فاطمة خادم شیرازي: باحثة، ومحاضرة بجامعة العلوم التطبيقية والتكنولوجيا – إيران.

في أعقاب إعلان مسؤول في حزب العدالة والتنمية في تركيا طرد “أحمد داود أوغلو”، إلى جانب ثلاثة نواب في البرلمان التركي، تشكلت جهود داود أوغلو لإنشاء حزب سياسي جديد اسمه “حزب المستقبل”.

أحمد داود أوغلو، هو وزير الخارجية التركي السابق، والساعد الأيمن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الدورة الثانية من سلطته، ومن معارضي مغامراته حالياً، وهو مهتم بسياسة التقرب من إيران، ومن مؤيدي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. لقد وصف داود أوغلو تشكيل الحزب الجديد بأنه “مسؤولية وضرورة”. وقال إن المبادئ الأساسية للحزب هي “الليبرالية العلمانية” و”التعددية الدينية”، وهو لا يقبل تفوق أي هيكلة دينية أو علمانية في حزب المستقبل. إن حزب “المستقبل” الذي أُرسل من أجل التسجيل مؤخراً، أُسس على أساس الاعتقاد بالنظام البرلماني الديمقراطي، وهو خال من الأمر والنهيالسياسي، وينصب تركيزه الرئيس على الاقتصاد العادل والرفاهية المستدامة. إن داود أغلو قبل القيام بتأسيس حزب المستقبل كان مستاءً وغيرَ راض عن سياسات حزب العدالة والتنمية.

أما علي باباجان، الذي عمل سابقاً وزيراً لوزارتي الاقتصاد، والشؤون الخارجية، وشغل أيضاً منصب نائب رئيس وزراء تركيا فقد أنهى عضويته في الحزب الحاكم؛ بسبب الخلافات العميقة التي حصلت بينه وبين أردوغان فيما يتعلق بالمبادئ والقيم والمواقف التي اتخذها أردوغان. ويخطط باباجان لتشكيل حزب يضم جميع الأطياف السياسية التركية، بما في ذلك الدينية والليبرالية، بالتعاون مع الرئيس التركي السابق عبد الله غول. وسيعلن اسم حزبه المنشأ حديثاً، ويعلن أعضاءه بعد التوصل إلى نتيجة في هذا الصدد وفي المرحلة النهائية.

ويشير علي باباجان بشأن أولويات حزبه إلى ثلاثة مفاهيم مهمة هي: (العدالة، والحرية، والاقتصاد)، واعتبر باباجان الحزب الجديد ليبرالياً وموالياً للغرب، وأن نهجه يختلف عن نهج حزب العدالة والتنمية.

بإمكان الأحزاب الجديدة أن تصبح منافساً خطيراً لأردوغان، ويمكنها أن تشكل تحدياً كبيراً لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، إذ لديها القدرة على استعادة النظام البرلماني، وإنها ستؤثر على العديد من عوامل السياسات الداخلية والخارجية لتركيا.

إن حزب العدالة والتنمية -الذي اعتمد منذ عام 2002 على المسلمين المحافظين، والإسلاميين السياسيين، والمصالح التجارية، والعمال والقوميين، وسعى جاهداً لكسب الأصوات في النظام السياسي المتعدد الفئات في تركيا، واستطاع عبر عقد التحالف الواسع، أن يوفر القوة السياسية اللازمة لمواجهة وهزيمة الكماليين العلمانيين المدعومين من قبل الجيش التركي، الذين تدخّلوا مراراً وتكراراً في نظام الحكم منذ تأسيس الجمهورية في تركيا عام 1923- سيتعرض لانخفاض في الدعم وحدوث فجوات داخل الحزب، وذلك بسبب انشقاق بعض أعضاء الحزب السابقين، وإنشاء أحزاب جديدة من قبلهم.

لقد كان حزب العدالة والتنمية -الذي يضم 10 ملايين عضو في الأعوام الماضية- قد انخفض عدد أعضائه بنسبة 10٪؜، وإن التجربة السياسية في العقود الماضية في تركيا، والتفكك الذي تعرض له الحزب الديمقراطي، وحزب الوطن الأم وحزب الطريق القويم، يمكن أيضاً أن يتكرر لحزب العدالة والتنمية.

ويسعى كل من داود أوغلو علي باباجان وعبد الله غول إلى تشكيل أحزاب سياسية قوية ومنفصلة عن حزب العدالة والتنمية؛ لأن إقصاء حزب العدالة والتنمية لأردوغان يعد أمراً مستحيلاً وغير عملي، ولهذا السبب، اتبع هؤلاء القادة موضوع الانفصال عن الحزب. وقد يؤدي وجود قادة الأحزاب الجديدة في تركيا إلى انضمام الأعضاء الحاليين في حزب العدالة والتنمية إلى الأحزاب الجديدة، وخلق انشقاقاً خطيراً في الحزب، ويتسبب في تعزيز التيار المعارض والمنافس، أي حزب الشعب الجمهوري؛ ولذلك سوف يختل توازن قوة الأحزاب في الانتخابات مستقبلاً؛ لأن الهدف من تأسيس الأحزاب الجديدة هو الانتخابات ومشروع “تركيا الجديدة” وكان أردوغان قام بتهديد زعماء الأحزاب بفضحهم من خلال الكشف عن معلومات تتعلق بهم، وذلك لمنع تأسيس حزب جديد أمام حزب العدالة والتنمية، وأعلن أنه يعتزم التحدث علانية ضد هؤلاء الأشخاص.

وقبل تأسيس الأحزاب الجديدة أيضاً، تم اتخاذ تدابير من قبل الحكومة ضد زعماء هذه الأحزاب، ومن ضمنها اتهامهم بالخيانة، وتوجيه اتهامات لهم بالانفصال عن مبادئ الحزب ومُثُله العليا، ومحاولات لبث الفرقة والانقسام بين “الأمة”.

على الرغم من أن أردوغان استطاع عبر تأثير حزبه على المؤسسات الحكومية في مواجهة المعارضة، أن يستعيد أغلبية الأصوات لصالحه، واستغل الشعور القومي لكسب المؤيدين، وقام بالعمل ضد ادعاءات قبرص بشأن حقول الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط، وشن العمليات العسكرية ضد المسلحين الكرد في جنوب شرق تركيا وسوريا والعراق لكسب أصوات اليمين المتطرف، وقد اُستخدم الدين لكسب تأييد الوسط الإسلامي السني، إذ وُجّهت الأوامر الخاصة بتغيير المناهج الدراسية، وأمر ببناء مساجد في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا، ولكن من حيث السياسة الخارجية، لقد انعطفت تركيا نحو روسيا؛ لذا فإن إعادة العلاقات مع الغرب، وإحياء عملية السلام مع الأكراد، والخروج من الأزمة السورية تشكل إحدى أولويات الأحزاب الجديدة أمام سياسات أردوغان، وإن أداء أردوغان في الانتخابات الجديدة لا يجدي نفعاً وذلك بسبب فشل التدابير الاقتصادية وتعارضها مع التطلعات الأيديولوجية. ومن جهة أدت الأزمة والركود الاقتصادي والفشل الذي حصل في الانتخابات البلدية ومجالس المدن إلى تقليص الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية. وسيكون لتأسيس الأحزاب الجديدة تداعيات خطيرة تؤدي إلى تقويض حزب العدالة والتنمية في المستقبل. وإن العودة إلى النظام البرلماني المُختَلَف عليه سياسياً  بين عبد الله غول وأردوغان، وانتقال السلطة بين الإسلاميين في المنافسات الانتخابية المستقبلية سيكون بسبب النهج المختلف للحزب الجديد.

وفي الوقت الحاضر، فإن حزب العدالة والتنمية من خلال التحالف مع الحركة القومية اليمينية المتطرفة فقط، يمكنه أن يصادق على الميزانية أو اللوائح القانونية، وإن المزايا التي يمكن أن تكون في المستقبل بطاقة أردوغان الرابحة ضد الأحزاب الجديدة هي السيطرة على معظم وسائل الإعلام في البلاد، والأغلبية النسبية في البرلمان، والسيطرة على المجالس الانتخابية والمحاكم في البلاد.

أما ما هو متوقع في الآفاق المستقبلية لتركيا، فهو أن أردوغان لن يترك حزب العدالة والتنمية بسهولة ودون صراع.

وإن قضايا مثل الدور المؤثر لعبد الله غول، وأحمد داود أوغلو، وعلي باباجان وغيرهم من السياسيين المنفصلين عن حزب العدالة والتنمية، وتشكيل حزب جديد أيضاً، والتحالف مع حزب الشعب الجمهوري وغيره من المعارضين لأردوغان، يمكن أن تعيد تركيا إلى ما قبل الاستفتاء الدستوري التركي لعام 2017، الذي انتهى بانتصار “نعم” لصالح التعديلات الدستورية التي اقترحها حزب العدالة والتنمية.


المصدر:

المركز الدولي لدراسات السلامIPSChttps://b2n.ir/593880