ظهرت العديد من المقالات والآراء حول الكيفية التي تمكن من خلالها تنظيم داعش من النمو خلال الحرب الأهلية السورية؛ بسبب تدفق الأسلحة القادمة إلى البلاد من الجهات المانحة التي سعت إلى تقويض النظام السوري. إلّا أن هناك تقريراً جديداً أصدرته منظمة “بحوث في الصراع المسلح” (CAR) -وهي منظمة ممولة من قبل الاتحاد الأوروبي التي تتعقب أصول الأسلحة ووجهاتها في مناطق النزاع- قدم أدلة ثابتة حول كيفية تمكن التنظيم الإرهابي من الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة.

يسلط التحقيق -الذي استغرق إجراؤه ثلاث سنوات- الضوء على ثلاث نتائج مهمة تفسر كيف تمكن تنظيم داعش من الحفاظ على قوته العسكرية، وتتمثل هذه النتائج بما يأتي:

1) استولى تنظيم داعش على الأسلحة من جماعات المعارضة المسلحة السورية التي قدمتها لهم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والتي تضمنت عملية إعادة نقل الأسلحة بصورة غير مشروعة من قبل هاتين الدولتين.

2) أقام تنظيم داعش شبكة مشتريات متطورة امتدت إلى تركيا وهو ما مكنه من تصنيع عبوات ناسفة محلية الصنع على نطاق واسع.

3) اعتمد التنظيم الإرهابي بنحوٍ كبير على مصادر متنوعة للدفاع عن الأراضي المسيطر عليها ضد القوات العراقية؛ مما ساعده على تحقيق مكاسب إقليمية كبيرة، على الرغم من مصادرته كمياتٍ كبيرةً من عتاد القوات العراقية بعد سقوط الموصل.

ويعطي التقرير أيضاً تحليلاً لأكثر من 40 ألف مادة تم استردادها من تنظيم داعش بين عامي 2014 و2017، وقد تضمنت هذه المواد على: (الأسلحة، والذخائر، والمركبات الكيميائية التي استعملتها قوات التنظيم في تصنيع الأجهزة المتفجرة (IEDs).

إن ما يقارب نحو 90% من الأسلحة والذخائر المستردة من تنظيم داعش تم تصنيعها في الصين وروسيا ودول أوروبا الشرقية، في حين شكلت الأسلحة والذخائر القادمة من دول أعضاء حلف الناتو (NATO) نسبة تصل إلى أقل من 10% من المجموع الكلي، وعلى الرغم من أن هذه النسب تعد منخفضة نسبياً، إلا أن قوات تنظيم داعش قد تمكنت من الاستيلاء على كميات ضخمة من أسلحة دول الناتو في الهجمات الأولى على القوات العراقية عام 2014.

تعدُّ الأسلحة والذخائر القادمة من عملية إعادة الإرسال غير المصرح به -وهذا يشكل انتهاكاً للاتفاقيات التي تحظر بموجبها حكومة المورد إعادة تصدير الأسلحة من قبل حكومة متلقية دون موافقتها المسبقة- مصدراً مهماً لداعش، وقد وفرّت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية معظم ذلك العتاد دون إذن من الدول المصدرة لصالح قوات المعارضة السورية التي تم الاستيلاء عليها فيما بعد من قبل قوات تنظيم داعش، ويتألف العتاد من الأسلحة والذخائر التي اشترتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في أوروبا الشرقية.

وتظهر وثائق منظمة (CAR) أن أسرع حالة سجلت لعملية تسريب للأسلحة كانت للأسلحة الموجهة المضادة للدبابات (ATGW)، إذ صُنعَ هذا السلاح في الاتحاد الأوروبي، وقد بيعَ إلى الولايات المتحدة، ومن ثم تم توريده إلى أحد الأطراف في النزاع السوري، ونُقِل بعد ذلك إلى قوات داعش في العراق، وأخيراً تم توثيقه من قبل فريق التحقيق الميداني لمنظمة (CAR) بعد استرداده من قوات التنظيم الإرهابي. والجدير بالذكر أن هذه السلسلة الكاملة من التنقلات حدثت في غضون شهرين فقط من تأريخ خروج السلاح من المصنع.

وبحسب ما اطلع عليه الفريق الميداني لمنظمة (CAR) فقد استردت الشرطة الاتحادية العراقية أنبوب صواريخ بلغاري المنشأ من طراز 9M111MB-1 ATGW من تنظيم داعش خلال معركة الرمادي في الفترة من (25 تشرين الثاني 2015) لغاية (9 شباط 2016)، وقد وثقت المنظمة هذا السلاح في (18 شباط 2016)، فيما أكدت بلغاريا أنها قامت بتصدير الأنبوب في (12 كانون الأول 2015) إلى وزارة الدفاع الأمريكية من خلال التعامل مع شركة أمريكية، وتم إدراج بند في العقد بالحصول على التزام من الولايات المتحدة بأنها ستكون المستعمل النهائي لهذا السلاح.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ كلاًّ من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية قد وقعتا على عقود تنصّ على أنهما المستعمل النهائي للأعتدة، والالتزام بعدم إعادة نقل العتاد دون موافقة مسبقة من الحكومة الموردة، إلا أنّ الدول المعنية لم يتم إخطارها قبل إعادة نقل العتاد. وإن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هم الأطراف الموقعون على معاهدة تجارة الأسلحة، التي يندرج ضمن بنودها عدم إعادة نقل العتاد دون إخطار مسبق.

وفي حين أن الظروف الدقيقة للإمدادات المباشرة عبر الحدود السورية ليست واضحة تماماً، غير أنّ كلاًّ من الحكومتين الأردنية والتركية قد عملتا كوسيط في تمرير الأسلحة التي اشترتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. وتشير المعلومات الأولية إلى أن تنظيم داعش قد حصل على العتاد عبر وسائل متنوعة، بما في ذلك الاستيلاء على السلاح الملقى على أرض المعركة؛ لكن لا تستبعد منظمة (CAR) حدوث الإمداد المباشر لقوات التنظيم من الأراضي الأردنية والتركية، ولاسيما مع تواجد جماعات معارضة مختلفة.

وفضلاً عما ذُكر آنفاً إلاّ هناك جزء كبير من العتاد الذي استردَّ من قوات داعش تظهر الأدلة وجود أطراف حاولت إخفاء مصدره؛ من طريق إزالة الذخائر من صناديقه الأصلية التي من شأنها أن توفر معلومات الشحن، أو من خلال إزالة علامات صانعي العتاد المحفورة على السلاح؛ وتعدُّ هذه الأنشطة دليلاً على محاولات متعمدة من قبل بعض الجهات لإخفاء مشاركتها في عملية توريد الأسلحة إلى العراق وسوريا، على الرغم من أنَّ كلا البلدين لا يخضعان لحظر الأمم المتحدة على توريد الأسلحة.

وقد وثّقت منظمة (CAR) كميات كبيرة من المركبات الكيميائية التي استعملها تنظيم داعش في إنتاج المتفجرات والوقود المدفعي للقذائف، وتم تصنيع العديد من تلك المركبات في المصنع نفسه، أو تم توريدها بواسطة الموزع نفسه، وكان التنظيم -في الوقت نفسه- يشتري المركبات بكميات ضخمة من مصادر مختلفة. وقد برزت تركيا كونها المصدر الرئيس للمركبات الكيميائية المتفجرة ولمجموعة من المواد المساعدة الأخرى التي ساعدت التنظيم في تصنيع العبوات الناسفة والأسلحة المرتجلة وذلك في فترة إجراء منظمة (CAR) للتحقيق.

إن حقيقة استيلاء تنظيم داعش على كميات ضخمة من الذخائر من القوات الحكومية العراقية والسورية ليست أمراً جديداً، إلا أنّ وجود ذخائر تم إنتاجها مؤخراً في العتاد المسترد يقدم مؤشرات أوضح لمصادر إمداد إضافية، ولاسيما في السنوات التي تلي عام 2014 حينما تراجع تقدم التنظيم ولم يستطع الوصول إلى كميات كبيرة من العتاد من القوات العراقية المحاربة. وتؤكد هذه النتيجة -إلى جانب النتائج الرسمية التي توصلت إليها منظمة (CAR)- أن قوات داعش لجأت تدريجياً إلى مصادر بديلة للذخائر في أثناء فترة النزاع، ولاسيما الإمدادات الأجنبية المخصصة لقوات المعارضة السورية التي قامت بنقلها في وقت لاحق إلى العراق لاستعمالها ضد القوات العراقية في دفاعها عن مدن مثل الفلوجة والموصل والرمادي.

وختاماً، يقدم هذا التقرير الأدلة الأكثر شمولية لدعم النظرية التي تنصُّ على أنّ تنظيم داعش كان قادراً على النمو والازدهار في العراق بسبب التدفق الهائل للأسلحة إلى سوريا من قبل الجهات الفاعلة التي سعت لإسقاط النظام السوري، ولا بدَّ من معالجة فشل المجتمع الدولي في فرض ضوابط أشد حول عملية شراء الأسلحة وتوزيعها لتجنب أخطاء الماضي.