السيد حسين موسويان، باحث خبير في جامعة برينستون الأمريكية

طهران تفكر في مدّ جسور العلاقات الدبلوماسية مع الغرب باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية

وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ذهنه هدفاً سياسياً أساسياً واضح المعالم وهو إجهاض الاتفاق النووي مع إيران، تلك الصفقة التي ترفع عن البرنامج النووي الإيراني العقوبات في مقابل تخفيف بعض الآليات لضبط هذا البرنامج والانفتاح على العالم، تاركاً وراءه الكثير من الأزمات العالمية منها التجارب الصاروخية التي تقوم بها كوريا الشمالية والحرب على داعش، إذ إن ترامب أعلن بصراحة مخالفته واعتراضه الشديد على بنود الاتفاق الدولي المبرم بشأن البرنامج النووي الإيراني، وقد طرح السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي -بنحوٍ سافر وفاضح- مشروع خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي وتنصلها منه، وقد رمى الكرة في طرحه المذكور -الذي يعدُّ في الحقيقة طرحاً “ذاتياً استفزازياً”- في ساحة الكونغرس الأمريكي وحمّله مسؤولية ذلك.

ولا شك في أن هناك تداعيات ونتائج وخيمة وخطيرة سوف تحصل إذا استطاعت أمريكا تحقيق ذلك وإجهاض الاتفاق المذكور، ولن تصب تلك التداعيات في خانة تخريب سمعة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً وعدم تخفيف حدة انتشار الأسلحة النووية فحسب، وإنما يمكن أن تشكل منعطفاً حاداً وخطيراً في تغيير مسار السياسية الخارجية للجمهورية الإسلامية، وكانت سياستها الخارجية في تطبيع العلاقات مع الدول الغربية والصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية تعاني دوماً من تحديات جسيمة على الصعيد الداخلي، إذ إن التفكير والجو العام في إيران يؤمنان بأن السياسة الأمريكية قائمة على أساس القوة والهيمنة؛ ولذلك فإن أية تنازلات ومرونة من جانب إيران تؤدي إلى زيادة الضغوطات الأمريكية وممارساتها التعسفية.

ويلاحظ في الوقت نفسه أن السياسة الخارجية في زمن رئاسة الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني قد أبدت انفتاحاً وانعطافاً كبيراً واعتمدت مواقف أكثر مرونة؛ ويعود السبب في ذلك إلى السعي من أجل حل الأزمة النووية حلاً سلمياً ورفع العقوبات التي تتعلق بالموضوع نفسه؛ ومن هنا فقد تم الاعتماد في طهران على الاتفاق النووي، وعدّه ميزاناً ومعياراً في جلب ثقة الناس أو عدم ثقتهم بالغرب ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي في أوائل سنة 2015م: إن المحادثات النووية تشكل تجربة جديدة، فإذا ترك الطرف المقابل سلوكه غير المعقول جانباً فإن ذلك يكون تجربة جديدة لنا، فيمكن أن تكون مقدمة ومنطلقاً لفتح باب المفاوضات في الموضوعات الأخرى.

وبما أن الرئيس الأمريكي ترامب قد جازف وراح يتلاعب بمصير الاتفاق النووي المبرم؛ لذا تسبب في رسم علامات الاستفهام الواسعة في طهران على مسألة التعامل الدبلوماسي مع الغرب. وأما إذا قام ترامب بإلغاء الاتفاق فسيحصل إجماع كامل في طهران على عدم التعامل كلياً مع أمريكا في أي موضوع آخر وعلى غلق باب المحادثات معها مطلقاً.

وفي الوقت نفسه نجد أن المحللين والمتابعين السياسيين في طهران يترقبون ويتساءلون هل تتبع أوروبا خطوات الرئيس الأمريكي ترامب في إجهاضه للاتفاق الدولي وتؤيده في ذلك أم لا؟ فإذا كان القادة الأوربيون يخالفون الرئيس الأمريكي ويقفون موقفاً مؤيداً للاتفاق فإن طهران سوف تفتح حساباً خاصاً بشأن مد جسور العلاقة مع الغرب باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبالتالي إيجاد نوع من التعاون والتنسيق معها في سائر الأزمات الحاصلة في المحيط الإقليمي والدولي التي من جملتها الحرب على داعش، وفي المقابل فإن طاوعت أوروبا ترامب في سياسته هذه على الرغم من قيام الجمهورية الإسلامية في إيران بتنفيذ جميع التزاماتها وتعهداتها الدولية فسوف يكون هناك دليل مشروع وقوي وأولوية خاصة لتوجه طهران إلى الجانب الأمني والعمل بجدية من أجل تقوية المنظومة الصاروخية وتوسعة شبكة الداعمين لها في المنطقة.

وينبغي ملاحظة التأثير الآخر الذي يتركه إجهاض الاتفاق النووي الدولي، وذلك في العلاقات بين إيران والمعسكر الشرقي المتمثل بروسيا والصين والهند، وقد تحالف هذا المعسكر في زمن الرئيس الأمريكي السابق أوباما معه في تنفيذ العقوبات الدولية ضد إيران؛ الأمر الذي أدّى إلى حدوث رد فعل لدى الرئيس الإيراني آنذاك أحمدي نجاد؛ لأنه كان يعوّل كثيراً في سياسته على “الاعتماد على الشرق” وينظر إليه نظرة خاصة.

وبطبيعة الحال فإذا تمكن هذا المعسكر من الدفاع عن هذا الاتفاق وإيجاد حصانة منيعة له والوقوف أمام التهديدات والوعد والوعيد للرئيس ترامب والعمل على ردع أوروبا من التفاعل والانضمام إلى أمريكا في مشروعها المعادي، فحينئذٍ سوف نشهد عالماً من عدة أقطاب وسوف تتجه الجغرافية الإيرانية بنحوٍ مؤثر صوب توسعة التعاون التجاري والأمني والسياسي والدولي المثمر وتنميته مع المعسكر الشرقي.

في حين أن الرئيس الأمريكي ترامب يدرس الخطوة التالية بشأن الاتفاق الدولي المنعقد بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة، وهناك حقيقية يجب أن نعلمها وهي أن خروج الولايات المتحدة الأمريكية من المباحثات النووية وتنصلها عن الاتفاق المبرم لا يعني بأي شكل من الأشكال رجوع إيران والعالم إلى المربع السابق (الإجماع ضد إيران)، وأما إذا أراد ترامب التنصل من الالتزامات التي قطعها الرئيس السابق أوباما على نفسه فحينئذٍ سوف تتغير الموازين في المنطقة وتكون في غير صالح أمريكا؛ كون إيران سوف تلغي كل حساباتها السابقة وتتعامل مع أمريكا بنحوٍ مختلف، في الوقت الذي تفتح ذراعيها وتتعاون مع القوى الدولية الأخرى.

المصدر: لوس إنجلوس تايمز

http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1971727