د. أسامة الشبيب، دكتوراه في القانون الدستوري.

حق رئيس الجمهورية بالتكليف على وفق المادة (76 – ثالثاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005

أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها المرقم 29 اتحادية 2020 الصادر في 16 آذار 2020، الذي جاء فيه ما يأتي:

إن المرحلة التي تلت اعتذار المكلف بتشكيل مجلس الوزراء وفق المادة 76 من الدستور، يكون بعدها الخيار حصرياً لرئيس الجمهورية وفق الفقرة ثالثا من المادة 76 من الدستور بتكليف مرشح جديد خلال خمسة عشر يوماً من تأريخ اعتذار المكلف محمد توفيق علاوي وفق مسؤوليته الدستورية ليتولى المرشح الجديد بتشكيل الوزارة وعرضها على مجلس النواب خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً. صدر القرار بالاتفاق في 16 آذار 2020.

أثار صدور هذا القرار العديد من التساؤلات والمناقشات بين أصحاب الاختصاص وغيرهم، وقد أحدثت تلك المناقشات والآراء التي طرحت عقب صدور القرار اختلافاً بين أصحابها؛ فمن هنا حرصنا أن نطرح رؤية أو تعليقاً بشأن القرار نتلمس فيه الموضوعية العلمية. وعند التأمل في نص القرار المذكور يمكن أن نبين أهم النقاط والأفكار الأساسية التي توصلنا إليها:

  • إن قرار المحكمة الاتحادية العليا قد جاء بناءً على طلب تقدم به رئيس الجمهورية، شرح فيه استقالة حكومة عادل عبد المهدي، ثم تكليف محمد توفيق علاوي على وفق المادة 76 – أولاً التي أخفق بتمريرها في مجلس النواب، ثم يأتي السؤال الأساس للمحكمة في خاتمة الطلب: هل تنتقل صلاحية التكليف إلى رئيس الجمهورية بموجب أحكام المادة 76 – ثالثاً من الدستور؟

والملاحظ في كتاب رئيس الجمهورية أنه قد سرد للمحكمة أحداثاً وتفاصيل لا علاقة لها بجوهر الطلب، كاستقالة عادل عبد المهدي، وموافقة البرلمان عليها وتأريخ وصول كتاب البرلمان للرئاسة، وان رئاسة الجمهورية قد أخذت وارداً للكتاب في اليوم التالي، وغير ذلك. وذلك مما لا ضرورة له ولا يمت للطب وموضوعه بصلة. ثم أن كتاب رئيس الجمهورية لم يطلب تفسيراً معيناً ومحدداً لمادة دستورية أو فقرة معينة من مادة دستورية، حتى أن الكتاب المرسل منه جاء بعنوان: (صلاحية تكليف) وليس طلب تفسير.

  • إن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 قد جعل اختصاص التكليف مسؤولية دستورية لرئيس الجمهورية، أما حق الترشيح فقد أُعطي للكتلة النيابية الأكثر عدداً وأن مسؤولية رئيس الجمهورية بالتكليف هي مسؤولية دستورية حصرية تقع على عاتقه؛ وذلك بموجب المادة 76 الفقرة أولاً: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً. وفي الفقرة ثالثاً عند إخفاق المكلف بتشكيل الوزارة أيضا ورد النص بالتكليف كالآتي: يكلف رئيس الجمهورية مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء. وجاء في الفقرة خامساً من المادة نفسها عند الإخفاق ثانية أيضاً ورد ما يأتي: يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة. ورد وذكر التكليف أيضاً عند خلو منصب رئيس مجلس الوزراء وتولي رئيس الجمهورية لمنصب رئيس مجلس الوزراء، جاء النص على وفق أحكام المادة 81 – ثانياً ما يأتي: يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً؛ وبذلك فان من الواضح على وفق نصوص أحكام الدستور أن التكليف لمرشح رئاسة مجلس الوزراء هو مسؤولية وواجب دستوري يتحمله رئيس الجمهورية.
  • أما مسؤولية الترشيح ومن يقوم به ؛ فإن الدستور منح هذا الحق للكتلة النيابية الأكثر عدداً، ودل على وفق نص المادة 76 – أولاً: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، وأيضاً عند تحقق حالة الخلو لمنصب رئيس مجلس الوزراء يتولى رئيس الجمهورية المنصب، ويقوم بحسب مسؤوليته الدستورية بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً؛ وذلك وفق نص المادة 81 ثانياً التي ورد فيها: يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً ووفقا لأحكام المادة 76 من هذا الدستور، وواضح حكم المادة 76 المذكورة آنفاً بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً؛ وعليه فإن الدستور قد أعطى حكماً دستورياً واضحاً بشأن حق الكتلة النيابية الأكثر عدداً بترشيح شخصية لرئاسة مجلس الوزراء يقوم بتكليفه رئيس الجمهورية لتشكيل الوزارة خلال المدد المحددة دستورياً، وهذا ما يتسق مع أصول النظام البرلماني وطبيعته والأسس المعتمدة عند الأخذ به، وهذا ما تبناه الدستور العراقي لسنة 2005 .

أما ما ورد في المادة 76 – ثالثاً بالنص على مرشح جديد، والفقرة خامساً من نفس المادة بمرشح آخر، وعدم ذكر الكتلة النيابية الأكثر عدداً فإنه لا يسلب حقها بالترشيح، ومنحه إلى جهة أخرى أو موقع آخر مهما كان ذلك الموقع رفيعا؛ لأن النص الدستوري واضح وكما يقال لا اجتهاد في مورد النصوص، وكما بينا سابقاً فإن النص الدستوري بشأنالحق الدستوري بالترشيح للكتلة النيابية الأكثر عدداً، هو نص حاكم ومكرس دستورياً هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن جوهر النظام البرلماني هو حكم الأغلبية التي بدورها تقوم بتشكيل الحكومة، وهذه الأغلبية تتمثل بالأغلبية النيابية التي تفرزها الانتخابات العامة، فكيف يمكن سلب هذا الحق الكبير والحساس ومنحه لجهة أخرى؟!.

  • يتبين من مواد الدستور وأحكامه أن التكليف هو مسؤولية دستورية يتحملها رئيس الجمهورية وهذه المسؤولية هي من اختصاص رئيس الجمهورية؛ وعليه فإن قرار المحكمة الاتحادية العليا إذا كان منصباً على (التكليف، فإنه قد جاء معبراً عن أحكام الدستور، ومتسقاً مع تلك المواد والنصوص الدستورية. وإن المحكمة قد أصدرت قراراً نابعاً من صميم الدستور، إذ أكدت هذا الحق الدستوري لرئيس الجمهورية وهو بحق اختصاص حصري لرئيس الجمهورية يقع ضمن مسؤوليته الدستورية، وكما ذكرت المحكمة في قرارها أن الخيار حصراً لرئيس الجمهورية على وفق الفقرة ثالثاً من المادة 76 من الدستور بتكليف مرشح جديد خلال خمسة عشر يوماً من تأريخ اعتذار المكلف محمد توفيق علاوي وفق مسؤوليته الدستورية ليتولى المرشح الجديد بتشكيل الوزارة وعرضها على مجلس النواب خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً. أما إذا كان قرار المحكمة المقصود منه تفسير المادة 76 ثالثاً، ونقل الحق الدستوري بالترشيح من الكتلة النيابة الأكثر عدداً إلى رئيس الجمهورية ويصبح رئيس الجمهورية هو من يمتلك خيار الترشيح والتكليف لشخصية رئيس مجلس الوزراء، فهذا أولاً يخالف أحكام الدستور ونصوصه الواضحة في المادة 76) والمادة 81، وثانياً فإنه يذهب بعيداً عن أصول النظام البرلماني وطبيعته السياسية القائمة على حكم الأغلبية البرلمانية.

ومن زاوية أخرى فإننا لم نجد ما يدلل أو يشرح في نص قرار المحكمة على تفسير للنص الذي استندت إليهالمحكمة، ولم نشهد تفسيراً لمعنى المرشح الجديد أو سلب حق الكتلة النيابية الأكثر عدداً من الترشح كما نصت الفقرة أولاَ من المادة 76، ولم نلحظ سوق حجة أو مبرر لنقل هذا الحق الدستوري من الكتلة النيابية الأكثر عدداً إلى رئيس الجمهورية، بل لم نشهد حقيقة قراراً تفسيرياً على وفق أصول التفسير المعتمدة في الفقه والقضاء، وإنقرار المحكمة الاتحادية -بحسب رأينا- لم يكن قراراً تفسيرياً؛ وذلك لأن القرار لم يحدد النص المبهم أو الذي اكتنفه الخفاء والإبهام حتى ينصب عليه التفسير، ولم يتناول القرار أي أسباب أو مسببات أدت إلى لجوء المحكمة إلى هذا النحو من التفسير أو مرتكزات الاعتماد عليه، وهذا ما يتعارض مع النهج الذي دأبت عليه المحكمة الاتحادية العليا في كثير من قراراتها وأحكامها التي تمارس فيها اختصاصها التفسيري، فإنها تشرح وتسبب وترتكز في اعتمادها هذا النهج من التفسير أو ذلك على عدد من الحجج والمبررات الذاتية أو الموضوعية للنص المفسَر ومن تلك الأحكام والقرارات التي اتبعت فيها نهجاً تفسيرياً ما جاء في قرارها التفسيري المرقم 25 اتحادية/ 2010 بشأن تحديد من الكتلة النيابية الأكثر عدداً، وقرارها المرقم 88 / اتحادية 2010 حول معنى الارتباط والاستقلال للهيئات المستقلة في الدستور، وقرارها المرقم 71 اتحادية 2019 بشأن تفسير المادة 140،وغيرها من القرارات الاخرى هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى أن  طلب رئيس الجمهورية نفسه لم يكن طلباً لتفسير نص محدد أو مادة معينة، حتى أن موضوع عنوانه صلاحية تكليف.

  • نؤكد مرة أخرى أن مسؤولية التكليف هي مسؤولية دستورية جعلها الدستور لرئيس الجمهورية وهذا أمر لا غبار عليه، وإن حق الترشيح من قبل الكتلة النيابية الأكثر عدداً هو حق دستوري مكرس على وفق أحكام الدستور بنحوواضح، ومتوافق مع طبيعة وأصول النظام البرلماني الذي تبنته السلطة التأسيسية في دستور العراق لسنة 2005؛وهذا الحق الذي تتمتع به الأغلبية النيابية المنتخبة من قبل الشعب يمثل الجوهر والأساس الذي تستند إليه الأنظمةالبرلمانية المقارنة، وفي مقدمتها النظام البرلماني في بريطانيا الذي يمثل الأب لبقية الأنظمة البرلمانية في دول العالم.

ملاحظة: الآراء الواردة في المقال أعلاه لا تعبر بالضرورة عن رأي المركز، وأنما تعبر عن وجهة نظر كتابُها