الدكتور جهانكير كرمي، خبير في العلاقات الدولية بجامعة طهران، وعضو في الهيئة العلميّة في مركز دراسات إيران وأورآسيا، (إيراس).

لطالما كانت الحروب المستقبليّة قضيّة مرعبة ومثيرة للقلق لكلّ الدول، وستبقى كذلك؛ إذ تصاعدت وتيرة القلق في الوقت الراهن بسبب تداخل التقنيات وتعقيدها لكثرة اللاعبين، ولعدم الاتفاق بالسلوكيات والقرارات العسكرية؛ لذلك أصبح السياسيون وخبراء الاستراتيجية يهتمّون بمفهوم الحرب المستقبليّة أكثر من قبل، واتخذوا من الدراسات المستقبلية في المجالَين العسكري والأمني ركيزة أساسيّة في حقل دراساتهم وتحليلاتهم السياسية؛ فضلاً عن أنّ أغلب الدول تعدُّ مسألة الأمن القومي في مقدّمة اهتماماتها، وأنّ معرفة الوضع المستقبلي في مجال التهديدات والحروب يُعَدّ من الأمور الاستراتيجيّة، ولكن يجب ألّا نغفل بأنّ موضوع مستقبل الحكومات وإمكانية بقائها بعد انتهاء الحروب هو من الموضوعات الرئيسة التي عنت به الحكومات منذ القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر، حتّى تحوّل من كونه موضوعاً من موضوعات الدول القوميّة الحديثة إلى نشاطٍ فكريّ وأكاديمي يُدرَس في الجامعات، وما زال يُعَدّ من الموضوعات الجدّيّة والمهمّة.

ينطبق هذا الأمر في روسيا منذ أيّامها التي كانت تُعرَف فيه بـ(روسيا القيصريّة)؛ إذ ثمّة دراسات ونصوص روسيّة تعيد الدراسات المستقبليّة في مجال الحروب والقضايا العسكريّة إلى عام 1858م، فيومئذٍ أسس المنظّر العسكري الروسي الأبرز د.أ. ميلوتينا أوّل مجلّة روسيّة بعنوان (مجموعة الأعمال العسكريّة) ضمن سلسلة الدراسات العسكرية. وكانت هذه المجلّة تعنى بالمشكلات العسكرية وفنون القتال وغيرها من الأمور العسكرية. وقد نُشرت بعد الثورة البلشفية في عام 1917 مجلّة روسيّة في العلوم العسكرية باسم (قضايا عسكرية)، وصار عنوانها لاحقاً (الفكر العسكري)، وهي تُنشَر حتّى الآن تحت إشراف وزارة الدفاع الروسيّة، وعنت هذه المجلّة -طوال تأريخها- بدراسة الوضع العسكري وآفاقه المستقبليّة، وقدّمت آراءً مستقبليّةً في مجال العلوم العسكرية.

وثمّة مفهوم محوريّ في كلّ المجالات والخطط والعسكرية وفي كلّ الدول -بما فيها روسيا- يُسمّى بـ(العقيدة العسكريّة)[1]؛ فبموجب هذا المفهوم تكون معرفة المستقبل والتبنؤ به أمراً حيويّاً لكلّ الدول.

وإنّ المفردات الأساسية التي يجب توافرها في أيّ عقيدة عسكرية هي:

أ- معرفة التهديدات الأمنية الأصليّة ومعرفة تحوّلها وتغييرها في المستقبل.

ب- معرفة صورة الحرب المستقبليّة بناءً على تجارب الماضي، والبيئة الأمنية الراهنة وطبيعة المتغيرات.

ج- القوّة العسكرية المطلوبة للحروب المستقبليّة: الإمكانيات، والمحدوديات، والموارد البشرية.

د- أساليب القتال في الحروب المستقبليّة: الاستراتيجية، العسكرية، والميدانية.

فلذلك يكون التنبّؤ بالحرب المستقبليّة الغامضة والمبهمة أمراً مهمّاً وخطيراً وجادّاً، إذ باتت الدراسات المستقبليّة ضرورة وأولوية للحصول على فهمٍ صحيح للواقع الراهن، وهي من مهام مراكز الدراسات العسكرية المستقبليّة. وعلى الرغم من وجود اهتمامات بهذا الموضوع منذ قديم الزّمان، وفي أفكار الحضارة الفارسية والصينية والإغريقيّة، ولكنّ مفهوم العقيدة العسكرية والدراسات المستقبلية وموضوع التنبّؤ بالحرب هي مفاهيم وموضوعات بروسيّة[2]، طرحها العسكري البروسي “كارل فون كلاوزفيتز[3] وأدخلها في الدراسات العسكريّة، وقد اعتمدها الروس في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في الدراسات العسكريّة.

وبناءً على ما تقدّم فإنّ جذور الاهتمام بالحروب المستقبليّة والعقيدة العسكرية الروسيّة والدراسات المستقبليّة والتنبّؤ بالحرب والتهديدات العسكرية تعود إلى الحقبة القيصريّة إبّان القرن التاسع عشر، ولاسيما خلال سنوات الحرب الروسية اليابانيّة. وبُذلت جهود خلال السنوات 1912 إلى 1922 لتنظيم أوّل وثيقة تتعلّق بالعقيدة العسكرية، وعلى أعقاب ثورة أكتوبر وبعد أنْ صارت للـ(الحرب والقوّة العسكرية) مكانة مهمّة بالنسبة للبلاشفة أصبحت الدراسة حول العقيدة العسكرية وتدوين الأصول والقواعد العسكريّة من القضايا الأساسيّة في إدارة الحروب، إذ تولّى “ميخائيل فرونزه[4] -أحد أمراء الجيش الأحمر السوفيتي- “مسؤولية تدوين هذه القواعد، وعرض مقترحاته في الاجتماع الحزبي الحادي عشر لمؤتمر الحزب الشيوعي في نيسان 1922، وقد صوّت عليه بعد إجراء بعض التعديلات؛ فبُنيَت السياسية العسكرية السوفيتية -منذ ذلك الحين- على أساس مجموعة واسعة من الأفكار والنظريات العسكرية التي عُرفَت بالعقيدة العسكرية (Military doctrine)، وهو موضوع قائمٌ حتّى الآن، إذ نرى العقيدة العسكرية الروسيّة في عام 2014 تخطط لحربٍ مستقبليّة مع حلف الناتو.

بناءً على هذا فإنّ الاهتمام بالحرب المستقبلية هو أحد أركان كلّ عقيدة عسكرية، وبعبارة أخرى ما يُعبَّر عنه في استراتيجية الأمن القومي بـ “التهديد” هو “ميدان الحرب المستقبليّة” للجيوش والقوى العسكرية. وإنّ تصوّر الحرب المستقبلية من شأنه أن يكون إحدى الأسس الأيديولوجية والتجربيات التأريخية والواقع الراهن للنزاعات والحروب، ومن شأنها أنْ تحدث ثورةً في المبادئ العسكريّة، ولكن على الصعيد الميداني فإنّ ما يوفّر المعرفة هو موضوع الدراسات العسكرية المستقبليّة.

لطالما كان هذا الحقل من الموضوعات المهمّة سواء لدى النظام السوفيتي، أو بعد انهياره، إذ إنّ طبيعة الحروب الحديثة على الصعيدَين الدولي والداخلي كانت من أولى اهتمامات المسؤولين العسكريين والأمنيين في الدولَتَين السوفيتية والروسيّة. وعلى الرغم من أنّ السلاح النووي خلق حالة توازن بين القوى، وحدَّ من إمكانية اندلاع حروبٍ واسعة، ولكن حروباً كحرب أفغانستان وحرب الخليج هي موضوعات رصدتها وتصوّرتها العقيدة العسكرية الروسيّة.

لقد كانت الدراسات المستقبلية في مجال الحرب، والتنبّؤ بالتحوّلات العسكرية في المستقبل لدى الاتحاد السوفيتي تشكّل ركناً أساسيّاً في العقيدة العسكرية؛ وقتئِذٍ كانت الأصول الأيديولوجية الماركسية واللينينيّة تعدّ حرب العمّال مع أصحاب رؤوس الأموال جبراً تأريخيّاً.

وعلى الرغم من أنّ هذا الموضوع أُلحِقَ بطيّ النسيان منذ زمن ستالين، وأصبحت الفكرة البديلة تتناول التنافس بين القوى العظمى على المصالح الوطنية والمجال العام الخارجي، ولكنّه في ضوء مفهوم “الثورة في الأمور العسكرية” قد ألقى بظلالٍ من الريبة والترقّب على أصحاب القرار العسكري والأمني في موسكو. وإنّ العقيدة العسكرية وفنون القتال وهيكلية الجيش من وجهة نظر الجيش السوفيتي يجب أنْ تكون متناسقة مع طبيعة الحروب المستقبليّة، وإنّ عدم امتلاك السلاح الذي يمكله العدوّ -وفق عقيدة لينين- جريمة لا تغتفر، وعلى وفق هذه العقيدة صرّح وزير الدفاع السوفيتي “دميتري يازوڤ[5] في إحدى خطاباته بأنّ على الاتحاد السوفيتي الاستعداد والتهيؤ لكلّ شيء، فالعدوّ في طور الاستعداد.

أفرزت كتاباتٌ عسكريّة سوفيتية موثّقة في بداية الثمانينيات إجماعاً داخلياً على أنّ الحرب المستقبلية بين حلفَي “الناتو” و”وارسو” ستكون حرباً طويلة متعارفة، وتشمل مجالات قارّية وبحريّة عِدّة. وعلى الرغم من الإمكانية المالية المحدودة والاستراتيجية الدفاعية الجديدة، ولكنّ ظلّ هذا الإجماع قائماً حتّى سنة 1990؛ فعلى سبيل المثال أكّد الجنرال سلمانوف رئيس أكاديمية الأركان في مقالٍ له نُشِر في مجلّة الفكر العسكري (في أواخر سنة 1988)، أكّد على أنّ “الاتحاد السوفيتي” و”حلف وارسو” على الرغم من استعدادهما لكلّ أنواع الحروب، ولكنْ يجب أن يكون اهتمامهما بـ “الحروب العالمية طويلة الأمد”.

ويبحث الجنرال سلمانوف في مقاله هذا في مؤشّرات تجعلنا نعتقد بأن (الأعداء يعتمدون الأدوات المتعارفة للتهديم لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية والسياسية)، وإنّ أبرز خاصيّة لمثل هذه الحرب هو تهديد دائمٌ يتمثّل بتلويح العدو الدائم باستخدام السلاح النووي.

وعلى الرغم من أنّ كلّ التوقّعات طوال أيّام الحرب الباردة كانت تترقّب تحوّل هذه الحرب إلى حربٍ عالميّة بين القوى العظمى بما فيها الاتحاد السوفيتي، ولكنَّ الخبراء والمتخصصين في الدراسات المستقبلية في موسكو كانوا يؤكّدون على أن السيطرة على الفضاء من أجل إدارة العمليات التي تحدث في رقعة كبيرة من الأرض سيكون مصيريّاً. وبعقيدة السوفيت فإنّ الدفاع الاستراتيجي الحقيقي لا يتمثّل بإنتاج الدروع المضادّة للصواريخ البالستية، بل إنّه في دعم وتوسيع أسلحة تكون أكثر تأثيراً من الأسلحة النووية، ويُقال إنّ هذه الأسلحة حينما تُستَخدَم في الفضاء ستكون بديلاً عن الأسلحة النووية، ومن شأنها أن تؤدي دوراً كونيّاً في إدارة النزاعات والحروب.

فلذلك كانت الرؤية العسكرية السوفيتية تعنى غالباً بإعادة الهيكلية الدفاعية وخلق نظام دفاعيّ عالميّ عميق وممنهج فيه قسم يتعلّق بالفضاء ولمقاصدٍ دفاعيّة وهجوميّة معاً؛ فهذه الأنظمة الرقابية والاستطلاعية والراصدة في الفضاء التي ترتبط في آنٍ واحد مع الأسلحة الهجومية بعيدة المدى، كلّها تحقق حرباً عالمية غير نووية، وقد كانت تشكّل رؤية الجيش السوفيتي بالنسبة للحرب المستقبلية في القرن والحادي والعشرين.

كانت مهمّة القوّات البحرية السوفيتية للحرب المستقبلية -بحسب قول العميد البحري السوفيتي “شوفانين“- هي الحفاظ على أراضي جبهة الاشتراكيين، والتصدّي لأيّة حملة متوقّعة من المحاور البحرية والمحيطات، وفي الوقت نفسه كان الخبراء السوفيت يؤكّدون أنّ القوّة البحرية من شأنها أنْ تؤدّي الدور الأساس في الحرب المستقبليّة، وكانوا يعتقدون بأنّ هذا الدور المتزايد نابع من طبيعة التقنية غير النووية المتطوّرة التي تشمل قوّة الحملات الصاروخية المتعارفة وإطلاقها من الغوّاصات، والأسلحة البحرية المسيّرة، واعتماد منصّات الإطلاق البحرية المسيّرة بالأقمار الصناعية.

إنّ إحدى الموضوعات المتداولة في مركز الدراسات المستقبلية في موسكو التي ترتبط بالحروب المستقبلية تخصّ طبيعة الأسلحة والمعدّات المهمّة والخطط التي سيعتمدها العدو، وإنّ الأسلحة التي ستستخدم في الحروب المهمّة تمثّل المحور الرئيس للرؤية الروسية في تشخيص الحروب المستقبلية.

وفي بدايات الثمانينيات من القرن العشرين اهتمّ “المارشال أوغاركف” في إحدى أهم المراكز البحثية لدراسة الحروب المستقبلية، اهتمّ كثيراً بتطوير أساليب القتال في الظروف التي يعتمد فيها العدو أساليب قتالية معقّدة ودقيقة كالأنظمة الاستطلاعية الحديثة، والتقنيات الإلكترونية والأوتوماتيكية، والأساليب الجديدة لقيادة الجنود في الحرب. وتزامناً مع اتساع دائرة مفاهيم العقيدة العسكرية واستراتيجية (جوّ-أرض) في خوض الحروب لدى الغرب، ومزج تلك الأساليب من خلال الأسلحة الحديثة، أدرك الروس بأنّ الغرب تفوّق عليهم في تطوير نوعية الأسلحة.

وفي السنوات التي أعقبت انهيار النظام السوفيتي كانت رؤية المراكز العسكرية الروسية حول الحروب المستقبلية والتقنيات المتطوّرة غير النووية مبنيّة في الغالب على استعمالٍ مؤكّد للأسلحة النووية من الجيل الثالث؛ فعلى سبيل المثال أكّد الجنرال (إف. غانتار) أنّ الولايات المتحدة طوّرت معدّات عسكرية تستخدم فيها (أشعّة الليزر وأشعة أكس ذات الطاقة النووية، ومعدّات عسكرية أخرى ذات الأمواج الكهرومغناطيسية) وذلك في إطار برامجها الدفاعية والاستراتيجية في (حرب النجوم). وقد زعم “أخريموف” بأنّ الأمريكيين يستطيعون بمثل هذه التقنيات أنْ يهدّموا المعدّات العسكرية النووية لدى أعدائهم على نطاقٍ واسع، واستدلّ بأنّهم سيحصلون بعد ذلك على القوّة الضاربة نفسها التي نمتلكها، وسيستطيعون في الوقت عينه الصمود بصورةٍ كاملة -أو بمستوى عالٍ من الثقة- أمام ضرباتنا، وحينئذٍ سيكون الطرفان في موضعٍ غير متوازن.

وبهذا يبدو أنّ الأنظمة الاستطلاعية والضاربة الدقيقة والأسلحة النووية الذكيّة تشكّل ملامح الحرب في القرن الحاديي والعشرين، ويتنبّأ المنظّرون العسكريون الروس بالحرب المستقبلية من خلال مثل هذه التحليلات، وينتهون إلى أنّ بلوغ الأهداف العسكرية والسياسية لا يتطلب بالضرورة احتلال أراضي العدو، بل يقتصر الأمر فقط على تهديم القوّة العسكرية لدى العدو.

وإنّ إحدى الظواهر المهمّة التي أثّرت إلى حدِّ كبير على طبيعة الدراسات المستقبلية العسكرية في روسيا هي حرب الخليج الأولى سنة 1991، التي أكّدت ضرورة دراسة الحروب المستقبلية من جديد؛ وبناءً على القراءات الأوليّة لدى المحللين العسكريين الروس فإنّ حرب الخليج لم تقتصر نتائجها على إحداث تغيير في مفهوم الغزو أو “الهجوم”[6]، بل أثبتت أنّ ماهيّة الحرب أيضاً قد تغيّرت؛ إذن، قد أدرك الخبراء حدوث التغيير الجذري في مفهومَي الهجوم والدفاع من خلال القوّات البريّة، ولذلك نرى التقارير والتصريحات الروسية منذ حرب الخليج تعتمد عبارة “الردّ المناسب” بدلاً عن العمليات الدفاعيّة؛ فبعقيدة العسكريين الروس فإنّ المعدّات العسكرية المتطوّرة تؤدي دوراً في مباغتة العدو في الحروب الحديثة، فعلى سبيل المثال يؤكّد الجنرال “إيفان فوروبيف” -في معرض حديثه عن تأثير الأسلحة المتعارفة المتطوّرة في العمليات العسكرية- أنّ الأساليب القتالية القديمة كانت تعتمد الأساليب الانفعالية لمباغتة العدو، ولكن أصبحت للخطوات الفعّالة أهميّة أكثر منذ عام 1991، وتشمل مثل هذه الخطوات أساليب شتّى مثل المناورات المباغتة في البرّ والجوّ، والهجوم غير المعلَن، والقتال غير التقليدي، وأنظمة اطلاق النار الهدّامة.

ويرى الجنرال “اسليب تشنكو” أنّ قبل حرب الخليج كانت هناك حاجة مستمرّة للقوّات البرية الكبيرة، وفي الوقت نفسه كانت هناك شحّة في الأسلحة المتطوّرة؛ فلذلك ما كان بالإمكان اعتماد طريقة المباغتة في مجريات الحرب، ولكن هذه الحرب أثبتت بأنّ مباغتة العدو بالأسلحة المتطوّرة باتت ممكنة، ومن الآراء المتداولة في الوقت الراهن هي أنّ (مبدأ المباغتة) بات يؤدي دوراً حاسماً في الحروب غير النووية وإحراز نتائجها.

إنّ القراءات الروسيّة الأوليّة للحرب الخليج تؤكّد ضرورة تخفيض دور القوّات البريّة وإعطاء دور مشترك للقوات البرّية والبحرية والجويّة معاً، ولكن هذه القراءات ليست بعيدة عن أثر نسب الموازنة الحكومية، وكذلك انتماء المحللين العسكريين لهذه القوّة العسكرية دون تلك؛ مما يؤثّر على بلورة الآراء العسكرية والتأكيد على قطّاعٍ دون آخر.

إنّ رؤية الروس حول الحروب المستقبلية في السنوات اللاحقة -ولاسيما في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين- تأثّرت بحروبٍ عديدة كحرب كوسوفو سنة 1999، وحرب أفغانستان في 2001، وحرب العراق في 2003، ومن ثمّ الحرب الليبية والسورية منذ 2012 لغاية 2017، وإنّ الجيش الروسي في سوريا قد انهمك فعلياً في أوّل حرب خارج حدود الاتحاد السوفيتي السابق. وتشير الوثائق العسكرية الروسية إلى أن الرؤية المستقبلية للحروب لدى هذا البلد منذ عام 2000 قد انعكست فعلياً في الأزمات والحروب الراهنة، فقد ورد في وثيقة تعود لسنة 2000 بأن كيانات روسيا الاتحادية تعتمد الأسلحة الحديثة والمتطوّرة لتطبيق استراتيجية الردع العسكري، وأن روسيا الاتحادية تؤكّد حقّها في الرد على أيّ استعمال للأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد أحد حلفائها؛ وحتّى حين حصول أيّ اعتداء على كيانات روسيا الاتحادية بالأسلحة المتعارف عليها التي تهدد بقاء الدولة، ففي هذه الحالة أيضاً تحتفظ روسيا بحقّ الردِّ بالسلاح النووي، وإنّ قرار استعمال الأسلحة النووية يكون بيد رئيس روسيا الاتحادية.

ومن هنا يمكن أن نعرف سبب اهتمام روسيا بالدراسات المستقبلية في المجالات العسكرية والأمنية، ولاسيما فيما يتعلّق بقضيّة خوض الحروب التي كانت من موضوعات الساعة طوال القرن العشرين وإلى الوقت الراهن، ولم تغفله القوى العالمية، وبطبيعة الحال فقد تصاعدت وتيرة القلق والمخاوف من الحروب المستقبلية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

المصدر:


 

http://www.iras.ir/www.iras.irfa/doc/note/3315

[1]– Military doctrine، العقيدة العسكرية مصطلح عسكري عام لوصف أداء الوحدات والقوات خلال الحملات والعمليات والمعارك والاشتباكات العسكرية المختلفة، وتشكّل في الأساس خطوطاً عريضةً ومقترحات عملية لتقديم إطار عمل قياسي موحّد داخل المؤسسة العسكرية الواحدة تساعد على إتمام المهام المختلفة أكثر من كونها مجرّد قوانين ونظريات جامدة

[2]– مملكة بروسيا مملكة ألمانية تواجدت منذ عام 1701 حتى عام 1918 وضمت أجزاءً من ألمانيا الحالية، وبولندا، وروسيا، وليتوانيا، والدنمارك، وبلجيكا، وجمهورية التشيك.

[3]– Carl von Clausewitz جنرال ومؤرخ حربي بروسي.

[4] Mikhail Vasilyevich Frunze, (1885 – 31 October 1925)

[5]– Dmitry Timofeyevich Yazov.

[6]– الهجوم (offensive) أو كما تطلق عليه وسائل الإعلام “الغزو” أو “الاحتلال”: هو عملية عسكرية تكتيكية تسعى إلى تدخل عدواني لقوة مسلحة على أراضي دولة معينة بغية تحقيق أهداف استراتيجية أو عملية أكبر، ويعدُّ “الهجوم” وسيلة بارزة لتحقيق النصر، مع الاعتراف بضرورة وجود مرحلة دفاعية في مرحلة معينة من مراحل التنفيذ.