تلتئم لجنة المراقبة في العاصمة الأذرية باكو يوم الإثنين، وستنظر في مسألة الامتثال لخفض الإنتاج. الصورة: AFP

روبن ميلز: الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.

لقد كان الاتفاق بين الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك ودول أخرى من غير الأعضاء إنجازاً ذا ميزة كبيرة، إذ تسبّب الالتزام بخفض الإنتاج بعودة المخزونات الفائضة إلى مستوياتها الطبيعية؛ فانتعشت الأسعار من مستوى منخفض بلغ (28) دولاراً للبرميل الواحد في كانون الثاني (2016) إلى ما يقرب من (80) دولاراً للبرميل في تشرين الثاني؛ وهنا يبرز سؤال مهم: هل يقوّض نجاحُ الاتفاقِ الاتفاقَ نفسَهُ؟

حينما بدأ سعر النفط في الانخفاض نهاية العام (2014) بتوجيه من وزير النفط السعودي -آنذاك- علي النعيمي، أدركت أوبك أن الوقت قد حان لخوض غمار حرب الأسعار، وقد حدث ذلك لأن السعودية رفعت سقف الإنتاج وكثَّفت الركود؛ بهدف تحويل الاستثمار بعيداً عن النفط الصخري والدول الأخرى المنتجة للنفط خارج أوبك، وكان النعيمي يستخدم طريقة بداية ثمانينيات القرن الماضي حينما أدّت محاولات المملكة زيادةَ الأسعار بخفض الإنتاج من دون ضمان دعم الدول الأخرى المنتجة للنفط إلى تخفيض صادراتها بنحو كبير.

لقد غيَّرت السعودية نهجها في عام (2016)، واُستُبدل النعيمي بوزير جديد هو خالد الفالح الذي نجح في تشكيل تحالف مع روسيا؛ وهو ما شجع بدوره إيران ومجموعة من الدول غير الأعضاء في أوبك -من ضمنها سلطنة عمان- على تخفيض الإنتاج بنحو منسّق؛ وأدّى ذلك إلى تقليل مخاوف السعودية التي تعتقد أنها ستتحمل الكثير من العبء، أو أنها قد تفقد حصتها في السوق لصالح منتجين من خارج أوبك؛ لكن تبيّن فيما بعد أن الطريق أطول وأصعب مما توقعته أوبك والمتحالفون معها وإن كانت المخزونات قد انخفضت إلى مستويات قياسية في العام الماضي، وانتعشت الأسعار من جديد.

وعلى الرغم من ذلك، ذهبت عوامل أخرى لصالح هذا التحالف أيضاً، إذ بات الاقتصاد العالمي -بعد التراجع في عام 2016- أقوى إبّان المدة (2017-2018)، وساعد التأثير اللاحق للأسعار المنخفضة في زيادة الطلب على النفط. وساعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -إيقافَ العمل بالاتفاق النووي مع إيران، وإعادةَ فرض العقوبات- في سحب جزء كبير من النفط الإيراني من السوق ابتداءً من منتصف العام (2018)، وسيزداد الأمر سوءاً في حال انخفض إنتاج فنزويلا في الأشهر القليلة المقبلة، فيما يصطدم إنتاج ليبيا المتقلب بقدرات قابلة للاستخدام، بينما تعاني نيجيريا من حقل جديد من المياه العميقة، ولم يتأثر الإنتاج الجزائر بالاحتجاجات الواسعة في البلاد، أما في العراق -الذي يلتزم بخفض الإنتاج- وكزاخستان فهما المنتجان الرئيسان الوحيدان اللذان اختارا تجاوز كمياتهماالمحددة.

لقد بلغت حصة أوبك في سوق النفط العالمية في عام (2016) (38.7%)، وفي حال تمسّكت بالاتفاق في العام (2019) فسيبقى الإنتاج عند مستويات شهر شباط، وستعوّض السعودية ودول أخرى أيَّ خسائر أخرى بسبب توقف إنتاج إيران وفنزويلا، وستنخفض هذه الحصة إلى (35.1%) بحلول الربع الأخير من هذا العام. وفي الوقت نفسه تخلت روسيا -المستفيد الرئيس الآخر من الاتفاق- عن حصتها في السوق، في حين ساعدت الأسعار المرتفعة في زيادة حفارات النفط الصخري، وتلك هي كلفة رفع الأسعار إلى مستوياتها الحالية عند (67) دولاراً للبرميل، وهو لا يكاد يلبي طموح الكثير من المنتجين الرئيسين.

ومع أن الأسعار قد تتقلّب من جديد، وقد ترتفع في بعض الأحيان بسبب اضطرابات الإنتاج في أماكن أخرى، لكن سيتم الدفع بالسعودية وحلفائها لاستخدام مخزوناتهم الاحتياطية للتخفيف من تلك الاضطرابات، ولاسيما في ضوء مشروع قانون (لا لكارتلات (مواثيق) إنتاج النفط وتصديره NOPEC) الذي يشق طريقه إلى الكونغرس الأمريكي، والذي يهدد برفع دعاوى لمكافحة احتكار المنتجين.

وتشير أحدث توقعات الوكالة الدولية للطاقة إلى ارتفاع معدل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة تدريجياً حتى العام (2024)، لكنّ المصدرين الآخرين من خارج أوبك -ولاسيما البرازيل وغايانا- سيرفعون إنتاجهم؛ لأنهم يتوقعون انخفاض الطلب تدريجياً.

قد تبدو نظرة الوكالة الدولية للطاقة -بعد العام 2024- أكثر تفاؤلاً، إذ تتوقع تباطؤ استخراج النفط الصخري الأمريكي إلى أن يتوقف في النهاية. وحتى مع افتراض ذلك -وافتراض أن استخراج النفط الصخري لن يحدث في دول أخرى- فإن الطلب على النفط سيواجه بحلول ذلك الوقت موجات عكسية متزايدة ابتداء بإنتاج السيارات الكهربائية، وتشديد الإجراءات في حملة التغيّر المناخي.

ومن المقرر ألّا يرتفع إجمالي الطلب على نفط أوبك على الإطلاق حتى العام (2024)، وقد لا يتجاوز ذلك بكثير، وسيحصل أعضاؤها على بعض التخفيف المحدود؛ لأن الزيادة في خام النفط الصخري الخفيف تعزز الأسعار النسبية للأصناف المتوسطة والثقيلة، فيما سيقابلُ الارتفاع المحتمل في أسعار النفط في نهاية هذا العام ظهور لوائح جديدة للوقود البحري وانخفاضاً في مستوى الطلب.

وستكون الإغاثة الاقتصادية نسبية لصالح الدول الأقوى في المجموعة، وليس للمصدرين ككل. ويجب أن تكون دولتا العراق والإمارات العربية المتحدة قادرتين على زيادة الإنتاج ضمن الحد الأقصى الإجمالي، مع الحصول على حصة سوقية من نظرائهما الأقل حظّاً. ويمكن للمملكة العربية السعودية أن تزيد الإنتاج، لكنها لن تفعل ذلك إذا بقيت ملتزمة بإدارة السوق، فيما تمثل فنزويلا الجانب السلبي الوحيد لأسعار النفط، إذ إن من شأن حكومة جديدة أن تكون قادرة على التهيئة لبعض عمليات الإنعاش في قطاع النفط. ومما ذُكر آنفاً فإن منظمة أوبك تحتاج -بجانب إدارة السوق الناجحة- إلى رؤية، وهي: (إما الالتزام بخفض الإنتاج، وإما عدمه).


المصدر:

https://www.thenational.ae/business/energy/why-opec-may-be-squeezed-1.837921