تسعى روسيا إلى إقامة علاقات أقوى مع العراق منذ بدء ما يسمى بالربيع العربي في عام 2011، وتحرص على بنائها على بقايا ما كان ذات يوم تحالفاً قوياً بين الاتحاد السوفيتي والعراق خلال الحرب الباردة. لقد كان توق الكرملين لمغازلة العراق مدفوعاً باعتبارات أمنية ومصلحة اقتصادية ذكية، فضلاً عن الرغبة في البحث عن مكانة له في المنطقة الأوسع. وفي بعض النواحي، كانت الاستراتيجية الروسية ناجحة من حيث تحسّن التعاون الاقتصادي بين البلدين -ولاسيما في قطاعي الأسلحة والنفط- بنحوٍ ملحوظ منذ عام 2012. ومع ذلك، هناك عوائق واضحة أمام العلاقة الروسية-العراقية تمتاز بدرجة أكبر من العمق والاتساع، وتكون هذه العلاقة خاصة باعتماد العراق الأمني المستمر على الولايات المتحدة، وبعدم الاستقرار في البلد، فضلاً عن التنويع غير الكافي للاقتصادين الروسي والعراقي.

ينبغي لأي تفسير لسياسة روسيا الخارجية الأخيرة إزاء احتياجات العراق أن يأخذ بالحسبان أربعة دوافع تتمثل بالآتي:

(1)العلاقات التأريخية الروسية العريقة في ذلك البلد، بما في ذلك مع كردستان العراق.

(2)المصلحة الاقتصادية البراغماتية، ولاسيما في القطاعات الهيدروكربونية والعسكرية-الصناعية.

(3)الاصطفاف الروسي مع نظام بشار الأسد وإيران في الحرب الأهلية السورية، الذي حدّ من استراتيجية روسيا في المنطقة على نطاق واسع، وعلاقتها العسكرية والأمنية مع بغداد تحديداً.

(4)إعادة توجيه السياسة الخارجية الأوسع لموسكو منذ عام 2014 نحو السعي إلى تحالفات مرنة، ووضع تصور للاتحاد الروسي كقوة عظمى على قدم المساواة مع الولايات المتحدة.

ومن أجل تفكيك هذه المجموعة من الدوافع، تقدّم هذه الورقة السياسية خلفية تأريخية تشرح طبيعة المصالح السوفيتية والروسية في العراق قبل الغزو الأمريكي عام 2003، وباستكشاف كيفية سعي القيادة الروسية إلى إنقاذ نفوذها السياسي والاقتصادي مع بغداد بعد هذه المرحلة. ويمضي القسم الثاني قدما عقداً من الزمن، ويحلل إلى أي مدى نجحت «العودة» الروسية إلى العراق، من خلال التركيز على الأمن والتعاون الاقتصادي بنحوٍ خاص.

وتناقش هذه الورقة سياسة روسيا نحو العراق التي تراها مدفوعة -في الغالب- ببراغماتية بارعة، ورغبة في تعزيز نفوذها مقابل اللاعبين الإقليميين الآخرين والغرب، ولاسيما حينما تخص الأمر مبيعات الأسلحة، وعلاقات موسكو مع حكومة إقليم كردستان. ومع ذلك، لا يرى أي طرف الآخر كشريك استراتيجي، واذْ تتفهم روسيا القيود المفروضة على التعاون الاقتصادي مع العراق، فضلاً عن التأثير القوي لكل من الولايات المتحدة وإيران في ذلك البلد. وستُظهر هذه الورقة إن «الضجة» الأخيرة حول «عودة روسيا إلى الشرق الأوسط» في التحليلات النقدية الغربية تنطبق على العراق بطريقة محدودة جداً في أحسن الأحوال، فسياسة روسيا في العراق تجسد سعي موسكو البراغماتي إلى إقامة علاقات مرنة في الشرق الأوسط، تدعمها المصالح الاقتصادية والاهتمام بالنظام والاستقرار، ولكنها مصاغة باهتمام شديد لتجنب أي نفور لا مبرر له من الجهات الفاعلة الأخرى المهمة لموسكو.

لقراءة المزيد اضغط هنا