الدكتور علي دادبي، صحيفة عالم الاقتصاد (دنياي اقتصاد).

لأول مرة في التأريخ الحديث، تشترك جميع اقتصادات العالم في نقطة واحدة وهي:

لا أحد يعرف ماذا سيحدث خلال الأشهر الستة المقبلة، فالغموض والارتياب جعلا من الصعوبة اتخاذ قرارات بشأن المستقبل.

هذه الأيام يجري الحديث كثيراً عن التبعات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا (Covid-19)، فالبعض يتحدث عن مستقبل مختلف كثيراً، ويشير آخرون إلى التكلفة الاقتصادية المتعذر تعويضها المرافقة لهذا الحدث العالمي، ويرى بعضهم السنة الحالية سنة خاسرة. إن الجميع على حق، لكنهم غافلون عن التحدي الرئيس الناجم عن تفشي جائحة كورونا. لقد قوضت جائحة كورونا النشاط الاقتصادي الرئيس المتمثل في تداول السلع وتقديم الخدمات؛ فدون ممارسة الأنشطة التجارية، لن يكون للسلع والخدمات ثمن، ودون وجود ثمن لها، لن يحصل الكيان الاقتصادي على إيرادات، ودون وجود إيرادات لدى الكيان الاقتصادي، فلن يتقاضى أحدٌ أجراً.

لم تأخذ المجتمعات النامية الخلل الحاصل في التعامل والتداول التجاري بعد على محمل الجد، في حين أن السبب الرئيس للتبعات الاقتصادية السلبية الناتجة عن جائحة كورونا يعود إلى الخلل الحاصل في التجارة الاقتصادية.

لقد خلق تطور التكنولوجيا والأنظمة الرقمية وشبكة الانترنت العالمية فرصة للأجيال الجديدة لتختبر عالماً مختلفاً. فبوسعهم إجراء اتصال مع أبعد نقطة في العالم وطلب منتجهم المفضل دون الذهاب إلى المتجر في الوقت نفسه، لكن كل هذا التطور لم يحل محل التجارة الاقتصادية المباشرة، لقد جُعلت التجارة أكثر يسراً وسهولةً، لكن هذا التطور لم يكن بديلاً نافعاً. ولكي تكون سلعة ما ذات قيمة، يتعيّن على المرء أن يرغب في الحصول عليها، وأن يكون مستعداً لدفع ثمنها؛ ومن أجل حصول تبادل تجاري ما، ينبغي وجود اتفاق بين المشتري والبائع على السعر.

في هذا العالم الموبوء بجائحة كورونا، لم يعد كثير من الناس يرغبون في تبادل السلع، ولم نتمكن من معرفة السعر الذي يدفعونه مقابل هذه السلع المطلوبة، وأيضاً نشهد في آن واحد انخفاضاً حاداً في الطلب والعرض. فالكيانات الاقتصادية التي تعلم أنها لن تبيع منتجاتها، لن تنتج مجدداً، وسوف تسرح عمالها وترسلهم إلى منازلهم، ولن تُدفع الأجور، وسوف تتقلص ميزانيات الأسر، وتغدو سلة استهلاكهم أقل من قبل.

والسؤال المتبادر هو متى سيعود التبادل الاقتصادي إلى المستوى الذي كان عليه قبل تفشي جائحة كورونا. وإن مردَّ انتظار اكتشاف لقاح كورونا يعود إلى أنه عندما يتولد شعور الأمان لدى الناس، سيعود الجميع إلى الأسواق. لقد أصبحت أسواق أسهم الاقتصادات العالمية، تتأثر بجميع الأخبار الإيجابية التي تتحدث عن اللقاح؛ لأن جميع الناشطين الاقتصاديين يدركون جيداً أهمية اكتشاف لقاح لفيروس كورونا في إنعاش مستوى النشاط الاقتصادي.

وطالما لا نعلم متى سيعود الأمن الذي كان سائداً في التبادلات الاقتصادية العام الماضي، فسوف نشهد استمراراً للأزمة الاقتصادية وخللاً في التجارة. وهنا أيضاً تحدد البنى التحتية الاقتصادية والاتصالية للمجتمعات حجم تعرضها للأضرار إلى حد ما. على سبيل المثال، المجتمعات التي توجد بها شبكات لبيع السلع وتقديم الخدمات عبر الإنترنت، وتمتلك بنية تحتية قوية لنقل البيانات والمعلومات، بإمكانها نقل الأعمال الاقتصادية إلى الفضاء الإلكتروني. حيث واصلت الأسواق العمل مع ظهور اختلال أقل من بقية البلدان. وما يزال بإمكان الأسواق تحديد أسعار السلع والخدمات بناءً على تفاعل العرض والطلب، وما زالت الكيانات الاقتصادية تقدم الخدمات وتوفر السلع وريادة الأعمال ودفع الأجور أيضاً. لكن الدول التي لم تطور البنى التحتية لاتصالاتها لأسباب مختلفة، تشهد أسواقها الاستهلاكية خللاً أكبر. والأسواق التي يعني استمرار نشاطها واستدامته ضماناً للانتشار الواسع لعدوى كورونا في المجتمع، ستواجه أمواجاً متعددة من الموت.

وعلى الرغم من أن جميع اقتصادات العالم تشترك في الشعور بالقلق والارتياب بشأن المستقبل، بيد أن الاقتصادات النامية المعتمدة على صادرات المواد الخام تواجه أزمة أكثر عمقاً قياساً بالاقتصادات الأخرى. فمن ناحية، جعلها الافتقار إلى البنية التحتية الاقتصادية أكثر عرضة للخطر، ومن ناحية أخرى، فإن ركود الدول المتقدمة اقتصادياً يعني افتقاد مصدر الدخل الوحيد المتاح لديها.

وإذا كانت الاقتصادات المتقدمة تنتظر اكتشاف لقاح جائحة كورونا، فينبغي للاقتصادات النامية أن تنتظر انتعاش الاقتصادات المتقدمة؛ من أجل التغلب على الأزمة الناجمة عن الركود الاقتصادي.

من كان يظن أنه في يوماً ما في العالم، سيتم تأجيل دوران عجلة الاقتصاد حتى يتمكن المشتري والبائع من العثور على بعضهما البعض مرة أخرى حتى تتم عملية التبادل التجاري وتتشكل الأسواق من جديد؟

المصدر:

https://www.donya-e-eqtesad.com/fa/tiny/news-3659829