يعدُّ النفطُ واحداً من أهم المصادر المتعددة للطاقة، ولعمليات إنتاجه وتسويقه ونقله على النطاق العالمي تبعاتٌ سياسية واقتصادية كبيرة، وتأثيرٌ في مصالح جهات وأطراف كثيرة، أهمها الدول المنتجـة والدول المستهلكة؛ وهنا دائماً نرى إلى أنّ هذه الأطراف تتـوخى الوصول إلى توازن يحقق مصالحها، ولكن هناك بعض الأطراف اعترتهـا عدة تطورات بشأن بيع النفط، حيث احتدم الصراع بين بعض هذه الأطراف واتخذ كلٌّ منها اتجاهات وسياسات مختلفة في المنطقة اليوم، ولا شكّ في أنّ الاستقرارين الأمني والـسياسي عاملان حاسمان في نجاح جهود توسيع القدرة الإنتاجية في الدول المنتجة. ونستعرض هنا كيف بدأت إيران في تصدير الغاز إلى العراق؟ وما الكميات التي من الممكن أن تصدرها في المستقبل؟ فضلاً عن عودتها أسواق الطاقة وأهم الفرص والتحديات التي ستواجهها في المستقبل.

العراق يبدأ استيراد الغاز من إيران

بدأ العراق استيراد الغاز من إيران منذ أواخر حزيران للعام 2017 من محطة نفط شهر، وحصل العراق حتى الآن -كونه أحدث مشترٍ للغاز الإيراني- على 1.2 مليار متر مكعب من الغاز من خط أنابيب تصديره إلى بغداد؛ وبهذا يعد العراق ثاني أكبر مشتر للغاز الإيراني باستيراد يبلغ نحو 14 مليون متر مكعب يومياً، وتأتي تركيا في المرتبة الأولى باستيراد يبلغ نحو 30 مليون متر مكعب يومياً.

وقد أكد المدير العام لشركة نقل الغاز الإيرانية سعيد توكلي أن إيران وقعت على عقدين لتصدير الغاز، أحدهما للعاصمة العراقية بغداد والآخر لمحافظة البصرة، قائلاً: “إن إيران تخطط لتصدير ما يصل إلى 25 مليون متر مكعب من الغاز إلى بغداد كل يوم، وتمرير الغاز الإيراني إلى محافظة البصرة”، موضحاً أنه قد تم تجهيز محطة شلمجة الإيرانية لهذا الشأن، وأنّ أنبوب أهواز-شلمجة قد مُلئ بالغاز فعلياً، وأنّ عملية التصدير للبصرة ستنطلق بمجرد إعلان الجانب العراقي استعداده، مؤكداً أنّ تصدير الغاز الإيراني للبصرة سيبلغ حتى مستوى 25 مليون متر مكعب يومياً على غرار بغداد”.[1] 

تعليق تنفيذ مشاريع مد أنابيب الغاز الإيراني إلى العراق

كان سيناريو خط الأنابيب الإيراني متذبذباً بعض الشيء على ضوء المحادثات العراقية-الإيرانية في السنوات الماضية 2013 و2014، التي عومت فكرة أنه بإمكان إيران أن تزود خط أنابيب محطة نفط (شهر) ومحطة (شلمجة) المقترح آنذاك، لكن الوضع الأمني حال دون ذلك.

وقيل آنذاك إن مشروع خط الأنابيب العراقية-الإيرانية مٌنِيَ بالفشل؛ لأن الوضع الأمني لم يسمح للإيرانيين الاستمرارَ في العمل، لكن هناك تفسيرات أكثر واقعية؛ ففي العام 2014، أعلنت إيران تعليق تنفيذ مشاريع جديدة لإنتاج الغاز الموجه نحو التصدير، وذلك بعد تسجيل بطء في إنتاج حقل فارس الجنوبي من الغاز.

وتمتلك إيران احتياطات غاز ضخمة في المنطقة إلى جانب مواردها النفطية، لكن الإنتاج واجه صعوبات في الحفاظ على وتيرته مع ازدياد الاستهلاك المحلي، بحيث يذهب نصف الغاز الإيراني إلى الاستهلاك المنزلي، و21% إلى توليد الطاقة، و18% إلى الاستخدام المعامل الصناعية في البلد، بما في ذلك إنتاج البتروكيماويات. وتعد إيران رابع أكبر سوق للغاز الطبيعي في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، مع ذلك فهي بالكاد تكفي لمواجهة النمو في الطلب. وقد تضاعف استهلاك الغاز تقريباً إلى 191.2 مليار متر مكعب في العام 2015 من 102.7 مليار متر مكعب في العام 2005، على وفق إحصاءات أعدت من قبل شركة بريتيش بتروليوم، في حين ارتفع الإنتاج خلال الفترة نفسها إلى 192.5 مليار متر مكعب من 102.3 مليار متر مكعب.

أما الجانب الإيراني فيرى غير ذلك، حيث أفاد مساعد وزير النفط الإيراني حميد رضا عراقي بأنه: “على وفق التقديرات ذات الصلة، يتوقع أن يبلغ إجمالي حجم صادرات الغاز الإيراني بنهاية الخطة التنموية السداسية 80 مليار متر مكعب سنوياً؛ وتعتزم إيران تخصيص 50 مليار متر مكعب من هذا العدد بصادرات الغاز إلى دول الجوار”[2].

ويرى خبراء النفط أن سنوات العقوبات على إيران أعاقت تطوير مشاريع الغاز، وبعد رفع بعض العقوبات منذ الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة “5+1”  بدأت مرحلة جيدة في تطوير هذه المشاريع ومنها سوق العراق.

إيران تتخطى مشكلات تصدير الغاز

تخطت إيران في الأشهر الأخيرة لهذا العام مشكلات تصدير الغاز عبر خط أنابيب محطة نفط شهر إلى العراق، وهي خطوة جعلت إيران في المرتبة 15 على قائمة أكبر المصدرين في العالم، بزيادة سبع نقاط على مرتبتها السابقة. ومن ناحية أخرى تدرس إيران مدَّ خطوط أنابيب إلى سلطنة عُمان وباكستان والهند وبلدان أخرى، وفي حديث لمدير التسويق والبيع والأبحاث الاقتصادية في الشركة الوطنية لتصدير الغاز الإيرانية علي أميراني قال: “إن شركة تصدير الغاز الإيرانية وشركة sage الهندية أبرمتا اتفاقية مبدئية لإنشاء شبكة أنبوب الغاز في المياه العميقة لبحر عمان، مشيراً إلى أن تكاليف بناء هذه الشبكة ستتراوح بين 4-5 مليارات دولار”، وإضاف: “أن طاقة هذه الشبكة في مرحلتها الأولى ستبلغ 31 مليون متر مكعب يومياً، ويمكن زيادة تصدير الغاز إلى الهند من خلال إنشاء شبكات مماثلة أخرى”، وأن خيار محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال العائمة، هي اعتماد مؤقت لتسييل الغاز التي عملت عليها إيران في الوقت السابق.

الكميات الجديدة من بارس الجنوبي

قال وزير النفط الإيراني بيجان زنكنة في تصريح له في السابع من آذار 2017 إن إنتاج إيران في حقل الغاز “بارس الجنوبي” في الخليج سيتجاوز إنتاج قطر في “حقل الشمال” المتصل بحلول آذار 2018. وهذا ما يؤكد أنّ مراحل تطوير إضافية في “بارس الجنوبي” سوف تمنح طهران مجالاً أكبر للصادرات فى المستقبل، وفي الوقت الراهن نرى أن الدافع إلى زيادة الإنتاج من الغاز الإيراني هو لإعادة حقنه تحت الأرض في خزانات النفط الخام، “ولاسيما في بعض الحقول النفطية المشتركة مع العراق، والحافز الآخر هو لتزويد السوق المحلية”[3].

ويمكن أيضاً إعادة حقن الغاز الموجود في هذه الآبار الذي لا يُعدُّ جزءاً من استهلاك السوق، أي هناك خطط موضوعة منذ أكثر من عشرين عاماً لتسييل الغاز الإيراني والشروع في تصديره، وقد تبدو الخطط وشيكة التنفيذ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مشروع مد خط أنابيب لنقل الغاز إلى والهند عبر عُمان؛ إذ تسعى إيران بعد الاتفاق النووي إلى إدخال الشركات النفط الدولية للاستثمار في مشاريع كبرى لتوسيع القدرات الإنتاجية في قطاعي النفط والغاز، لكن في الواقع هذا يستغرق وقتاً طويلاً لتحقيقة، ولاسيما مع وجود تخوُّف من جانب الشركات العملاقة في دخول الأسواق الإيرانية، مع الأخذ بالحسبان القيود المفروضة على موازنات الإنفاق الرأسمالية لهذة الشركات.

كميات الغاز التي تصدرها إيران

تعدُّ إيران أكبر منتج للغاز في الشرق الأوسط، لكنّها أيضاً المستهلك الأكبر للغاز؛ فهي تصدر عشرة مليارات متر مكعب (353 مليار قدم مكعب) من الغاز الطبيعي “الجاف” إلى تركيا سنوياً، فضلاً عن العراق الذي صدرت له ما يعادل 1.2 مليار متر مكعب خلال 6 أشهر الماضية. وتعد إيران خططاً مستقبلية لفائضها من الغاز لتصديره إلى باكستان والهند وأوروبا، حيث يرى المختصون في النفط أن الخيار الأسهل هو تعزيز إمكانات الخط القائم حالياً الذي يمرّ عبر تركيا لتغذية أوروبا من الغاز في المسقبل.

الخلاصة

منذ أن رُفعت العقوبات الاقتصادية عن إيران بعد توقيعها على الاتفاق النووي بات العالم يتطلع إلى ثروتها الهيدروكربونية بعين الإفادة من تطوير هذه الصناعة التي بدت حكومة ترامب خائفة من نتائجها، إذ إنها قد تؤدي إلى تعزيز وضع إيران في المنطقة.

إذ تسعى إيران إلى جذب أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة، وفي الوقت نفسه إلى زيادة إنتاج النفط الخام، فإنها تحتاج إلى الغاز أكثر بكثير من الذي تضخه حالياً -أي الغاز المستخدم لإنتاج النفط-، جنباً إلى جنب مع الاستهلاك المحلي من الوقود، حيث إن هذه الكميات تخفّض الأحجام والكميات المتاحة للتصدير وقد تضاعفها.


المصادر


 

[1]– إيران تصدر 1.2 مليار متر مكعب من الغاز إلى العراق

[2]– تعتزم إيران تخصيص 50 مليار متر مكعب من الغاز إلى دول الجوار

[3] – وافقت ايران والهند على انشاء‌ اطول شبكة انابيب لنقل الغاز بطول 1400 كيلومتر في بحر عمان