مانويل لانجندورف، كاتب ومحرر يركز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

بقي الوجود التركي في العراق تحت دائرة الضوء منذ اغتيال الدبلوماسي التركي في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان.ولطالما كانت أربيل ملاذاً آمناً لأولئك الذين يحاولون الهروب من العنف في بقية العراق؛ إلا أن هذا تغيّر مؤخراً، ففي وقت سابق من هذا الشهر قتل مسلحٌ الدبلوماسي التركي عثمان كوس بعد وقت قصير من وصوله إلى مطعم مع موظف في القنصلية التركية، وأدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الهجوم، قائلاً: إن أنقرة تعمل مع السلطات العراقية للعثور على الجاني.

وبعد عدة أيام من الحادثة، صرحت قوات الأمن الكردية أنها ألقت القبض على الرجل “الذي خطط للاغتيال”، وذكرت التقارير أن المشتبه به الذي حددته إحدى أجهزة الأمن الكردية باسم مظلوم داغ، هو شقيق عضو حزب الشعوب الكردي الديمقراطي ديرسيم داغ، الذي أدان الهجوم.ونقلاً عن مصدر أمني، ذكرت رويترز أن تركيا قتلت من يقف وراء الهجوم في غارتين جويتين شمال العراق.

وجاء الاغتيال بعد أسابيع من الغارات الجوية التركية على محافظة السليمانية في إقليم كردستان التي أدت إلى مقتل عدة أشخاص كجزء من حملة تركية ضد حزب العمال الكردستاني، المصنف من قبل تركيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية.

وأدى تورط تركيا في شمال العراق إلى اختلاف الآراء في دوائر السياسة العراقية، فبعد الضربات الجوية في السليمانية، أصدرت وزارة الخارجية العراقية بياناً أدانت فيه الهجمات ودعت أنقرة إلى وقفها.

وتعود العمليات العسكرية التركية في شمال العراق إلى عقود من الزمن، ويشك الكثيرون في تواجد قيادات حزب العمال الكردستاني فيها. ويخوض حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية النزاع منذ عام 1984، وأدى هذا الصراع إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص.وقد أجرى أردوغان محادثات سلام مع حزب العمال الكردستاني في أواخر عام 2012؛ ولكن المفاوضات ووقف إطلاق النار انهارا في عام 2015.

وعلّق أستاذ التأريخ العالمي بالجامعة الأمريكية في العراق السليمانية بارين كايا أوغلو قائلاً: “فيما يتعلق بمحاربة حزب العمال الكردستاني في أعقاب عملية الاغتيال في أربيل، فإن أنقرة ستصبح أكثر صرامة لكنها كانت بالفعل قاسية على هذه الجبهة لمدة ليست بالقليلة”، ويضيف كايا أوغلو إنه لا يتوقع “تغييراً خطيراً في نهج تركيا تجاه العراق أو حكومة إقليم كردستان”.

وقال الباحث في مركز البيان للدراسات والتخطيط أيمن الفيصل إن الحزب الديمقراطي الكردستاني -الذي أدان عملية الاغتيال- يتشاور مع تركيا “لتبادل المعلومات بشأن تواجد حزب العمال الكردستاني في الأراضي العراقية”.

لقد تدهورت علاقات أنقرة مع حكومة إقليم كردستان بنحو كبير بعد إجراء استفتاء بشأن الاستقلال في إقليم كردستان في أيلول عام 2017، إذ وصف أردوغان الاستفتاء بأنه “خيانة”، ووفر التصويت دعماً لعلاقة أنقرة مع بغداد لأن كلتيهما رفضت الاستفتاء.

جاء الانقسام في العلاقات مع حكومة إقليم كردستان بعد سنوات من التعاون بين أربيل وأنقرة، وسع من خلالها الجانبان العلاقات التجارية وتعاونا في قتال حزب العمال الكردستاني، وفي الوقت نفسه تبادلا الكراهية تجاه بغداد.

وقال المحلل التركي إمري أوزديمير: بعد عدة سنوات مضطربة، تستأنف تركيا مشاركتها الاقتصادية في شمال العراق، لافتاً إلى أن هناك عدة أسباب لذلك، منها:

– تواجه تركيا أزمة اقتصادية وتريد استعادة سوق مهم، وذهبت معظم صادرات تركيا إلى العراق حتى عام 2017 إلى إقليم كردستان، واستثمرت شركات البناء التركية مليارات الدولارات هناك، ويضيف أوزديمير أن الإمكانات الاقتصادية للمنطقة الكردية “ليست عالية كما كانت من قبل، لكن تركيا بحاجة إليها”. وتعهدت تركيا في وقت سابق من هذا العام بتقديم حد ائتماني بقيمة 5 مليارات دولار للشركات التركية العاملة في العراق.

– إن تركيا تريد منع حزب العمال الكردستاني من استخدام المناطق الجبلية في شمال العراق للقيام بأنشطة إرهابية في تركيا.

– يمثل وجود تركيا في العراق قضية سياسية مثيرة للجدلـ، إذ أدان السيد مقتدى الصدر الغارات الجوية التركية على الأراضي العراقية؛ مما دفع السفير التركي في العراق للرد قائلاً إن حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.

ويضيف أيمن الفيصل أن معظم أعضاء البرلمان يصرحون برفض الوجود العسكري التركي في العراق، ويقول: “إنهم يصرحون بذلك لزيادة رصيدهم الإعلامي لتحسين فرصهم في إعادة الانتخاب”.

وقال كايا أوغلو، على الرغم من الخلافات، فإن أنقرة تريد علاقات أفضل مع العراق، بما في ذلك حكومة إقليم كردستان، ولاسيما في مجال التجارة، “لكن العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني، ولاسيما عندما تؤثر على المدنيين في إقليم كردستان، ستعقد ذلك”.

ويضيف أوزديمير أن هناك مستوى من التبعية المتبادلة بين العراق وتركيا، وقال إن العراق بحاجة إلى تركيا لتخفيض اعتمادها على إيران، وإن أنقرة “تحتاج إلى شراكة العراق في المنطقة بين إيران وسوريا، وكذلك في قتالها ضد حزب العمال الكردستاني”.

ويتابع أوزديمير أنه في حال قامت تركيا بتحسين العلاقات مع حكومة إقليم كردستان، فبإمكانها “تأدية دور الوسيط على المدى المتوسط والمدى البعيد بين بغداد وأربيل”، وتراقب إيران من كثب ما إذا كان النفوذ التركي المتزايد سيؤثر عليها.

المصدر:

https://thearabweekly.com/diplomats-assassination-erbil-puts-turkish-presence-iraq-under-spotlight