تمثّلُ المشاريع الصغيرة والمتوسطة العصبَ الاقتصاديّ في البلدان المتطورة كونَها تستثمرُ ما لديها من طاقات بشرية في مختلف المشاريع الاقتصادية؛ وهذا الاستثمار يؤدّي إلى بناء اقتصاديات قوية بعيداً عن اعتماد المواطن على الحكومات ووظائف الدولة، وحين ملاحظة اقتصاديات الدول العظمى والغنية، نجد أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكّل معظم الكيانات الاقتصادية العملاقة وتوفّر الكثير من فرص العمل.

ويعرّف البنك الدولي المشروع الصغير بأنه المشروع الذي يتكون من عشرة عاملين أو أقل، فيما يشتمل المشروع المتوسط على خمسين عامل كحد أعلى. وتسعى الدول النامية إلى تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر تشريع حزمة من المحفزات الاستثمارية لتقوية الاقتصاد وتوفير فرص العمل.

والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: كيف يتمكّن الجيل الجديد من إنشاء المشاريع الصغيرة أو المتوسطة والابتعاد عن العمل في مؤسسات الدولة؟

في حقيقة الأمر هناك حاجة ماسة أكثر من ذي قبل إلى مبادرات في ظل ترهُّل مؤسسات الدولة بالموظفين من أجل تشجيع الشباب للتوجه إلى القطاع الخاص، ولكن على الشباب أن يعتمدوا على أنفسهم في البحث عن الفرص من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية، كيف يستطيع الشباب العمل خارج القطاع الحكومي، وخلق فرص المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟

فهنا تقوم الحكومة بواجبها في التوجيه على المشاريع التي تحقق الأرباح فيما يتمكّن المشروع من الاستمرار، وفي الوقت نفسه يقدم خدمة للمجتمع. ومن المهم ألّا تكون خطط تلك المشروعات الصغيرة عشوائية أو عديمة الفائدة أو ذات نتيجة سريعة المفعول لمدة قصيرة، بل يجب أن تكون ناجحة ومفيدة لسنوات طويلة وأن تحلَّ المشكلات الاجتماعية.

ومن ضمن هذه الفرص قطاع تدوير النفايات؛ إذ يعدُّ هذا المشروع من المشاريع الربحية، حيث يمكن الحصول على معظم المواد الخام بالمجان أو بأسعار زهيدة؛ مما يعني البدء برأس مال يسير مقارنة بالأرباح التي يمكن الحصول عليها من هكذا مشروع، وغني عن القول إن المشروع يحافظ على البيئة ويخلصها من أكوام النفايات.

إن تدوير النفايات من المشروعات ذات الأرباح العالية في حال استخدام المعدات في عمليات الفرز والتدوير، ولكن في حالة إنشاء مركز تدوير بدائي قائم على الأيدي العاملة فقط دون وجود معدات ومكائن فإن الطاقة الإنتاجية ستكون أقلّ، وتسبّب حالة من الفوضى والتلوث البيئي.

وهنا نقترح إطلاق برنامج لتشجيع القطاع الخاص للعمل في تدوير النفايات عبر تقديم بعض التسهيلات المالية والإجرائية لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وحين مراجعة تجارب القطاع الخاص لبعض الدول مثل بريطانيا، نرى أن بعض الشركات الصغيرة نمت وتحوّلت إلى شركات كبيرة خلال الزمن وحققت أرباحاً كبيرة في إدارة المخلفات.

وإن مثل هذا البرنامج يعمل على تدوير المخلفات في الأقسام الآتية:

  • القسم الأول إعادة تدوير نفايات الورق، والورق المقوّى لملايين الأطنان كل عام.
  • القسم الثاني إعادة تدوير البلاستيك، حيث إن هناك عشرات الأنواع التي هي في معظمها قابلة لإعادة التدوير.
  • القسم الثالث إعادة تدوير المعادن لاستخدامها في المستقبل، مثل الحديد، والصلب، والألمنيوم، والنحاس، والفولاذ المقاوم للصدأ.
  • القسم الرابع إعادة تدوير الأخشاب غير الملوثة، مثل المنصات الخشبية، وصناديق الخشب، والألواح، والخشب الرقائقي، والأثاث.
  • القسم الخامس إعادة تدوير الزجاج غير الملوث والمناسب لإعادة المعالجة، مثل: القناني الزجاجية، وزجاج النوافذ، وغيرها.
  • القسم السادس إعادة تدوير المنسوجات التي تشكل مئات الآلاف من الأطنان سنوياً إن لم تكن أكثر، التي يتم التخلص منها كل عام، مع أن كثيراً من المنسوجات التي ترمى قابلة لإعادة التدوير والمعالجة.
  • القسم السابع إعادة تدوير الأنقاض الصعبة مثل طوب البناء إلى مواد قابلة للاستخدام من جديد، وهذه الأنقاض الصعبة في المنشآت الصناعية ومواقع البناء والهدم، التي تحمل في عربات إلى مراكز إعادة التدوير، حيث يتم سحقها ثم إنتاجها من جديد للحصول على درجات مختلفة من الركام، ويعاد استخدامها في مواقع البناء.
  • القسم الثامن إعادة تدوير النفايات الكهربائية والإلكترونية.
  • القسم التاسع إعادة تدوير البطاريات؛ كونها من النفايات الصناعية الخطرة التي يجب التخلص منها بنحو سليم.
  • القسم العاشر المصابيح الكهربائية، التي تعدُّ أيضاً من النفايات الخطرة؛ بسبب احتواء جميع المصابيح على زئبق ضار بالبيئة، فيجب التخلص منها بإزالة الزئبق من المصابيح، ويمكن إعادة تدوير الزجاج بالكامل.
  • القسم الحادي عشر إعادة تدوير نفايات إطارات السيارات، وذلك بتقطيع الإطارات. وتستخدم نشارة المطاط كغطاء أرضي في الملاعب والمواد السطحية للميادين الرياضية، ويستفاد منها في صنع الحصير المطاطي، والمطبات السريعة، وغيرها.
  • القسم الثاني عشر إعادة تدوير النفايات الغذائية، وتحويلها إلى أعلاف وأسمدة زراعية؛ فعلى سبيل المثال: تعمل شركات تدوير النفايات في آيرلندا على إعادة تدوير المخلفات الغذائية، ومعالجة عشرات الآلاف من النفايات الغذائية العضوية التي كانت تطمر في الماضي، وتنتج هذه الشركات سماداً زراعياً عاليَ الجودة لاستخدامه في الزراعة.

شراء النفايات القابلة لإعادة التدوير

         تَكمُن المشكلة الأساسية في كيفية إلزام الناس برمي النفايات في الحاويات المجهزة، أو في إلزام عاملي جمع القمامة بالمرور على المنازل والمناطق التجارية لتجميع القمامة، الذين قد لا يلتزمون بالتعليمات كما هو مطلوب؛ فحينها يكون المواطن أو صاحب العمل مضطراً إلى إلقاء النفايات في أقرب موقع لتجميع القمامة. وفي حال غياب روح المسؤولية تُلقى المخلفات في أي مكان، وتتحوّل بعض الأماكن المفتوحة في المناطق السكنية أو في الشوارع العامة إلى مكبٍّ كبير للنفايات.

لذا فإن الحلَّ الأمثلَ يَكمُن في شراء المخلفات المذكورة آنفاً بأسعار زهيدة، لغاية واحدة وهي إفادة جميع الأطراف (المواطن، وشركة تدوير النفايات، والبيئة، والاقتصاد)؛ وهنا نتحدث عن برنامج حكومي ينظم مشاريع القطاع الخاص في إعادة تدوير النفايات بأنواعها المختلفة.

وما يحتاج إليه أصحاب هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة هو حصولهم على عربات جمع القمامة حتى وإن كانت مستخدمة، وتحديد موقع لتخزين القمامة وفرزها على وفق الضوابط الصحية، والتعامل مع النفايات غير القابلة للتدوير بتسليمها إلى المؤسسات الخدمية المختصة الحكومية أو الخاصّة للتخلص منها بنحوٍ صحيح.

ويمكن أن يتضمن هذا البرنامج الحكومي تقديم التسهيلات لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الحصول على مواقع التخزين والفرز والتدوير، وتقديم عربات جمع النفايات ومكائن إعادة التدوير بأسعار مخفّضة أو ضمن جداول قروض مالية، وإعفاءات ضريبية لمدة محددة من الزمن.

وتُبنى فكرة هذا البرنامج على تثقيف السكان على فرز النفايات حسب الأنواع في أكياس أو صناديق، مثلاً وضع المواد البلاستيكية في كيس والمواد الخشبية في صندوق والزجاجيات في حاوية وهكذا. ثم تحديد مواعيد ثابتة يقوم فيها مندوب الشركة الخاصة بالمرور على المنازل والمقارّ التجارية؛ لجمع النفايات وسداد قيمة كل كمية من الأنواع المختلفة من المخلفات. وفي الوقت نفسه، إنشاء مراكز في كل منطقة لشراء المخلفات من السكان والمحال التجارية؛ ويتولّى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الترويج لأعمالهم، وتعريف الناس بأسلوب جمع النفايات الجديد عبر الأقسام الأحد عشر السابقة، ويترك البرنامج الحكومي مسألة أسعار بيع المخلفات للشركات لتدخل في تنافس يخدم المواطن. وليس بالضرورة قيام كل شركة بجمع جميع أنواع مخلفات الأقسام الأحد عشر للتدوير؛ لأن ذلك يعدُّ أمراً صعباً للشركات الصغيرة والمتوسطة، ولكن يمكن تخصيص الشركات الصغيرة في قسم واحد فأكثر.

إن مكائن إعادة التدوير قد حققت قفزات في الكفاءة فضلاً عن توفير التكلفة والطاقة، حيث أصبحت معدات الفرز والتجهيز أسرع وأكثر متانة ويمكنها التعامل مع مواد أكثر من أي وقت مضى، وانخفضت التكاليف المرتبطة بمعالجة المواد القابلة للتدوير بنحوٍ ملحوظ؛ بسبب كمية السلع التي يمكن معالجتها في الدقيقة.

والجدير بالذكر أن هناك دولاً تستورد النفايات مثل الصين، والسويد، وألمانيا، وبلجيكا، وهولندا، فيما يعرف بشحنات اﻟﻨﻔﺎﻳﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ. وعلى سبيل المثال: تمتلك السويد كثيراً من مراكز تحويل القمامة إلى طاقة، وتحوّل الشركات السويدية معظم النفايات إلى وقود لتوليد الطاقة خلال الشتاء الطويل، حيث إنها لا ترمي أي مخلفات قابلة للحرق في المكبات.

ومما لا شكَّ فيه أن إعادة تدوير النفايات ثروة اقتصادية كبيرة تعود على البلد بنتائج مفيدة، وفي تقرير لوكالة حماية البيئة الأمريكية يكون لإعادة تدوير طنٍّ من النفايات له تأثير إيجابي مضاعف في الاقتصاد بدلاً من الدفن في الأرض، إذ إن إعادة تدوير طن إضافي من النفايات يعني مزيداً من المرتبات والأجور، ومزيداً من السلع والخدمات. وفي ولاية كاليفورنيا -ذات الأربعين مليون نسمة تقريباً- هناك ٥٣٠٠ شركة تدوير مخلفات يعمل فيها ٨٥ ألف عامل، وتدرّ نحو أربعة مليارات دولار أجور ومرتبات سنوياً، وتنتج زهاء عشرة مليارات دولار من السلع والخدمات. وفضلاً عن خلق مزيد من فرص العمل وزيادة النشاط الاقتصادي على المستوى المحلي، فإن إعادة التدوير تجلب نحو ٢٠٠ مليون دولار سنوياً عائدات من ضريبة المبيعات في كاليفورنيا، وهذه الأموال تساعد الحكومة المحلية في تمويل برامج الخدمات العامة كالخدمات الصحية والاجتماعية وتحسين وسائل النقل.