محمد الوائلي: محلل عراقي نشر أعمالاً لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وأفكار عراقية، يركز على القيادة والمؤسسات والإصلاح في العراق.

خلال أسبوعين من تسلمه منصبه الجديد، كان أسلوب رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي واضحاً عبر مجموعة من المؤشرات التي بينها منذ اليوم الأول في منصبه. ومن المهم ملاحظة أن الكاظمي يمثل مرحلة انتقالية بين أجيال القيادة العراقية. وتجدر الإشارة إلى أن الكاظمي لم يكن أحد القادة المعارضين، ولم يكن أيضاً من النخبة السياسية التي أصبح الكثير على الدراية بهم بعد سقوط نظام صدام.

في أول خطاب له أمام مجلس النواب، بعث الكاظمي ببعض الرسائل الإيجابية، بما في ذلك الإعلان عن نيته بالعمل مع المتظاهرين، ووعد باختيار وزير نفط من محافظة البصرة (حيث تأتي معظم الثروة النفطية للبلاد)، وتعهد بإجراء انتخابات حرة في أقرب وقت ممكن.

في اليوم التالي لتوليه منصب رئاسة الوزراء، ظهر الكاظمي في مكتب هيئة التقاعد العامة. وكانت هذه الزيارة مهمة؛ لأنها ترمز إلى فهمه للأزمات الاقتصادية التي ورثها عن سابقيه، وأظهر أنه ينوي التحدث مباشرة إلى المواطنين المتضررين لطمأنتهم. ومع ذلك، ذهبت الرمزية إلى أبعد من ذلك، إذ أسفرت الزيارة عن عدد من المقاطع والصور التي لفتت انتباه الكثيرين. وأظهر أحد مقاطع الفيديو أنه اتصل بشقيقه الأكبر وحذره من التدخل في الشؤون العامة، بعد أن اكتشف أنه على اتصال برئيس الهيئة. اختلفت الآراء بشأن هذا المقطع بكونه “ملفقاً” وقد نُظّم مسبقاً، وبين آراء أخرى بأنه كان قاسياً جداً على أخيه، إلا أن الرسالة التي أراد الكاظمي إرسالها كانت واضحة: فمن أهم أولوياته معالجة المحسوبية والواسطة، ابتداءً من دائرته الداخلية.

وما تقدم لا يعني بالضرورة القدرة على تحقيق تقدم ملموس في القطاع العام العراقي، المعروف بعدم فعاليته وعدم كفاءته. ومع هذا، فإن اختياره بمعالجة قضية فساد (من النوع البسيط كهذه) في وقت مبكر باستخدام هذا النهج جدير بالملاحظة؛ فقد وضع نفسه عن قصد في مكان حيث سيراقبه الجمهور من كثب وسيتوقعون النتائج.

وفي قرار آخر كشف أسلوبه في الحكم هو إعادة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي رئيساً لجهاز مكافحة الإرهاب، بعدما قام رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي بنقل الساعدي إلى وزارة الدفاع في خطوة نظر إليها الكثيرون على أنها تخفيض للرتبة. وأدى هذا إلى حدوث صدع بين عبد المهدي والساعدي؛ مما ساعد في إشعال الاحتجاجات على الصعيد الوطني في تشرين الأول الماضي.

إن قرار الكاظمي بإعادة الساعدي إلى جهاز مكافحة الإرهاب لم يكن فقط إجراءً مضاداً ضد هجمات داعش المتزايدة مؤخراً في المناطق الشمالية من البلاد، بل يُنظر إليه أيضاً على أنه محاولة لاجتذاب المتظاهرين؛ نظراً لشعبية الساعدي لدى الشعب العراقي خلال الحرب ضد داعش. ويتماشى ذلك مع إعلان رئيس الوزراء الإفراج عن المتظاهرين المعتقلين، وطلبه من القضاء التعاون في الإفراج عن المحكوم عليهم بالفعل. كانت خطوة الكاظمي محاولة واضحة للتواصل مع المتظاهرين وتهدئة الشارع العراقي، حيث تُستأنف المظاهرات ببطء على الرغم من تهديد فيروس كورونا، وإجراءات حظر التجول المفروضة.

وصلت الرمزية في رئاسة الكاظمي إلى ذروتها حينما أنهى زياراته للمؤسسات العسكرية بالذهاب إلى هيئة الحشد الشعبي، وفاجأ الكاظمي البعض حينما ارتدى سترة عسكرية عليها شعار الحشد، في محاولة للوصول إلى المزيد من العراقيين المحافظين الذين كانوا قلقين من رئاسة الكاظمي. وبينما كان يرتدي سترة الحشد، قال الكاظمي: “دع داعش يعلم أننا جاهزون”.

تسبب فراغ القيادة الناجم عن اغتيال أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي في خلاف بين الفصائل داخل الهيئة، الذي يمكن تقسيمه تقريباً بين مؤيدي السلطة الدينية في النجف مقابل أولئك الذين يميلون نحو القيادة السياسية الدينية في طهران. مما كان ملحوظاً خلال زيارة الكاظمي هو أن قادة المجموعتين شوهدوا يلتقون برئيس الوزراء. فضلاً عن ذلك، منذ وقت ليس ببعيد كان هناك اعتقاد بأن الكاظمي نفسه قد شارك في محاولة اغتيال قاسم سليماني والمهندس، وهي شائعة جعلت ترشيحه لرئاسة الوزراء أكثر صعوبة.

وأكدت زيارة الكاظمي أن الحشد الشعبي سيؤدي دوره في منع عودة داعش، وأسكَت أي حديث عن تورط الكاظمي المزعوم في اغتيال المهندس. وهناك نوايا واضحة لتوحيد إضفاء الطابع المؤسسي على قوات الحشد الشعبي، وهو جهد أُعيق عبر استهدافه عسكرياً، وإضفاء طابع دولي للقضية. إن تحقيق تقدم في هذا الصدد في أثناء إجراء محادثات مع الولايات المتحدة سيقطع شوطاً طويلاً نحو تعزيز دور الكاظمي كقائد عام فعّال يمكنه السيطرة على الحشد وإعادة تشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق.

وإحدى القضايا المهمة التي تجدر الإشارة إليها هنا هي أن الكاظمي لن يتمكن من الانحراف كثيراً عن نظام الحكم الحالي من أجل التعامل مع التحديات التي تواجهها البلاد. وكما أظهرت تجربة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، فإن التحركات الراديكالية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية في نهاية المطاف دون وجود دعم سياسي كاف، وهو أمر أكثر صعوبة للكاظمي؛ لأنه لم يخض الانتخابات وهو رئيس وزراء انتقالي يرأس حكومة ائتلافية واسعة.

لذا فإن التوقعات بشأن ما يمكن أن يحققه مصطفى الكاظمي على أرض الواقع يجب أن تكون واقعية. ومن الأفضل للكاظمي أن يركز على بعض القضايا الحاسمة أكثر من أن يكون طموحاً جداً وينتهي به المطاف في تحقيق القليل من الإنجازات. وهذا أمر مهم؛ لأن أسلوب الرمزية الذي يتبعه الكاظمي قد يأتي بنتائج عكسية ويثير إحباط المواطنين إذا كان كل الحكم عبارة عن شيء رمزي فقط غير حقيقي.


المصدر:

 https://blogs.lse.ac.uk/mec/2020/05/21/what-message-is-iraqs-new-prime-minister-sending-to-the-public/