في العام 1973 شنت كل من مصر وسوريا حرباً على إسرائيل عرفت مصرياً باسم (حرب أكتوبر)، وسورياً باسم (حرب تشرين)؛ من أجل استعادة أراضي الجولان السوري المحتل، وعلى إثرها قررت الدول العربية متمثلة بـ(أوبك) مساندة قرار الحرب عبر رفع أسعار النفط المصدر 70% فارتفع برميل النفط آنذاك من 3-7 دولارات للبرميل، وانخفض الإنتاج بواقع 5%؛ مما أدى إلى أزمة وقود خانقة غير مسبوقة في أمريكا وأوروبا تمثلت بنقص في تجهيز الكهرباء، فضلاً عن شح البنزين في محطات الوقود، إذ شرعت عدة ولايات في أمريكا قوانين لتقنين استهلاك البنزين بتحديد السرعة القصوى على الطرق الداخلية والخارجية 90 كم، وفي فرنسا كانت 80 كم فقط؛ فكل هذه الآثار قادت إلى اتهام السلطات الأمريكية للأعضاء العرب في أوبك باستخدام سلاح النفط ضد الولايات المتحدة في وقت حرج؛ نتيجة للمواجهة الأمريكية-السوفيتية فيما عرف بالحرب الباردة، إذ قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي حينها (والتر فولبرايت): “إن المنتجين العرب للبترول لا يمتلكون سوى قوى عسكرية متواضعة في عالم اليوم. إنهم مثل غزلان ضعيفة في غابة كبيرة من الوحوش الكاسرة. وعلينا -من موقع الأصدقاء- أن نذكّرهم بذلك. وسوف يتحمّلون مسؤولية المخاطر الرهيبة التي يعرّضون أنفسهم لها إذا هددوا فعلا التوازن الاقتصادي والاجتماعي للقوى الصناعية الكبرى، وفي مقدمتها القوة الأميركية خاصة”.

صورة التقطت عام 1937 تبين حجم الأزمة في أمريكا

مواجهة سلاح النفط

نتيجة لهذه الارتدادات العنيفة التي سببتها أزمة النفط جعلت الدول الصناعية تفكر جدياً لمواجهة سلاح النفط الذي يقع معظمه آنذاك بيد العرب وروسيا -قبل ثورة النفط الصخري-؛ وعلى إثره بدأت الولايات المتحدة بإنشاء خزانات ومنشآت كبيرة لتخزين النفط الخام، فيما ألزمت منظمة الطاقة الدولية الدول الأعضاء فيها على الاحتفاظ بمخزون نفطي يعادل الاستهلاك اليومي لكل دولة لمدة 90 يوماً؛ من أجل توفير مرونة لقدرة هذه الدول على التعامل مع أي أحداث جيوسياسية للدول المصدرة عليها. تخزن الولايات المتحدة ما يقدر بـ700 مليون برميل من الخام في خزانات ملحية أو ما يعرف بـ(الكهوف الملحية) في ستة مواقع، تقع أربعة منها في سواحل مدينة تكساس، واثنان في مدينة لويزيانا، وتمتاز هذه الخزانات عن الخزانات الأرضية بسهولة التخزين، ونسبة الأمان الكبيرة التي توفرها والكلفة الواطئة، إذ تعد كلفة التخزين في الخزانات الملحية أقل بعشر مرات من التخزين فوق سطح الأرض.

الكهوف الملحية

استخدمت السلطات الأمريكية هذا الخزين في مواجهة التذبذبات الكبيرة في أسعار النفط أيضاً أكثر من مرة، فيما اعتبرته أوبك تحدياً جديداً يضاف إلى التحديات المحيطة بالصناعة النفطية، ومؤخراً سعى ترامب إلى استخدام السعات الخزنية؛ من أجل شراء شحنات من النفط الصخري تقدر بـ80 مليون برميل، في محاولة لإنقاذ هذه الصناعة من النزيف الحاد الذي تعانيه نتيجة للانهيارات الأخيرة في الأسعار فيما عرف بيوم (الإثنين الدامي)، حيث وصلت أسعار عقود خام تكساس إلى37- دولاراً لأول مرة في التأريخ.

للصين أيضاً خزاناتها العملاقة

تعدّ الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، حيث تستهلك يومياً ما يفوق بـ13 مليون برميل؛ لذلك بنت الصين خزاناتها الاستراتيجية لمواجهة مجموعة التحديات الخاصة بقطاع الطاقة بعيداً عن أعين العالم، إذ تعد الحكومة الصينية هذا الموضوع سرياً، وبهذا يقول (تشانغ جيان) مدير إدارة الطاقة الوطنية الصينية: “إن مهمتنا الاهم هي ضمان امن الطاقة في الصين”؛ لذلك فهي على عكس الولايات المتحدة لا تتيح أي بيانات موثقة عن خزينها البترولي؛ وبهذا الشأن قالت منظمة الطاقة الدولية: “إن المنظمة لا تتمتع برؤية كافية لمعرفة الاحتياطات الاستراتيجية والمخزونات النفطية للصين”، في حين صرّح مسؤول نفطي خليجي لوكالة (بلومبيرغ) قائلاً: “إن أوبك قلقة من المخزون الصيني، إذ يمكنه أن يوفر النفط الخام بكميات كبيرة تنهي أي وفرة متصاعدة بالأسعار”. تستخدم الصين الخزانات الأرضية ذات (السقوف العائمة) لخزن النفط الخام

احد مواقع الخزن الصينية

يقول (جيمس كرونورد) مدير شركة Orbotal insight lin المتخصصة في قياس الاحتياطيات الخزنية: “إن شركته عملت مسحاً للصين بواسطة الأقمار الصناعية ورصدت وجود 1500 خزان، وهو أكثر مما تخبرنا به الصين”. وتقول الصين إن قدرتها التخزينية من النفط الخام تبلغ فقط 385 مليون برميل، وتقول شركة (وود ماكينزي) المتخصصة للاستشارات في مجال الطاقة:”إن مخزون الصين من النفط الخام قد يصل في نهاية عام 2020 إلى 1.15 مليار برميل”، وكل هذا قد يفسر شهية الصين المفتوحة لشراء النفط الخام على الرغم من تداعيات فايروس Covid-19، إذ واصلت الصين شراء الخام مستغلةً الانهيار الكبير للأسعار، وأرسل المستوردون الصينيون 84 ناقلة نفط إلى السعودية كل واحدة منها قادرة على تحميل مليوني برميل.

الخلاصة

على الدول المنتجة للنفط ان تعي تماماً حجم التحديات الكبيرة التي باتت تواجه الصناعة النفطية من 1973 وحتى يومنا هذا، فقد تغيرت كثيراً قواعد هذه الصناعة، وقد لا أبالغ بالقول إن تغييرات جوهرية قد حصلت ولاسيما بعد ثورة النفط الصخري، والخزانات الاستراتيجية، والطاقة المتجددة التي تسعى إليها الدول الصناعية لاعتبارات كثيرة، فلا بد من التكيف مع كل هذه التقاطعات للحفاظ على حيوية هذا القطاع الحيوي لدول الشرق الأوسط ولاسيما أن كثيراً منها ما تزال تعاني من ويلات الحروب، وانهيار البنية التحتية، والاعتماد شبه الكلي على النفط في ميزانياتها مثل:الجزائر، وليبيا، والعراق.


المصادر

  1. https://www.youtube.com
  2. https://www.youtube.com/2
  3. https://www.youtube.com/3
  4. https://www.youtube.com/4
  5. https://www.youtube.com/5

ملاحظة: الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء يتبناها المركز، وإنما تعبر عن وجهة نظر كتابها.