صادق ملكي، خبير ومحلل سياسي إيراني.

أهداف سفر اللواء (باقري) إلى أنقرة

ما الذي يفترض التصديق به؟ أيجب أن نبدي سعادتنا من سفر مسؤول عسكري إيراني رفيع المستوى إلى أنقرة؟ أم أن نستاء من مبادرة تركيا في بناء الجدران على حدودها مع إيران؟ هل بناء الجدران الحائلة دليل على التخوّف من إيران؟ أم أن زيارة القائد العسكري الإيراني هي بداية لرفع حواجز الخوف؟ هذه هي لُعبة الساحة السياسية الغامضة دوماً؛ فلا الجدار الأمني هو نهاية المطاف، ولا زيارة المسؤول العسكري هي بداية تحوّلٍ جذري في العلاقات الإيرانية-التركية.

ترأّس اللواء محمد باقري رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانية وفداً عسكرياً إيرانياً لزيارة تركيا؛ تلبيةً لدعوة نظيره التركي (خلوصي آكار)، وكان الحديث عن التعاون المشترك في مجال الشؤون الإقليمية، والحرب على الإرهاب، وأمن الحدود المشتركة، وكذلك محادثات الأستانة من أهم المحاور التي نوقشت بين باقري والمسؤولين السياسيين والعسكريين في تركيا.

وعلى الرغم من أنّ هذه السفرة كانت مُدرجة ضمن قائمة الأعمال منذ فترة، ولكنَّ تزامنها مع بدء عمليات بناء الجدار الأمني التركي على الحدود الإيرانية تدعو إلى التأمّل والنقاش؛ ففي السابق حينما كانت تركيا تنوي ممارسة فعلٍ عدائي ضد إيران كانت تبادر إلى اتخاذ موقفٍ محسوب، وترفع يافطة العلاقات الحسنة بين البلدَين لتتقي ردّة الفعل الإيرانية، أو لتقلّل من تأثير الردود عليها؛ فبالعودة إلى التحولات الطارئة على هذا الملف وطريقة تنصيب الدرع الصاروخي التركي نجد بعض التناقضات؛ فمن جانبٍ نجد تأكيد المسؤولين الأتراك على عدم استهداف إيران من خلال هذا المشروع، ومن جانب آخر نجد تصريح أمين عام قوّات الناتو، وكذلك الرئيس الفرنسي السابق اللذين أوضحا أن الغاية من هذا المشروع هي استهداف إيران؛ وقد يكون هذا التناقض خير مرشد لمن اتخذ جانب الحيطة والحذر ولم يقدّم تحليلاً استراتيجياً لسفر مسؤول عسكري إلى تركيا.

تشير الأخبار المتداولة إلى أن المحادثات والاتفاقات التي جرت في هذه الزيارة كان لها طابع عسكري وأمني، ولكنّ التقارير تشير إلى أمورٍ أخرى نوقشت في هذه الزيارة، منها: قضية التصدّي لحزب العمّال الكردستاني، وقضية أكراد سوريا، ومسألة الاستفتاء في إقليم كردستان، والواقع العراقي والسوري، وملف داعش والحشد الشعبي، وتعزيز الجانب الأمني في الحدود المشتركة.

وترى بعض المصادر الإعلامية والخبرية أنّ هذه الزيارة هي من أجل إبرام اتفاق بين البلدَين لتنفيذ عملياتٍ مشتركة. ولكن بالنظر للمعطيات يكون التوافق على تنفيذ العمليات المشتركة بعيداً عن الواقع، ولو أن تنفيذ الغارات الخاطفة والعلميات السريعة المشتركة التي توجد لها حالات مشابهة في السابق قد تكون جزءاً من نتائج هذه الزيارة.

إنّ الطريقة البرغماتية التي تتخذها تركيا في اتخاذ القرار السياسي، وكذلك سياستها متعددة الأوجة في السنوات الأخيرة تجعل منها أن تستثمر الأزمات وتحوّل التهديدات إلى فُرَص؛ فمساندة تركيا لداعش بيّنٌ حتّى لحلفائها الغربيين، ولكنّ الضرورات الناتجة عن الظروف التي سببت تغييراً في السياسة التركية جعلت منها تبدو في الصفّ الأوّل لمحاربة داعش.

وفي كلّ اتفاق سياسيّ وعسكريّ وأمني واقتصادي مع تركيا يجب الالتفات إلى أنّ أنقرة كانت تحرص على مصالحها فقط، وفي أغلب الأحيان كان هذا الحرص متماشياً مع مجمل السياسات الغربية؛ إذن -بالنظر للظروف المتغيّرة والعابرة في المنطقة والتحوّلات السياسية القادمة- تكون النظرة المتفحّصة والثاقبة والعميقة لهذه الاتفاقات وتبعاتها من الضروريات بالنسبة لطهران، وحين اتخاذ القرار يجب ألّا تقتصر النظرة على الوضع الراهن، فالمتغيرات في وضع المنطقة -ولاسيما بالنسبة لإيران وتركيا والنظام الدولي- تفصح عن تضادّ واضح بين البلدَين في كثيرٍ من القضايا كالعراق وسوريا؛ فالسياسات العسكرية والأمنية التي تتخذها الدول ليست نتاجاً لقراراتٍ آنيّة، بل إن التوافقات المرحليّة من شأنها أن تسبب بأضرارٍ فادحة في سياسات الدول طويلة الأمد، إذ بالأمس كانت تركيا تعدّ استقلال الأكراد في شمال العراق تمهيداً للحرب، ولكنّها اليوم ابتعدت كثيراً عن هذه السياسة، وإنّ تحليل السياسات وفهمها وتوجهات الدول الإقليمية مثل تركيا ليست نتيجة للتحولات العابرة، بل يجب الحصول على إدراك استراتيجي من مكانة هذه الدول في النظام الدولي والإقليمي، وكذلك الإحاطة بواقعها الداخلي، والأهم من ذلك كلّه نظرة تلك الدولة لإيران، ومن ثمَّ اعتماد ذلك في أيّ تحليل سياسي.

تعدُّ زيارة مسؤول عسكريّ إيراني بهذا المستوى لتركيا بعد الانقلاب العسكري أمراً مهمّاً، ولكن يجب ألّا يؤدّي هذا الأمر إلى حدوث تغييرٍ استراتيجي في السياسات المتخذة؛ إذ إن تركيا -التي هي أحد أعضاء الناتو ومسندوة من النظام الرأسمالي العالمي- تواجه في هذه الأيّام مشكلات مع أوروبا وأمريكا، ولكنّها ليست كمشكلات إيران مع الغرب، بل هي مشكلات عابرة وتكتيكية، فتركيا لم تخاطر أبداً بعلاقتها مع الغرب، وليست مستعدّة لتقديم العلاقة مع إيران على علاقتها مع الغرب؛ ولكن المناورة بالاقتراب من إيران يمكن أن تلبّي بعض الطموح والمصالح التركيّة، وقد يؤدّي ذلك لكسب بعض الامتيازات، ويمنحها ورقة ربحٍ في المفاوضات المستقبليّة.


 

المصدر:

موقع (دبلوماسى إيرانى) الفارسي

http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1971052