في الوقت الذي أمر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باغتيال اللواء سليماني خلال الأيام الأولى من عام 2020، كان الاستعداد جارياً للانتخابات الرئاسية في دورتها التاسعة والخمسين في أمريكا، وقد أدى ذلك إلى أن ينظر بعضهم إلى هذا الإجراء الذي قام به ترامب على أنه استغلال انتخابي.[1]

وتصاعدت التكهنات بشأن اندلاع حرب أخرى في الشرق الأوسط؛ فكان لاغتيال اللواء سليماني تبعات على التطورات الداخلية الأمريكية، ولاسيما انتخابات 2020، وكذلك التأثير على الفضاء العام في هذا البلد. إذ ربط بعضهم هذه الأحداث بعزل ترامب ومحاكمته في مجلس الشيوخ التي كانت متوقعة وقد تساعد الرئيس أيضاً من خلال تحويل الانتباه الداخلي بعيداً عن عزله[2].

وأشار في وقتها موقعُ NBC الإخباري في تقرير إلى سبب اهتمام الرؤساء الأمريكيين بإثارة الحرب وكتب: ربما من السابق لأوانه الحديث عن تأثير اغتيال اللواء قاسم سليماني على إعادة انتخاب ترامب، لكن الصراعات العسكرية كثيراً ما ساعدت الرؤساء الأمريكيين من خلال تأثير “الاصطفاف تحت العلم”.[3]

وهناك رأي آخر يرى أن تأثير مبادرة ترامب باغتيال اللواء سليماني على شعبيته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، قد لا يتوافق مع الواقع على الأرض في العراق ومستوى التوترات بين إيران والولايات المتحدة؛ حيث إن مواقف الجمهوريين واضحة، وتحت أي ظرف من الظروف، سواء مع تنفيذ إجراءات اغتيال اللواء سليماني من قبل ترامب أو دون أخذها بالحسبان، فإن مرشحهم النهائي هو ترامب.[4]

 لكن مواقف الديمقراطيين تختلف تماماً، بحيث انتقد عدد منهم -مثل بيرني سندرز، أو إليزابيث وارن، أو تيم ريان- بشدة إجراءات إدارة ترامب، وحذروا من أن خطوة ترامب ستقود الولايات المتحدة إلى حرب غير مرغوب فيها.[5]

أما بشأن عواقب اغتيال اللواء سليماني، فيلاحظ أن الجمهوريين يتمتعون بثقة كبيرة بالنفس ويقولون إن إيران لن تتخذ أي إجراءات، ولن تنشب حرب، لكن الديمقراطيين على العكس قلقون من أن الأمور ستخرج عن السيطرة وأن تتخذ إيران إجراءات تؤدي إلى دخول الولايات المتحدة الحرب.

إن الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين يتعلق بإمكانية نشوب الحرب، ولكن فيما يتعلق بأصل الموضوع بأن إيران ستُقدم على أعمال قد تعرض الأمن العالمي للخطر، فقد لا يختلف الفريقان في هذا الموضوع.

ولعل هذه المواقف مهمة لجزء من المجتمع الأمريكي الذي يشعر بقلق عميق إزاء الحرب العالمية الثالثة في الشرق الأوسط، إذ يشعر الشعب الأمريكي بالقلق من مقتل الجنود الأمريكيين من جديد في حرب أخرى وهدر المال العام قد لا ينتهي بمدة قصيرة.

تأثير إيران على الانتخابات الأمريكية لعام 2020

قال دونالد ترامب بتاريخ 9 أيار من العام الماضي: “ما ينبغي للمسؤولين الإيرانيين فعله هو أن يتصلوا بي ونجلس. بوسعنا التوصل إلى اتفاق.. اتفاق عادل. كل ما نريده منهم ألا يمتلكوا أسلحة نووية”.[6]  هل كان يعني من تصريحاته أن الحكومة الأمريكية نأت بنفسها عن شروطها الـ12 للتفاوض مع إيران؟

منذ أن تم طرح الشُّروط الـ12 التي حَدَّدها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبیو،[7] قدم المسؤولون الأمريكيون -وفقاً للتيار السياسي الذي ينتمون إليه- تفسيرات مختلفة عنها آنذاك، ووصف بعضهم الشروط الـ12 بأنها “شروط مسبقة” للمفاوضات، ووصفها آخرون بأنها “مطالب” الولايات المتحدة من إيران؛ وتجنب بعضهم، مثل -بريان هوك- إعطاء إجابة واضحة عن طبيعة  هذه الشروط ومكانتها. لا يمكن للمسؤولين الأمريكيين، القول بوضوح مما إذا كانت هذه الخيارات الـ12 تعد “شروطاً” أو “أهدافاً”؛ لأن ترامب تحدث دائماً عن مفاوضات دون شروط مسبقة وموقفه لا يتماشى مع نهج ورؤية أشخاص في فريق B آنذاك، وفي الواقع لقد كان دونالد ترامب -ربما لأسباب شخصية وانتخابية- دائماً على استعداد للتفاوض من دون شروط مسبقة وتظهر تصريحاته الأخيرة أن موقفه لم يتغير.

كانت تصريحات ترامب حول استعداده للتفاوض مع إيران، حتى في الوقت الذي أعلنت فيه الدفاع الأمريكية إرسال أسلحة مضادة للصواريخ وسفن حربية جديدة إلى الخليج، لمواجهة العمليات الإيرانية المحتملة.[8] لكن ما مدى جدية الرئيس الأمريكي من كل هذه التصريحات.

يعتقد الكثيرون أن إنشاء قناة اتصال مباشرة بين الحكومة الامريكية والإيرانية سيكون له فوائد عديدة؛ في البدء، يخلق آلية نبذ التصعيد بين البلدين والمنطقة برمتها. إذ إن هذه الآلية إذا لزم الأمر وفي حالات الطوارئ ستعمل بمثابة أداة جديدة لـ إدارة الأزمة. وسيؤدي الاتصال المباشر بترامب إلى إعاقة عمل التيارات المتطرفة والمحرضة على الحرب، أمثال فريق B؛ إذ يمتلك فريق B خطة واضحة لإيران تقوم على التصعيد التدريجي وعلى نحو متزايد للتوترات. لقد حاول فرق Bمنذ سنوات القضاء تدريجياً على جميع الخيارات “السلمية” بين إيران والولايات المتحدة، بحيث بات اليوم آن أي خيار لم يبق سوى المواجهة العسكرية بين البلدين.

في المقابل يمكن لقناة الاتصال مع ترامب أن تغير نظرته ونهجه تجاه إيران. وبإمكان التغيير الذي يحصل في نظرته أيضاً أن يغير الطريقة التي تنظر بها قاعدته الاجتماعية وجزءاً كبيراً من الرأي العام الأمريكي تجاه إيران. وعلى كل حال، فهذه اعتبارات يجب أن تؤخذ على محمل الجد قبل رفض أي اتصال مباشر من قبل إيران. وهناك فرصة سانحة لدى الساسة في أمريكا في عرض المساعدة الى إيران في جائحة كورونا، ورفع الحصار وإدخال المعدات الطبية، وقد تكون لها نتائج ايجابية.

إذ إن الضغوط الاقتصادية على إيران لا تجلب معها إلا المفاجآت السلبية. حيث تجلى هذا الأمر بوضوح في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت قبل أشهر، سيطر فيها التيار المحافظ على الغالبية البرلمانية بأكثر من 75% مقاعد البرلمان، وآثار هذه النتائج على الانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2020. [9]

المحصلة

في هذه الأوقات العصيبة من جائحة كورونا تحاول إيران عدم تفويت الخيارات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، إذ يدرك صانع القرار الإيراني تمام ضرورة الموازنة السياسية في هذه المرحلة. وفي الوقت نفسه تحاول مواصلة بسط نفوذها في المنطقة لتحقيق أهدافها المتمثلة في هزيمة استراتيجية للبيت الأبيض الصارمة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

يرى بعض الساسة في إيران أيضاً، أن إقامة الاتصال المباشر، سيؤدي إلى كسب الوقت لإيران، وكلما اقتربنا من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سيتم إجراؤها هذا العام، سيصبح موقف إيران التفاوضي والقدرة على المناورة تجاه ترامب، أكبر وأقوى.

من جانبه، يحاول دونالد ترامب الذي يتطلع إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، الإعلان عن انتصار سياسة الضغط على إيران في أقرب وقت ممكن، ولا يريد اتخاذ إجراء ضد إيران قبل الانتخابات التي من شأنها أن تعرض شعبيته السياسية للخطر بين الناخبين الأمريكيين، إذ من المحتمل أن تقلل الحرب مع إيران من فرص ترامب في الفوز بالانتخابات، وذلك في الوقت الذي تكون فيه الحرب واسعة النطاق لدرجة أن يدخل المجتمع الأمريكي في حالة صدمة كبيرة، وترتفع الانتقادات فيه إلى الرئيس الأمريكي.


المصادر:

[1] -Could killing of Iranian general help Trump get re-elected?. https://www.bbc.com/news/world-us-canada-51010441

[2]– المصدر نفسه.

[3]– Trump’s Iran attack distracts from impeachment — but it can still hurt him politically. https://www.nbcnews.com/think/opinion/trump-s-iran-attack-distracts-impeachment-can-still-hurt-him-ncna1110506

[4]– Trump passes threshold to become Republican nominee in 2020 election. https://www.independent.co.uk/news/world/americas/us-election/trump-win-primary-republican-nomination-2020-election-biden-sanders-a9407966.html

[5]– As Sanders and Warren Vow to Block War With Iran, Biden and Buttigieg Offer Better-Run Wars. https://theintercept.com/2020/01/04/sanders-warren-vow-block-war-iran-biden-buttigieg-offer-better-run-wars/?comments=1

[6] – Donald Trump tells Iran ‘call me’ over lifting sanctions. https://www.theguardian.com/world/2019/may/09/eu-rejects-iran-two-month-ultimatum-on-nuclear-deal

[7] – Mike Pompeo speech: What are the 12 demands given to Iran? https://www.aljazeera.com/news/2018/05/mike-pompeo-speech-12-demands-iran-180521151737787.html

[8]– As Tensions With Iran Escalated, Trump Opted for Most Extreme Measure. https://www.nytimes.com/2020/01/04/us/politics/trump-suleimani.html

[9] سيطر فيها التيار المحافظ على الغالبية البرلمانية بأكثر من 75 %- http://www.rfi.fr/fa/

ملاحظة: الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز، وأنما تعبر عن وجهة نظر كُتابها