صحيفة الإيكونوميست

في بقعة صغيرة من العالم وتحديداً في شمال شرق أفريقيا يمر ثلث الشحن البحري العالمي من هناك؛ حتى ليخيَّل للمارة فيها أن العالم كله موجود هناك؛ إنها (جيبوتي) إذ تتنافس القواعد العسكرية الفرنسية، والإيطالية، واليابانية على مقربة من هذا الساحل المهم، فهناك كان موقع معسكر (ليمونير) الذي كان يدار من قبل الفيلق الأجنبي الفرنسي، لتحل محلّه الآن القاعدة العسكرية الأمريكية الدائمة الوحيدة في أفريقيا، وتقع بجوار المطار هناك أيضاً أول قاعدة صينية إلى الشمال الغربي، وستشهد المنطقة أيضاً فتح سفارة هندية، وسفارة بريطانية قريباً هناك، فيما تستعد مؤسسة الديانة التركية لافتتاح أكبر مسجد في  شرق أفريقيا في غضون أسابيع قليلة، وسيختلط صوت الأذان مع صوت مراوح طائرات الهليكوبتر المقاتلة.

يمكنك من قمة مئذنة المسجد أن ترى الصين، ليس لأنها ترتفع إلى هذا الحد، ولكن لأن الصينيين موجودون أمامك في كل مكان. تعدّ جيبوتي العاصمة مدينة صغيرة، لكنها تمتاز بميناء متعدد الأغراض، وخط سكك حديد يمتد إلى إثيوبيا، وتشهد بداية تأسيس منطقة للتجارة الحرة، التي -بمجرد إنجازها- ستكون الأكبر في أفريقيا.

لقد أُنشئت تلك المنطقة الحرة من قبل شركات صينية مملوكة للدولة، وهي تدار من قبلها جزئياً. ويمكنك -حين زيارتك الميناء- أن ترى البحارة على متن سفينة صينية على مبعدة رصيف واحد من سفينة شحن مليئة بالحبوب الأوكرانية، ويمكنك أيضاً أن تسمع اللغة الصينية وهي تملأ أثير المكان.

تشير إحصائيات مؤسسة ماكينزي للاستشارات الإدارية إلى وجود (10.000) شركة صينية في قارة أفريقيا، وقد شجعت الاستثمارات الصينية الهائلة الدول الأخرى -ومنها الهند- على أن تحذو حذوها. وتعمل الصين -في الوقت نفسه- على تغيير شروط ارتباطها، وتزيد من روابطها الاقتصادية لتعزيز العلاقات السياسية والعسكرية مع آخرين مثل: تركيا، وروسيا اللتين تتطلعان لفعل الشيء نفسه. ويتحدث أليكس فاينز من تشاتام هاوس عن «تدافع جديد من أجل أفريقيا».

ويدرك الأفارقة الفرق الكبير بين مقاربات الحاضر، ومقارنات السباق الأوروبي؛ من أجل الاستحواذ على المستعمرات في أواخر القرن التاسع عشر، فصحيح أن الموارد التي يحتاجها المستعمرون ما تزال مغرية، لكن المتسابقين الجدد يريدون أكثر من مجرد حصة مما تملكه أفريقيا. فإنهم يريدون حصة فيما تحاول بناءه الآن، كاقتصادات ومكانة عالمية متنامية لثاني أكبر قارة في العالم من حيث عدد السكان، التي تقع بين اثنين من محيطات الارض الثلاثة العظيمة.

ويشير هذا الى أن القارة السمراء ستصبح مرتعاً للتنافس الدولي، وقد تحدّث مستشار الأمن القومي في الولايات المتحدة جون بولتون -في خطاب ألقاه في كانون الأول الماضي- عن هذا الموقع كموقع لعصر جديد من «تنافس القوى العظمى»؛ غير أن مثل هذا التنافس لا يجب أن يكون بلا  محصلات. وتميل استثمارات البنية التحتية إلى تحقيق الفائدة للقادمين جميعهم، وليس فقط المستثمرين. والأهم من ذلك كله، أنه سيعود بالفائدة على الأفارقة، وعلى الرغم من أن سباق المتنافسين الجدد سيكون محتدماً، إلا أنه لا يمكنهم أخذ كل شيء، إذ يجب إعطاء الأولوية للدول الأفريقية التي هي اللاعب الأساس في اللعبة، وسيكون أسلوبها في اللعب عاملاً حاسماً في مدى وفاء القارة السمراء بالأمل الذي يراه الغرباء فيها.

لقراءة المزيد اضغط هنا