أحمد الطبقجلي

كيفية تأمين الكهرباء مع تحقيق الاستقلالية في قطاع الطاقة

ما يزال العراق يعيش مأزق تأمين الاستقلالية في قطاع الطاقة ضمن قيوده الجيوسياسية ولاسيما مع العقوبات الأمريكية على إيران. إذ تواصل واشنطن الضغط على بغداد عبر تمديد الإعفاءات “النهائية” لشراء الغاز الإيراني لمدة 30 يوماً أخرى فقط[1] كجزء من موقفها الجديد الأكثر صرامة[2]. ورداً على ذلك، يمكن للعراق اتخاذ خطط واقعية للقضاء على اعتماد البلاد على الواردات الإيرانية، وبدأ ذلك بالفعل عبر الموافقة في شهر كانون الثاني على الجولة الخامسة من عقود استكشاف الغاز. إلا أن تحقيق ذلك لن ينهي الحاجة إلى الواردات الإيرانية، ولن يضمن أي نوع من الاستقلالية في قطاع الطاقة. والأهم من ذلك أنها لن تسد النقص في الكهرباء، التي كانت الدافع للعديد من الاحتجاجات الشعبية بسبب إخفاقات حكومات ما بعد 2003.

إن الاعتماد على إيران لتوفير الطاقة يعني الخوض في متاهات شبكة الكهرباء في العراق، التي تتكون من محطات الطاقة التي تولد الكهرباء، ونظام شبكات نقل الكهرباء إلى المراكز السكانية، وشبكات توزيع الكهرباء للمستخدمين النهائيين. لقد دمرت عقود من الصراع معظم أجزاء الشبكة، إلى جانب الصيانة السيئة للأجزاء التي نجت من الضرر؛ مما أدى إلى ضعف الشبكة الكهربائية. وأعقيت عملية إعادة بناء الشبكة بعد عام 2003 بسبب الاداء السيئ للحكومات المتعاقبة، إذ تم تحييد نفقات رأسمالية كبيرة لسوء الإدارة، وغياب التنسيق بين الوزارات، والفساد. ويمتد إحباط الجمهور من هذا العجز إلى ما هو أبعد من التزويد غير الكافي للكهرباء على مدار العام، إذ إن الحرارة الشديدة في الصيف تخلق حاجة حادة للكهرباء، وتكشف عن أوجه القصور في الشبكة.

تبدأ هذه في مرحلة التوليد مع الفجوة بين الطاقة الاسمية، والحد الأقصى لإنتاج الطاقة في ظل الظروف المثالية، والإنتاج الفعلي. ومن الطبيعي هناك فجوة بين هذين الاثنين، ففي عام 2018 كان الحد الأعلى للطاقة الاسمية 30.3 غيغاواط [3]، في حين كان الإنتاج خلال العام 11.9 گيگاواط؛ والسبب الرئيس لهذه الفجوة هو نقص إمدادات الوقود المناسبة، في هذه الحالة الغاز، فيتم استبدال الغاز بأنواع اخرى من الوقود مثل زيت الوقود الخام أو الثقيل [4] مما يؤدى إلى تشغيل المحطات بأقل من 60٪ من طاقتها – في عام 2018 فقط 62 ٪ من المحطات العاملة بالغاز تستخدم الغاز لإنتاج الكهرباء. وتشمل الأسباب الأخرى ضعف الصيانة ونقص التبريد في درجات الحرارة العالية، وفضلاً عن ذلك هنالك 20٪ من الطاقة الاسمية في عام 2018 لم تكن مشغلة.

وهذا بدوره يزيد الفجوة بين العرض والطلب، ففي عام 2018 كان متوسط ​​الطلب 17.7 غيغاواط بينما كان المنتج حاولي 11.9 غيغاواط. لكن هذه الفجوة ليست سوى جزء من المشكلة؛ لأن الكهرباء المولدة لتلبية الطلب لا تعني أنها تصل بالفعل للمستخدمين النهائيين. لقد بلغ إجمالي الكهرباء المولدة في 2018 (105.4) تيراواط في الساعة [5]، لكن 43.7 تيراواط فقط وصلت إلى المستخدمين النهائيين، مما يعني فقدان 58.5٪. تحدث معظم هذه الخسائر في مرحلة التوزيع، مع الخسائر الفنية الناجمة عن قدم الاجهزة، والعنف في العراق، وضعف الصيانة الذي يمثل ثلثي المشكلة، والخسائر غير الفنية، سرقة الكهرباء، التي تمثل الثلث. الخسائر التقنية طبيعية، لكنها تحدث بمعدل مرتفع للغاية في العراق، وكذلك الخسائر غير الفنية. وتُقدَّر الكهرباء المسروقة – التي ما تزال مستهلكة ولكن لم يتم تحرير فواتير بها – بـ 17 تيراواط في الساعة، وبالتالي سترتفع الكهرباء التي يتم تسليمها إلى 61 تيراواط في الساعة، مما يجعل نسبة الخسارة 42.2٪. ويمكن الاطلاع على الأرقام في الشكل رقم (1)

الشكل 1: مقارنة بين العرض والطلب على الكهرباء، 2010-2018

يمكن أن تُعزى الزيادة في الخسائر اعتباراً من عام 2014 فصاعداً إلى حرب داعش، الذي دمر 20٪ من شبكة النقل و5.0 غيغاواط من قدرة التوليد. وشهد عام 2019 تحسناً ملحوظاً، إذ زادت السعة الفعالة من 11.9 غيغاواط إلى 14.3 غيغاواط، وخلال أشهر الصيف، بلغت ذروة التوليد 19.3 غيغاواط مقابل ذروة الطلب عند 27.5 غيغاواط. وضاقت هذه الفجوة لتبلغ 8.2 غيغاواط بعد أن كانت 10.0 غيغاواط في 2018 عندما بلغ ذروة العرض 16.5 غيغاواط مقابل ذروة الطلب عند 26.5 غيغاواط.

شكلت الكهرباء المولدة من واردات الكهرباء والغاز الإيرانية 20.7٪ من تلك المولدة طوال عام 2019، وربما نسبة أعلى بكثير خلال ذروة أشهر الصيف. ويمكن الاطلاع على هذه المساهمات من واردات الكهرباء من عام 2010 وواردات الغاز من عام 2017 في الشكل رقم (2).

الشكل 2: مساهمة إيران في متطلبات العراق من الطاقة بين عامي 2010-2019

انخفضت أهمية واردات الكهرباء الإيرانية كنسبة مئوية من الإجمالي بشكل مطرد، على الرغم من أنها زادت في المستويات المطلقة. ومع ذلك، كان الانخفاض في صيف 2018 كبيراً بما يكفي لإشعال شرارة المظاهرات في البصرة، وعادت الواردات في عام 2019 إلى المستوى الطبيعي، وبلغ متوسطها 1.1 غيغاواط للسنة. وتشمل خطط الواردات الإقليمية الأخرى 0.5 غيغاواط يتم استيرادها من الكويت بحلول نهاية عام 2020، وترتفع إلى 1.9 غيغاواط في السنوات اللاحقة، بما في ذلك الواردات من الأردن وتركيا.

بلغت واردات الغاز الإيراني 7.0 مليار متر مكعب [6] في عام 2019، بعد أن كانت 4.1 مليار متر مكعب في 2018، وشكلت 31 ٪ من إجمالي الغاز المستهلك بعد أن كانت 24٪ في عام 2018. وتشمل خطط زيادة الإنتاج المحلي زيادة الاستثمار في الغاز المصاحب وصولاً إلى 16 – 19 مليار متر مكعب بحلول نهاية عام 2021 بعد أن كانت 12 مليار متر مكعب في 2019. وفضلاً عن ذلك، تتطلب الجولة الخامسة من عقود الغاز استبدال الواردات الإيرانية خلال ثلاث سنوات، أي توليد 7.0-10.0 مليار متر مكعب، تبلغ الكمية حالياً 3.5 مليار متر مكعب.

وعلى افتراض أن الحكومة ستنفذ هذه الخطط، في غضون ثلاث سنوات فسيحل هذا الإنتاج محل الكهرباء الحالية التي تنتجها الواردات الإيرانية. ولكن من المتوقع أن يزداد الطلب بنسبة 20٪ عن المستويات الحالية؛ مما يعني أن الفجوة الحالية بين العرض والطلب ستزيد بنسبة تصل إلى 20٪. وفضلاً عن ذلك، تتطلب الإضافات المخططة للإنتاج وقوداً إضافياً يتم تخصيصه على وفق الخطط الحالية لتحل محل الغاز المستورد. ومع ذلك، فإن الحفاظ على الواردات الإيرانية سيقلل كثيراً من أهميتها في توليد الطاقة من 20.7٪ الحالية، وفي هذه العملية سيمتلك العراق القابلية على تلبية الطلب أكثر.

تبتعد الأهداف بنحو أسرع بكثير من قدرة العراق على الوصول لها، وعلى هذا النحو فإن إصرار الولايات المتحدة على القضاء على الواردات الإيرانية دون تحقيق استقلال الطاقة للعراق، سيؤدي إلى تفاقم ضعفه في مجال الطاقة. ومما يضاعف من نقاط الضعف هذه هو الإنفاق الاستثماري الضخم المطلوب لتوسيع قدرة الشبكة الكهربائية، التي لم يتم تناولها حالياً في موازنة الحكومة غير المتوازنة هيكلياً، لكنها أصبحت أكثر أهمية بعد انهيار أسعار النفط[7].

إن طريق العراق للخروج من هذا المأزق -حتى مع ارتفاع أسعار النفط- ينطوي على إصلاح تعرفة الكهرباء وإلغاء دعم الطاقة- فكلاهما مصدر كبير لهدر الثروة. لكن هذا يتطلب قبولاً شعبياً وتجديد إيمان الشعب بشرعية نظام ما بعد عام 2003. وهنا يمكن للمجتمع الدولي مساعدة العراق على تحقيق استقلالية قطاع الطاقة.


المصادر

  • الأرقام والرسوم البيانية المستخدمة في المقالة هي تقديرات المؤلف، وتستند إلى بيانات من التقارير السنوية لوزارة الكهرباء والعروض التقديمية في المؤتمرات، ووكالة الطاقة الدولية، BP،MEES ، Oxford Energy ، ومصادر الأخبار المتاحة للجمهور. ومع ذلك، فإن جميع الأخطاء وحالات السهو تعود للمؤلف إن وجدت.
  • وتستثني البيانات المستخدمة في المقالة الطلب على الكهرباء وتوليدها في إقليم كردستان العراق. ومع ذلك، تشمل أرقام الغاز المنتج والمستهلك محلياً إقليم كردستان العراق؛ وبالتالي فإن النسب الإيرانية من إجمالي الغاز المستهلك ستكون أعلى إلى حد ما من 31٪ و24٪ المستخدمة، إذا تم استبعاد إقليم كردستان العراق من الحسابات.

[1] https://twitter.com/gebeilym/status/1243144685293625344?s=21

[2] https://news.yahoo.com/irked-us-squeezes-iraq-cash-delays-short-waivers-025812392.html

[3] https://www.ucsusa.org/resources/how-electricity-measured

[4] https://en.wikipedia.org/wiki/Heavy_fuel_oil

[5] https://en.wikipedia.org/wiki/Kilowatt_hour

[6] https://en.wikipedia.org/wiki/Billion_cubic_metres_of_natural_gas

[7] https://blogs.lse.ac.uk/mec/2020/03/11/between-a-rock-and-a-hard-place-iraqs-political-class-dilemma-between-budget-realties-and-protestor-demands/


المصدر:

https://blogs.lse.ac.uk/mec/2020/03/24/iraqs-power-conundrum-how-to-secure-reliable-electricity-while-achieving-energy-independence/