط، بغداد، 2016، ص: 79

[5]https://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/12/11

[6]https://www.mofa.gov.iq/2020/06/?p=15033