محمد كاظم سجادپور، أستاذ العلاقات الدولية، رئيس مركز التعليم والبحوث الدولية التابعة لوزارة الخارجية وعضو أقدم في لجنة “ايراس” العلمية.

كيف يمكن تحليل نهج كلٍّ من إيران وروسيا تجاه النظام الدولي ودراسته؟ يعد هذا التساؤل حيوياً وأساسياً للمحققين والعاملين في شؤون السياسة الخارجية والعلاقات الدولية؛ بسبب مكانة هذين البلدين من جهة، وأيضاً بسبب نوع العلاقة التي تكونت حالياً بينهما من جهة أخرى؛ إلا أنه لا يمكن الإجابة عن هذا التساؤل بناءً على القوالب الجاهزة؛ فمن أجل الإجابة عنه ينبغي أن نأخذ بالحسبان أننا لا نواجه نظاماً دولياً منسجماً ومنظماً، إذ إن النظام الدولي ما يزال «في طور التكوين».

إن حالة «في طور التكوين» المذكورة آنفاً تعني أن اللاعبين الرئيسيين -ولاسيما اللاعبين الغربيين- بتحليلهم لأنواع المقولات المختلفة، والقراءات والروايات، واستخدام العديد من المفاهيم والمصطلحات، ينتجون النظام الدولي ويحولون مقولاتهم إلى خطابات سائدة في العالم بناءً على المصطلحات الشائعة في المنهجية الحديثة (الميثودلوجيا). وفضلاً عن ذلك علينا أن نلاحظ أن النظام الدولي لا يتشكل عن طريق البحوث والنقاش وطرح الروايات والحقائق، ويجب أن نأخذ القوى الملموسة والمؤثرة في المشهد المادي بالحسبان أيضاً؛ إذ ينبغي أن نعير أهمية للأفعال وردود الأفعال المستمرة بين مختلف الخطابات المتبادلة في النظام الدولي والأحداث القائمة على أرض الواقع بشكل متزامن؛ ومن هذا المنطلق، تبرز إلى الواجهة العشرات من القضايا الحقيقية المرتبطة بمنظومة القوى على المستوى العالمي لم يتبين مصيرها المحتوم، ولم تقدم مستقبلاً واضحاً؛ وبالتالي تتلخص النتيجة في أن النظام الدولي ما زال في طور الصيرورة، وهناك وقت طويل حتى بلوغ مرحلة الوضوح والتكوين.

ولا يعني هذا الخليط الدينامي ألا نتطرق إلى نهج كل من إيران وروسيا؛ بل إنه يمكن دراسة نهج هذين البلدين عن طريق مجموعة تصوراتهما، وخطاباتهما وسلوكهما فيما يخصُّ النظام الدولي عند تكوينه وتعريفه إلى حد ما. وحول النظام الدولي في البلدين يمكننا القول إن هناك اتجاهات مختلفة، وإن المحللين والعاملين في القضايا الدولية لديهم قراءات مختلفة. وعطفاً على المفاهيم الثلاثة الآتية: «استقطاب القوى في النظام الدولي»، و«دوائر القوى في النظام الدولي»، و«الإستراتيجيات المؤثرة في النظام الدولي» يمكننا تقديم صورة عن رؤية شائعة إلى حد ما للبلدين حول النظام الدولي. وبعد التحقيق في تلك المفاهيم الثلاثة سيتضح أن إيران وروسيا، تقدمان وجوه التشابه والاختلاف بين الرؤى تجاه النظام الدولي.

أ- استقطاب القوى في النظام الدولي: قبل كل شيء يجب أن نلاحظ أن مصدر استقطاب القوى الإيراني يختلف عن نظيره الروسي، فروسيا قوة عالمية في حين أن إيران قوة إقليمية؛ إلا أن لهذه القوة العالمية وتلك القوة الإقليمية طبقات وتعقيدات متعددة، فقد تحولت روسيا من أحد قطبي العالم إلى قوة عالمية؛ ولكن هذا التحول لم يكن بهذه السهولة، فخلال العقدين الأخيرين تخطت روسيا مساراً معقداً مليئاً بالعراقيل كي تصبح قوة عالمية، ثم وصلت إلى مرحلة الثبات النسبي في مكانتها هذه. وإن إيران تحوّلت من قوة إقليمية تابعة للغرب قبل الثورة الإسلامية، إلى قوة إقليمية مستقلة وفاعلة حالياً، وكان مسار إيران في الوصول إلى مكانتها كقوة -ولاسيما حجم إنتاجها الأمن المحلي دون الاعتماد على قوى خارجية- مليئاً بالشد والجذب.

وإلى جانب اختلاف المصدرين، يتحدث نهجا البلدين في استقطاب القوى في العالم، عن اشتراكات حيث إن مخرجهما المشترك معارضة النظام القطب الواحد والقوة العظمى، وأن للبلدين كذلك موقفاً مشتركاً تجاه نية الغرب في أن يكون قوة محورية ومركز الثقل، فهما يعارضان هذا الأمر، وفي المقابل كلاهما يدعمان خطاباً يروج لتعدد الأقطاب والقوى في النظام الدولي.

أما الظاهرة الأخرى التي تقرب البلدين إلى بعضهما من حيث الاستقطاب في النظام الدولي، فهي ضرورة الاهتمام بأورآسيا كونها أحد المراكز الرئيسة للقوى في النظام الذي سيتكون؛ فيجب وضع هذه النظرة إلى الاستقطاب في النظام الدولي مع عنصر آخر يُعرف باسم دوائر القوى.

ب- دوائر القوى في النظام الدولي: من البديهي أن تختلف عضوية إيران وروسيا في دوائر القوى بالنظام الدولي مع بعضها الآخر، فروسيا لديها عضوية دائمة في بعض المؤسسات القديمة والمتبقية من السابق كمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكن في مجال دوائر القوى يبدو أن كلا البلدين يعارضان الاتجاه الذي يريد تكوين دوائر جديدة برؤية احتكارية، في الوقت الذي لا تتطابق فيه جهود الغرب الرامية لاتساع الناتو وعولمته بمحورية تفوق اللاعبين الغربيين مع وجهات نظر إيران وروسيا؛ وبنحو عام لا ترغب طهران وموسكو بعولمة الأمن الذي يكون محوره الغرب والدوائر المرتبطة به.

من الواضح أن روسيا داخل الاتحاد السوفيتي السابق وخارجه تسعى إلى تأسيس مؤسسات مستقلة ومشتركة، ويعد اتحاد أورآسيا الاقتصادي المثال الأول ومنظمة شانغهاي المثال الثاني. وتعد وجهة نظر روسيا تجاه تعاون إيران مع هاتين المنظمتين إيجابية ومؤيدة بنحوٍ ملحوظ؛ ومع ذلك لا يمكننا أن نجزم أن روسيا تسعى جاهدة إلى انضمام إيران إلى هاتين المنظمتين. وتعد مجموعة بريكس (BRICS) مثالاً آخر حيث إن لها بقعة جغرافية أخرى وتتجاوز حدود أورآسيا التقليدية، ومع أن إيران في هاتين المنظمتين تعد عضواً مراقباً في منظمة شانغهاي، ولكن يبدو أنها راضية عن مكانة هاتين المنظمتين وانطلاقهما؛ وتراهما كرادع أمام الجهود من أجل احتكار دوائر القوى الدولية من قبل الغرب.

إن تحليل نهج كل من روسيا وإيران تجاه النظام الدولي يحتاج أن نصب اهتمامنا على استقطاب القوى، ودوائر القوى وإستراتيجيات القوى في النظام الدولي، وتشير جميع هذه الأمور إلى وجود أوجه اشتراك واختلاف بين روسيا وإيران؛ ومن أجل معرفة نهج البلدين تجاه النظام الدولي، علينا أن نهتم بالاستراتيجيات ولاسيما استراتيجيات اتخاذ القرار في النظام الدولي.

ج) الاستراتيجيات المؤثرة في النظام الدولي: لقد عارضت إيران وروسيا الاستراتيجيات الخارجة عن إطار الحقوق الدولية والرامية إلى اتخاذ القرار في القضايا الكبيرة والمهمة مثل الحرب والسلام في النظام الدولي؛ وفي هذا الصدد علينا أن نأخذ بالحسبان الأحداث التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011 وما بعده. ومع أن روسيا انضمت إلى قراري مجلس الأمن المرقمين بـ1970 و1973 الخاصين بليبيا، إلا أنها عارضت التفسير الذي دعمته الدول الغربية عن المفهوم المبتكر لمسؤولية الحماية (Responsibility to protect)، وقد شعرت روسيا بأنها تعرضت للخيانة.

لقد بينت التطورات في سوريا ومعارضة إيران وروسيا، التشابه في وجهة نظر هذين البلدين حول كيفية اتخاذ القرار في القضايا المهمة والمصيرية الدولية، وفضلاً عن اشتراك الرؤى، فإن للبلدين حسابات استراتيجية تقول إنه لا يمكن تغيير الأنظمة السياسية بقرار اتخذ في الخارج، ويعتمد هذا الموقف على مادة حقوقية من جهة وحسابات استراتيجية من جهة أخرى. وفي هذا الحساب الاستراتيجي لا يجب أن تكون حقوق الإنسان ذريعة للتدخل في الدول الأخرى بحيث يتم استغلالها من أجل تغيير الخريطة الجغرافية.

وملخص الكلام هو أن تحليل نهج كل من روسيا وإيران تجاه النظام الدولي يحتاج الالتفات إلى استقطاب القوى، ودوائر القوى واستراتيجيات القوى في النظام الدولي، وكل هذه الأمور تدل على أن هناك وجوه تشابه واختلاف بين روسيا وإيران. وإنْ كانت هناك شكوك وروايات مختلفة حول وجوه التشابه والاختلاف هذه‌، إلا أنه لا يمكن الشك في أن لروسيا بصفتها قوة عالمية وإيران بصفتها قوة إقليمية دوراً مؤثراً في تكوين النظام الدولي.


المصدر:

http://www.iras.ir/www.iras.irfa/doc/note/3501