جورجيا كوك: مدير مشروع برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.

ريناد منصور: زميل أبحاث أول، برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومدير مشروع مبادرة العراق في تشاتام هاوس.

غلادا لان: زميل أبحاث أول، برنامج الطاقة والبيئة والموارد في تشاتام هاوس.

يعد العراق واحداً من أكثر البلدان وفرة في إمدادات المياه في الشرق الأوسط، إلا أن تدفق نهري دجلة والفرات انخفض بنسبة تصل إلى 40% منذ السبعينيات، ويرجع ذلك جزئياً إلى تصرفات الدول المجاورة، ولاسيما تركيا، عند المنبع. ويؤثر ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار -بسبب تغيُّر المناخ- سلباً على احتياطيات المياه في العراق، وتشير التقديرات إلى أن التبخر من السدود والخزانات يفقد البلاد ما يقرب من 8 مليارات متر مكعب من المياه كل عام.

تهديد للسلام والاستقرار

أدى نقص المياه إلى جفاف الأراضي الخصبة سابقاً؛ مما زاد من الفقر في المناطق الزراعية، وأدى النقص أيضاً إلى تأجيج الصراع، إذ أثبتت المجتمعات -التي واجهت حالات جفاف وقصوراً حكومياً في التعامل مع الأزمة- أنها أهداف سهلة لعناصر داعش الذين جذبوا المزارعين للانضمام إليهم عبر تقديم المال لهم. وإن الصعوبات الاقتصادية لأولئك الذين تعتمد سبل عيشهم على مياه الأنهار أدت إلى زيادة الهجرة من الريف إلى المدينة؛ مما وضع ضغطاً كبيراً على المدن المكتظة بالسكان أدى إلى تفاقم أزمة السكن ونقص الوظائف والكهرباء.

لكن الندرة ليست العنصر الأكثر أهمية في أزمة المياه في العراق بل الأهم هو التلوث، إذ سببت عقود من سوء الإدارة من قبل الحكومات المحلية، والممارسات الفاسدة، وعدم وجود تنظيم لإدارة النفايات -يقدر أن 70% من النفايات الصناعية تُلقى مباشرة في الماء- إلى عدم امتلاك ثلاثة من كل خمسة مواطنين لمصدر موثوق لمياه الشرب. ففي عام 2018، أُدخل 118 ألفاً من سكان محافظة البصرة إلى المستشفى بأعراض ناتجة عن شرب المياه الملوثة، التي لم تسلط الضوء فقط على أوجه القصور في نظام الرعاية الصحية المتدهور ولكن أثارت احتجاجات جماعية ووجهت بقمع عنيف.

تقوض أزمة المياه أيضاً استقرار أنموذج الحكم الاتحادي للبلاد عبر إثارة النزاعات أحياناً بين بغداد وحكومة إقليم كردستان، والمحافظات الجنوبية تارة أخرى.

إن العراق عالق في دائرة يتسبب فيها تقاعس الحكومة بحدوث نقص في توفير المياه وتلوثها؛ مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية، وانخفاض إمدادات الغذاء، وزيادة الأسعار، وتراجع الوضع الصحي بنحو سيّئ جداً، وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة مستويات الفقر، والطلب على الخدمات، والاضطرابات الشعبية، وزيادة الضغط على نظام حكومي ضعيف.

ما الذي يمكن القيام به؟

يجب أن تكون الأولوية الأولى هي تحديث البنية التحتية الحالية لإدارة المياه، إلا أن العوائق البيروقراطية، والفساد المستشري، والأزمات الأخرى تمنع تنفيذ المبادرات الجيدة أو توسيع نطاقها.

توجد في بغداد محطة معالجة مياه الصرف الصحي التي كانت تعمل في الأصل على مصدر كهرباء خاص بها، لكن تم تدمير هذه القدرة في عام 1991 ولم تُستبدلْ إلى الآن، وما تزال المدينة تعاني من مستويات خطيرة من تلوث المياه؛ لأن إمدادات الكهرباء من الشبكة غير كافية لتشغيل المحطة. يمكن للعراق الاستفادة من أشعة الشمس لسد الفجوة الهائلة في توفير الطاقة، لكن الحكومات المتعاقبة اختارت التركيز على الوقود الأحفوري بدلاً من تشجيع الاستثمار لتنمية قطاع الطاقة المتجددة.

يمكن أن يؤدي التوتر المتزايد مع تركيا إلى تحويل المياه إلى سبب آخر للصراع الإقليمي، ولكن إذا تم التعامل معها بنحو مختلف، فإن التعاون بين العراق وجارته يمكن أن يعزز الانسجام الإقليمي. إن الجغرافيا المرتفعة في تركيا والمناخ البارد يعني أن احتياطاتها المائية تتبخر بنسبة أقل بحوالي 75% من العراق. وبالنظر إلى أن الأولوية القصوى للطاقة في تركيا هي تنويع إمداداتها من المواد الهيدروكربونية المستوردة، فإن الاتفاق على صفقة مربحة للجميع يمكن أن يؤدي إلى سماح تركيا باستخدام بنيتها التحتية لإدارة المياه مقابل الحصول على إمدادات طاقة منخفضة التكلفة من العراق.

كانت هذه الحلول أمام واضعي السياسات لسنوات، ومع ذلك لم يتخذوا سوى القليل من الإجراءات الملموسة، وفي حين توجد مجموعة من القادة والبيروقراطيين الراغبين في تغيير الواقع، إلا أن العمل الفعال يعرقله دائماً نظام سياسي معقد وغير شفاف مليء بالمصالح؛ للحفاظ على السلطة، والثروة في دولة ضعيفة، وحكومة مركزية تقدم خدمات محدودة.

كسر الحلقة

لكسر هذه الحلقة، يحتاج العراق إلى مجموعة من الجهات المهنية والمتمكنة من خارج الحكومة للعمل مع الجهات الحكومية البيروقراطية الراغبة في إحداث تغيير كفرقة عمل للضغط؛ من أجل العمل والمساءلة، وستكون خطوة نشر توصيات التقرير الذي أصدر في أعقاب أزمة البصرة الصحية لعام 2018 بداية مشجعة.

بمرور الوقت، يمكن لفرقة العمل هذه أن تدعم تحديد أولويات المياه على جدول الأعمال الوطنية، وتحسين البنية التحتية، وإجراء محادثات مع الدول المجاورة.

ومع تفكك الدولة والخلل الوظيفي في العراق، فإن التطلع إلى قيادة حكيمة من الحكومة المركزية لن يؤدي إلى نتائج مرضية وملموسة. ويمكن للتعامل مع ائتلاف من الجهات الفاعلة غير الحكومية أن يعالج أزمة المياه ويفتح حواراً بشأن نماذج جديدة من الحكم للقضايا الحرجة الأخرى؛ وقد تكون هذه نقطة بداية لإعادة كتابة العقد الاجتماعي البائس في العراق.


المصدر:

https://www.chathamhouse.org/expert/comment/same-old-politics-will-not-solve-iraq-water-crisis