شهره بولاب، دكتوراه في الجغرافيا السياسية، موقع الدبلوماسية الإيرانية.

إدلب، كعب أخيل العلاقات التركية-الروسية

في 15 شباط 2020 عُقد لقاء جمع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته “56” المنعقدة في ألمانيا، في وقتٍ توترت فيه علاقات التعاون القائمة بين أنقرة وموسكو خلال شهر شباط الماضي في أعقاب هجوم نفذته القوات الحكومية السورية بدعم روسي أفضى إلى مقتل (13) جندياً تركياً. وكلا البلدين يوجهان أصابع الاتهام إلى بعضهما للوضع المتأزم في إدلب، فتركيا تريد من روسيا ممارسة ضغوط على الرئيس بشار الأسد لإيقاف هجمات الجيش السوري على منطقة إدلب وإبعادها عن نقاط المراقبة التابعة للجيش التركي، وروسيا تشكو من عدم التزام تركيا بالقضاء على البؤر الإرهابية في إدلب.

منذ بداية اندلاع الحرب الداخلية في سوريا عارضت تركيا حكومة بشار الأسد المنهمكة في الوقت الراهن بإنهاء الأزمة في إدلب لا سيما في المناطق الحدودية المتاخمة لتركيا، حيث تزعم أنقرة أن تصاعد حدة الاشتباكات في إدلب سيتسبب في نزوح عدد كبير من سكان هذه المنطقة البالغ عددهم ثلاثة ملايين إنسان كلاجئي حرب باتجاه الحدود التركية، وسوف تنشأ أزمة جديدة بالنسبة لتركيا. في المقابل تعتبر روسيا أن هجوم سوريا على إدلب أمرٌ ضروري متهمةً تركيا بتجاهل الاتفاقيات السابقة وبمسؤوليتها عن الأزمة الحالية في إدلب.

يبدو أن مسار التحولات في إدلب أدخل الحرب السورية في عامها التاسع مرحلة جديدة، فلا تشكل ساحةً للصدام العسكري بين تركيا وسوريا فحسب؛ بل ستضطلع بدور رئيس في العلاقات بين تركيا وروسيا.

تعدّ محافظة إدلب الواقعة في شمال غرب سوريا إحدى المناطق الاستراتيجية السورية التي تحتل جماعة هيئة تحرير الشام الإرهابية مساحات واسعة منها متاخمة للحدود التركية. إذ تنص اتفاقيات سوتشي المبرمة في أيلول 2018 على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على امتداد الخطوط الفاصلة بين المعارضين السوريين المسلحين والجيش السوري في إدلب بعمق 15-20 كم. وتقوم دوريات الجيش التركي المتنقلة والشرطة العسكرية الروسية بالإشراف على هذه المنطقة ومراقبتها.

بيد أن المواقف المتشددة التي اتخذها أردوغان خلال شهر شباط الماضي تنم عن كون تقدم الجيش السوري باتجاه نقاط المراقبة التركية في إدلب يشكل تهديداً جدياً وتحدياً كبيراً لبلاده. في سياق آخر تعتقد روسيا أن مرد هجمات الإرهابيين على مواقع الجيش السوري والإجراءات العدائية المتخذة ضد المراكز الروسية في إدلب يرجع إلى عدم التزام تركيا بالقضاء على المجموعات الإرهابية في إدلب وانتهاك اتفاقية سوتشي.

تعدُّ روسيا شريكاً تجارياً كبيراً لتركيا حيث يناهز حجم التجارة بين البلدين الـ 25 مليار دولار في العام. وروسيا هي المورد الأفضل للنفط والغاز إلى تركيا، في الوقت الذي تتحول فيه تركيا عبر نقل الغاز الروسي إلى جنوب شرق أوروبا إلى مركز رئيس لترانزيت الطاقة.

إن علاقات التعاون الدفاعية بين البلدين تعززت من خلال إقدام تركيا على شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية “أس-400” على الرغم من معارضة حلفائها في الناتو وكذلك في أعقاب إجراء محادثات لشراء مقاتلات روسية من طراز Su-35  و Su-57لكن الحرب في إدلب تسببت في تردي علاقات موسكو وأنقرة إلى أدنى مستوى منذ أن أقدمت الطائرات المقاتلة التركية على إسقاط مقاتلة روسية.

يحدث تفاقم الأوضاع في إدلب بعد أربعة أشهر من إقدام الرئيس ترامب على سحب كامل القوات الأمريكية من الحدود السورية-التركية مشرعاً الباب أمام الجيش التركي لشن هجوم عسكري ضد الكرد وبحسب ما تقوله أنقرة ضد القوات الإرهابية.

بعد انسحاب الولايات المتحدة في تشرين الأول 2019 لم يعد لها وجود عسكري دائم في المنطقة، وتعمل بعديد قواتها القليل على حراسة المناطق النفطية السورية الواقعة في القسم الشمالي الشرقي لهذا البلد، وكذلك تدريب المجموعات الكردية التابعة لها عسكرياً لمحاربة داعش.

خلال زيارة جيمس جيفري المبعوث الأمريكي إلى سورية إلى تركيا في 11 شباط؛ بهدف إعادة تقييم التطورات الأخيرة الجارية في المنطقة، اعتبر أن الظروف في إدلب تشكل تهديداً كبيراً من قبل نظام الأسد وروسيا على تركيا، وأعلن عن استعداد بلاده لتقديم الدعم لتركيا باعتبارها عضواً حليفاً في حلف الناتو. فتقديم الدعم لتركيا يشكل فرصة سانحة لواشنطن حتى تستغل التصدع الحاصل في العلاقات التركية-الروسية، لتعيد أنقرة إلى معسكرها الإقليمي ولاسيما في سوريا.

على الرغم من الخلاف الحاصل بين الولايات المتحدة وتركيا حول تواجد القوات الكردية في الشمال الشرقي السوري بيد أن البلدين يعدان حكومة الأسد عدواً مشتركاً لهما. فتركيا خلال ظروفها الراهنة بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة؛ لمواجهة التحالف المحتمل بين روسيا وسوريا في المنطقة، وإن الولايات المتحدة ستحتاج إلى التعاون مع تركيا للإبقاء على وجودها في إدلب.

حاولت تركيا تشجيع روسيا على مواجهة حلفاء أمريكا في الشمال الشرقي السوري يعني الكرد، وحالياً يتعيّن عليها أن تطلب من رئيس الولايات المتحدة تقدم الدعم لها ضد روسيا في إدلب؛ لذلك يمكن اعتبار مطالبة تركيا للولايات المتحدة بنشر منظومتي دفاع جوي أمريكية نوع “باتريوت” على الحدود الجنوبية لهذا البلد بغية مواجهة أي هجوم مستقبلي تشنه القوات السورية المدعومة روسياً، أنه يصب في اتجاه استعدادات أنقرة لوضع حد نهائي للتوتر مع موسكو، على الرغم من وجود مؤشرات تحول دون بلوغ التوترات هذه المرحلة ومنها:

أولاً: تحتاج روسيا لمواجهة النفوذ الغربي في المنطقة إلى التحالف مع تركيا، بناءً عليه فإن نشوب أي مواجهة جدية مع تركيا تعني الخوض في مجازفة كبيرة، ونظراً إلى نوع الدبلوماسية الناعمة التي تنتهجها روسيا وأدائها السابق في المنطقة فحدوث مثل هذا الأمر يساوره الشك، فالاستراتيجية القائمة على الحوار مع القوات الشرعية في المنطقة، وخلق توازن بين اللاعبين المهمين كافة وتشجيع الشركاء السياسيين على التعاون وعدم إثارة الخلافات الإقليمية، تضع دبلوماسية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مواجهة مع دبلوماسية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتحتاج تركيا أيضاً إلى روسيا ودعم الكرملين لأنقرة في مسألة احتواء الأكراد، الذين لطالما أشارت إليهم أنقرة كتهديد خَبُرتُه سابقاً.

ثانياً: استعداد كل من تركيا وروسيا المتبادل بما يتعلق بمسألة الحصول على امتيازات من بعضهما يحول دون انزلاق الوضع إلى حد المواجهة. ويشير إعلان الإلتزام باتفاقية سوتشي وأستانا إلى المحافظة على التنسيق وتعزيز قنوات الاتصال والحوار؛ بهدف الإمساك بزمام التطورات والتحكم بها.

ثالثاً: تداخل المصالح التركية والروسية في تأمين الغاز والتجارة تقدمهما كحليفين في الشرق الأوسط لا يرغبان بتواجد الولايات المتحدة وامتلاكها نفوذاً في المنطقة.

إن تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرئيس بشار الأسد لسحب القوات السورية من نقاط المراقبة التركية حتى نهاية شهر شباط، عبر رسالة مفادها أن “أنقرة ستسلم زمام الأمور” باستطاعته إحداث تغيير في معادلات القوة في سوريا.


المصدر:

 موقع الدبلوماسية الإيرانية: https://b2n.ir/866599