سعيد الكاشاني، مؤسسة الدراسات والبحوث الدولية الثقاقية.

بينما كانت مناطق غرب آسيا متورطة في الأزمات الناشئة عن الحرب الأهلية السورية، والأزمة الإنسانية في اليمن، وعدم الاستقرار في العراق -وما زالت جروح هذه الأزمة تثقل الجسد الأمني للمنطقة- ضاعفت حركة الأكراد الاستقلالية في العراق المخاوف بالنسبة إلى حدوث تغييرات جيوبوليتكية عميقة في الشرق الأوسط. ومع ملاحظة الحساسية العالية لرغبات الأكراد الانفصالية على الوضع الأمني للمنطقة، يسعى هذا المقال إلى تحليل ظروف بناء الدولة في إقليم كردستان العراق. ومن ناحية أخرى يُطرح هذا السؤال: هل لدى أكراد العراق القوة والقدرة اللازمتين لبناء دولة فعالة ومستقرة؟ فيبدو أن الظروف السياسية الحاكمة في داخل العراق وخارجها تتكلم عن واقع آخر بالنسبة إلى إقليم كردستان في المنطقة. إن الأكراد يسعون إلى الاستقلال والشرعية في جغرافيا العراق في ظروف لا تتمتع فيها هذه المنطقة بالحد الأقل من شروط بناء الدولة. إن بناء دولة، فضلاً عن وجود عدد سكان جدير بالملاحظة، يحتاج إلى استقرار سياسي، وموقع جغرافي مناسب، والأهم من كل ذلك هو عنصر الاعتراف الدولي.

وفي الوقت الحاضر، إن كل عدد السكان المتواجدين في الأجزاء الكردية العراقية لا يتجاوز 6 ملايين نسمة. ومع أن هذا الرقم في النظرة الأولى مع ملاحظة بناء دول مثل الكويت والبحرين وقطر بعدد سكان مشابه محتمل، لكن ما يوجد هو أن هذه الدول خضعت لحماية القوى الكبرى في وقتها، واستطاعت أن تستمر في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية ومن دون شك أن الظروف الجغرافية للعراق مع ملاحظة التجربة التأريخية والنزاعات السياسية المتجذرة تختلف عن وضع مشايخ الخليج العربي. وأن إقليم كردستان خضع الآن للحصار والحظر من عدة جهات. وفضلاً عن العقوبات الإيرانية والتركية، عارضت الحكومة المركزية العراقية بشدة عملية الحركة الاستقلالية للأكراد. وفي هذه الأثناء، تم طرح وجهة النظر هذه أنه بمجرد زوال خطر داعش وتحسن الجيش والقوات العسكرية العراقية وتنظيمها، وستقوم الحكومة المركزية بخطوات تحذيرية شديدة ضد الإقليم. وعطفاً على هذا الأمر، يحتاج الإقليم إلى امتلاك جيش أكثر استعداداً وتجهيزاً بمراحل من الپيشمرگة الكردية، وهذا الأمر -نظراً إلى العدد القليل للأكراد في العراق والتصنيفات السياسية والأيديولوجية العميقة بين الاتجاهين الباديناني (الحزب الديمقراطي) والسوراني (الاتحاد الوطني) – ليس محتملاً.

ومن الجدير بالذكر أن الاشتباكات في مدينة كركوك النفطية بين القوات الاتحادية والپيشمرگة انتهت لصالح القوات الداعمة لحكومة العراق، وخضعت المدينة لسيطرة الحكومة العراقية. وبالتأكيد مع استمرار الوضع القائم، سوف يزداد حجم الخلافات الحدودية بين أربيل وبغداد في المستقبل القريب، وفي هذه الأثناء، سوف تكون للقوات العراقية اليد العليا في مقابل الأكراد مع ملاحظة التمتع بدعم القوى الإقليمية، وامتلاك قوات عسكرية غفيرة وكثيرة. إن الأزمة السياسية في الإقليم في البعد السياسي تشير إلى أن إقليم كردستان العراق يعيش في واحد من أسوأ عصوره التأريخية؛ فمنذ ثلاثة أعوام تقريباً، تم تعطيل المؤسسات المدنية في أربيل، وكانت جلسات البرلمان المحلي تنعقد بنحوٍ نادر، ووصلت الفترة الرئاسية لمسعود البارزاني إلى نهايتها؛ وهذا الأمر أدى إلى خلافات شديدة بين الأحزاب الكبيرة الأخرى في كردستان مثل الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير وهذان الحزبان اللذان قاعدتهما الرئيسية هي السليمانية في العراق، اتهما البارزاني بانتهاك الدستور والديكتاتورية. وبهذا الصدد، تم تنظيم اعتصامات ومظاهرات واسعة على مدار السنوات الأخيرة في المدن الكردية اعتراضاً على سياسات البارزاني الاستبدادية. ومن الجدير بالذكر أنه من وجهة نظر هذه الأحزاب، فالحزب الديمقراطي بزعامة عائلة البارزاني، قد حاز الإقليم في قبضته، ونهب المصادر والثروات الطبيعية للمنطقة، ومن ضمن هذا الأمر الفضائح التي كشف عنها سوران عمر -أحد نواب البرلمان الكردستاني العراقي- فبناءً على تصريحات سوران، فإنه حتى الآن تجري في محكمة أربيل أربع عشرة قضية فساد وإهدار أموال عامة متعلقة بمسعود البارزاني رئيس كردستان العراق وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وابنه مسرور البارزاني رئيس جهاز المخابرات الكردستاني ومجلس أمن المنطقة بحسب قول هذا النائب البرلماني الكردي، وبينما يعاني الإقليم من أزمة مالية شديدة، فالبارزاني متهم في قضية واحدة فقط بإهدار أربعة عشر مليون دولار في العام الماضي، ولم يحدد المجال الذي تم فيه إنفاق هذه الأموال.

ويعتقد الزعماء المعارضون للبارزاني، أن الحزب الديمقراطي يسعى بنجاح مشروع استقلال الأكراد إلى كسب الشرعية لنفسه وصرف نظر الناس عن الأزمات والمصاعب الاقتصادية والفساد العام في النظام الإداري. إن إقليم كردستان العراق في الوقت الحاضر ليس بقادر على إنفاق ثلاثة أرباع أجور موظفيه، ويعاني من ديون باهظة. وعلى وفق آخر التقييمات فإن لدى الإقليم ديوناً خارجية في حدود اثنين وعشرين بليون دولار. وهذا الحجم من الديون -مع ملاحظة مشكلات البناء والاقتصاد- كُتِبَ لهذه المنطقة مستقبل مظلم وقاتم؛ ولهذا، ليس عبثاً أن الجماعات والأحزاب المعارضة تعتقد أن عقد الاستفتاء قبل أن يكون مبشراً بالسلام والأمن في الإقليم سيؤدي إلى منع السقوط في الأزمات فقط. واحتمال تزايد انعدام الأمن في الإقليم مع ملاحظة تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية، وتطرح وجهة النظر هذه أنه سوف يزيد في المستقبل القريب حجم الاعتراضات من قبل الشعب وكذلك من قبل حزبي الاتحاد الوطني والتغيير ضد الاتجاهات المتشددة للحزب الديمقراطي. وقد برز هذا الأمر خاصةً مع وفاة جلال الطالباني، الزعيم الكاريزمي للاتحاد الوطني، بنحوٍ أكثر. وقبل ذلك بزعامة الطالباني للحزب، كان الاتحاد والتآلف غالباً على الاتحاد الوطني. ومنعت شخصية الطالباني المتنفذة والموحدة وقوع أي نوع من التباعد في تشكيلات الحزب. والآن مع فقدان الطالباني يوجد احتمال أن ينقسم الاتحاد الوطني على فرعين مؤيد ومعارض للاستقلال. ومن البديهي أن هذا الأمر نفسه سوف يهيئ المجال لبروز الأزمات والفتن الكثيرة بين أنصار الحزب حيال قضية الاستقلال. وفضلاً عن المشكلات الداخلية العامة، يواجه إقليم كردستان العراق أزمة شرعية دولية أيضاً، فعلى وفق القانون الدولي، فإن الوحدات السياسية تحتاج من أجل الانضمام إلى المجتمع الدولي إلى تأييد أعضائه. وحتى الآن لم تتحول أي قوة سياسية في العالم إلى دولة من دون امتلاك عنصر الاعتراف. ولم يتم الاعتراف رسمياً بطالبان في عقد التسعينيات على الرغم من سيطرتها على 95% تقريباً من مساحة أفغانستان بوصفها عضواً شرعياً في النظام الدولي؛ ولذلك السبب وجدت استمراراً سياسياً قصيراً للغاية. وفي الظروف الحالية أيضاً ما من مؤسسة رسمية ومرجع دولي استعد للاعتراف باستفتاء استقلال كردستان العراق. وفي هذه الأثناء يسير انتظار النخب الكردية هذا -مع الأخذ في الحسبان بملاحظات الشعب الكردي- ضمن اجتناب الأحداث السياسية، وهو يساعد في إمكانية تشكُّل عراق ديمقراطي وفدرالي.


 

المصدر:

http://www.tisri.org/default-2562.aspx