باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي.

يبدو أن انسحاب معظم القوات العسكرية الأمريكية من العراق محتمل هذا العام، إذ تسعى الحكومة العراقية إلى الحفاظ على نوع من العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة دون إبعاد جارتها القوية إيران. إن الطريقة التي تتم بها إدارة هذا الانسحاب ستساعد في تحديد النفوذ الأمريكي في المستقبل ليس فقط في العراق ولكن في الشرق الأوسط ككل. ويبدو أن الدعم الإيراني لرئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي -الذي تربطه علاقات جيدة مع الولايات المتحدة- يعتمد على موافقته التفاوض على اتفاقية جديدة بشأن وضع القوات مع واشنطن، التي تهدف إلى إزالة الجزء الأكبر من عدة آلاف من القوات الأمريكية التي ما تزال منتشرة في العراق.

كانت مهمة الأمريكيين ظاهرياً هي منع عودة ظهور داعش، وتدريب القوات المسلحة العراقية. ومع ذلك، عرضت الولايات المتحدة لخطر استمرار وجودها في البلاد من خلال خرق شروط اتفاق عام 2008 الخاص باتفاق وقف إطلاق النار. واستهدفوا فصائل مسلحة مدعومة من إيران وزعيم فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني على الأراضي العراقية بعد سلسلة من الهجمات على أهداف عسكرية ودبلوماسية أمريكية العام الماضي. وحتى لو كانت الإجراءات الأمريكية مبررة للدفاع عن الأمريكيين وردع الهجمات المستقبلية، فإنها تمثل تصعيداً كبيراً في قواعد اللعبة؛ أي: استهداف غير مسبوق لمسؤول إيراني كبير في دولة أجنبية.

لقد حصل الهجوم في بغداد، عندما كان سليماني في زيارة رسمية، إذ وضع العراق في موقف لا يمكن الدفاع عنه؛ فلا يمكن للعراق أن ينفر جاره القوي الذي يشترك معه بحدود 1400 كيلومتر وله علاقات عميقة مع مجموعة متنوعة من الجماعات المسلحة العراقية؛ لذا في حال أُجبرت بغداد على الاختيار، فستختار إيران، وليس الولايات المتحدة؛ لذلك ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تجبر العراق على اتخاذ مثل هذا الاختيار.

وبينما سعت طهران منذ مدة طويلة إلى خروج القوات الأمريكية من العراق، لم تهاجم الفصائل المدعومة من إيران القوات الأمريكية في العراق بينما بقيت الولايات المتحدة ممتثلة للاتفاق النووي لعام 2015.

لقد تدهور الوضع بعد انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من تلك الصفقة في 2018 وسعت إلى فرض حظر شامل على صادرات النفط الإيرانية في عام 2019. وكان ذلك عندما بدأت إيران سلسلة من الأعمال الانتقامية في الخليج العربي والعراق التي أدت إلى اغتيال سليماني في أوائل عام 2020، ومعه أيضاً أبو مهدي المهندس، زعيم كتائب حزب الله ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي التي حاربت داعش. وقادت الاغتيالات البرلمان العراقي إلى تمرير قرار غير ملزم بإخراج القوات الأمريكية.

لقد تراجعت التوترات إلى حد ما بعد أن أسقطت طهران بطريق الخطأ طائرة مدنية أوكرانية في 8 كانون الثاني، واصفة الخطأ لصاروخ أمريكي معادٍ. وإن تفشي فايروس كورونا في إيران وجيرانها أبعد الانتباه عن الصراعات الأمريكية الإيرانية. ومع ذلك، وقعت موجة ثانية من الهجمات المتبادلة في آذار؛ مما أدى إلى مقتل أمريكيين آخرين ومواطن بريطاني، وابعاد الآن الامريكيين من ثلاثة مواقع استيطانية معزولة في العراق وتم دمجها في مدينة أربيل الكردية الآمنة نسبياً وفي قاعدة عين الأسد الجوية خارج بغداد، وأحضرت الولايات المتحدة بطاريات صواريخ باتريوت للدفاع عن هذه القواعد ضد هجمات الصواريخ.

جادل الكاتب في مكان آخر بأن قرار قتل سليماني والمهندس كان رد فعل مبالغاً فيه على الاستفزازات الإيرانية التي من شأنها أن تجعل الوجود العسكري الأمريكي طويل الأمد في العراق صعباً -إن لم يكن لا يمكن الدفاع عنه-. وجاءت الأزمة في وقت كان العراقيون يحتجون في الشوارع ضد الفساد والتدخل الخارجي المفرط في بلادهم؛ مما جعل الاغتيال أكثر تشكيكاً من الناحية الاستراتيجية. وبين عشية وضحاها، أصبحت القضية الولايات المتحدة، وليست إيران.

ومع ذلك، ما يزال من الممكن الاحتفاظ بنفوذ الولايات المتحدة في العراق وتقديم بديل للعراقيين للسيطرة الكاملة على إيران؛ وسيتحقق هذا الهدف من خلال محاولة تهدئة التوترات مع طهران. كحد أدنى، للتعامل مع أي استفزاز من قبل الجماعات المدعومة من إيران بطريقة لا تذل السياسيين العراقيين من خلال انتهاك سيادة بلادهم.

من الناحية المثالية، يجب على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في سياسة “الضغط الأقصى” تجاه إيران، التي لم تحقق ولن تحقق أهدافها المعلنة. إن إيران أكثر عدوانية في المنطقة، وتواصل تطويرها للصواريخ البالستية -بما في ذلك أول إطلاق ناجح لها عبر الأقمار الصناعية- وسرعت برنامجها النووي. والمزيد من الضغط إما يؤدي إلى الحرب وإما يقوي المتشددين الإيرانيين أو كليهما.

أما يخص فايروس كورونا فيمكن للولايات المتحدة أن تستخدم الوباء كفرصة للقيام بتلويحات حسن النية تجاه إيران، وفي الوقت الذي رفضت فيه الحكومة الإيرانية مثل هذه العروض، فإنها تلقى صدى لدى الشعب الإيراني، الذي كانت وجهات نظره بشأن أمريكا ومواطنيها تأريخياً أكثر إيجابية. لقد كان رد فعل الولايات المتحدة المحايد على الصفقة الأولى من قبل INSTEX خطوة أولى جيدة، وكان من المستحسن الحصول على مزيد من التوجيه من OFAC لتسهيل توريد الأدوية والأجهزة الطبية إلى طهران. ويجب السماح لإيران أيضًا بتلقي قرض الطوارئ الذي طلبته من صندوق النقد الدولي والحصول على عائدات مجمدة في البنوك الأجنبية للحصول على الإمدادات الطبية.

ومع ذلك، حتى في غياب أي تحسن حقيقي في العلاقات الأمريكية الإيرانية، فيجب أن يبقى من الممكن إخراج العراق من وسط الأعمال العدائية. وهذا سيجبر الولايات المتحدة على تخفيض قواتها بنحو كبير في العراق وتقييد دور القوات المتبقية في التدريب وعمليات مكافحة داعش. على إيران، بدورها، أن تمنع وكلائها من مهاجمة أهداف أمريكية وأن تمنح الكاظمي فرصة قوية لتشكيل حكومة جديدة.

منذ عام 2003، لم يحدث الكثير في السياسة العراقية دون أن تؤدي إيران دوراً فيه، وهو أمر متوقع؛ لارتباط إيران الطويل بالشيعة والأكراد العراقيين الذين عارضوا حكم صدام حسين. لقد خسرت الولايات المتحدة فرصاً للتعاون مع إيران، أو على الأقل تجنبها معادلة من قبل أولئك في الإدارة الذين اعتقدوا بامتعاض أنهم قادرون على التحريض على تغيير النظام في طهران. وهنالك أخطاء أخرى مثل حل الجيش العراقي، والفشل في حماية البنية التحتية العراقية من النهب، وتركيب نظام يشبه لبنان في العراق، مع المناصب العليا للفصائل العرقية والدينية؛ فكل هذه وغيرها قضت على البلاد بالصراع الطائفي وزادت قدرة من التدخلات الخارجية على التلاعب بالسياسة العراقية. ومع ذلك -مع تلاشي ذكريات الغزو عام 2003- أصبح الشباب العراقيون أكثر تركيزاً على بناء مجتمع أقل طائفية يوفر وظائف وفوائد اقتصادية أخرى ملموسة. إنهم مستاؤون من تدخل إيران ويريدون إعادة الاتصال بالعالم العربي وخارجه.

يمكن للولايات المتحدة أن تدعم هذا الاتجاه من خلال إبعاد العراق عن معركته مع إيران كي يكون ميسراً على السياسيين العراقيين ورجال الأعمال ومسؤولي الأمن الحفاظ على نوع من العلاقات البناءة مع الأمريكيين. لقد كلف التدخل الأمريكي في العراق آلاف الأمريكيين وعشرات الآلاف من العراقيين، فضلاً عن مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين. وبالنسبة لأولئك الذين ماتوا وضحوا من جميع الجهات منذ الغزو، يجب على الولايات المتحدة أن تجد طريقة لسحب معظم قواتها العسكرية بكرامة؛ وإلا فإن مصداقية الولايات المتحدة ونفوذها في جميع أنحاء المنطقة سوف تتلاشى لصالح إيران والصين وروسيا وداعش.


المصدر:

https://atlanticcouncil.org/blogs/menasource/how-the-us-military-should-leave-iraq/