ميشيل وحيد حنا، كبير الزملاء في مؤسسة القرن، وزميل أقدم مساعد في مركز القانون والأمن بكلية الحقوق بجامعة نيويورك، ويعمل على قضايا الامن الدولي والقانون الدولي والسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

تعدُّ أزمة الخليج التي تهدد العالم العربي عموماً تصعيداً خطيراً وتحوّلاً في منطقة غير مستقرة بالفعل، في حين أن الأزمة نفسها غير مرغوب فيها ولا ضرورة لها، فهي بعيدة كل البعد عن الكارثة بحسب ما تم وصفها، وإن آثار الأزمة ومخاطرها من الممكن السيطرة عليها، وقد يقدم الانقسام الخليجي بسبب الصراع فرصاً وثغرات دبلوماسية للولايات المتحدة، شريطة أن يكون ترامب قادراً على كبح نفسه في وقف التدخلات التلقائية وغير المفيدة في دبلوماسية الأزمة.

إن قرار المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ببدء الأزمة من المرجح أن يكون له دلالة على الإشارات المتعددة التي تلقتها الدولتان من إدارة ترامب، وشعورهما بأن الرئيس الأمريكي زعيم حساس وعديم الخبرة؛ وبالتالي سيكون متعاطفاً معهم في موقفهم تجاه قطر. ولاتخاذ قرارهما انتهزت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارت العربية المتحدة فرصة تغيير الاوضاع لاختبار ما إذا كان ترامب (الشارد) ربما يبدأ بقطع العلاقات كاملة مع قطر، ولكن مع الاستعداد لممارسة استراتيجية عقابية طويلة الأمد من قطع العلاقات إذا كانت النتيجة غير محتملة للتطبيق. وفي حين أن التغريدات والتعليقات من ترامب قد أكدت على الأرجح تلك الدوافع الأولية، فإن التأثير الزائد لكبار القادة الرئيسيين مثل الأمناء (ماتيس وتيلرسون) وواجبات مؤسساتهما الخاصة قد كفل تجنب حدوث مثل هذه القرارات الكارثية. ولم يتم أخذ جهود المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بالحسبان إذ افترضا بسذاجة من أن قطر ستستسلم للمطالب الصارمة التي قُدِّمت للدوحة؛ ومع ذلك، يبدو أن ضبط النفس في الولايات المتحدة قد خفف أيضاً من توسع الطلبات الثلاثة عشر الأولى المقدمة لقطر، وجعلها ستة مبادئ أوسع، وهي تأكد هدفها بمكافحة التطرف؛ ومع ذلك، يبدو أن الحلف المناهض لدولة قطر على استعداد للسماح باستمرار الأزمة إذا لزم الأمر. 

كتب ترامب في سلسلة تغريدات على حسابه في موقع “تويتر”:

خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط أعلنت أنه لا يمكن أن يكون هناك تمويل لأيدلوجية التطرف، وأشار الزعماء إلى قطر – لاحظ!

من الجيد أن نرى أن الزيارة إلى السعودية للقاء الملك وزعماء 50 دولة، تأتي بثمارها بهذه السرعة. قالوا إنهم سيتأخذون موقفاً حازماً من تمويل التطرف…

…. التطرف، وكانت الإشارات كافة تدل على قطر. ربما سيكون ذلك بداية نهاية رعب الإرهاب!

وبينما يبدو أن الحلف المناهض لقطر مستعد للمواجهة التي ترسم الخطوط الفاصلة الخليجية، فإن المواجهة تمثل اختباراً للدبلوماسية الأميركية، ويجب على الولايات المتحدة أن تكون صبورة، وأن تتجنب اتخاذ أي قرار صريح من الجانبين، وأن تركز على السعي لتحقيق أولويات الولايات المتحدة التي قد تكون أكثر قابلية للتحقيق في أعقاب الأزمة.

الجدير بالذكر هو أن الجانب الموالي للأزمة -وهي الجبهة التي تقودها السعودية التي تضم الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر وقطر- يمثل بجدارة لعبة النفاق والرياء، فلدى طرفي الأزمة (الجبهة وقطر) بالواقع مظالم مشروعة، وعلى الولايات المتحدة أن تغتنم وبتروٍ فرصة الخلاف الخليجي، ومع الاستمرار في نشر حقائق تنتقص من الدول الخليجية وتخدم الحرب الدعائية بين الجانبين، سيكون للولايات المتحدة أيضا قدرة إضافية للإسراع بالخطوات الإصلاحية المناسبة.

تأريخ صعب

إن الخلاف بين هذه الدول ليس بجديد، وقد عرف ديناميات سياسية إقليمية منذ انتفاضات عام 2011، واتسمت السنوات اللاحقة بفوارق كبيرة حول الإسلام السياسي، والإخوان المسلمين، والميليشيات، وقناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام ذات الصلة، فضلاً عن التنسيق أو ضعف السياسات الإقليمية. وقد انتشرت في عام 2014 هذه الانقسامات وأسفرت عن سحب السفراء من قطر من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والبحرين. وفي حالة أن تلك الأزمة قد انتهت بعد خطوات تصالحية من جانب قطر، فإن الاختلافات الأساسية في وجهات النظر العالمية لن تحل أبداً؛ لأن حدة هذا الصراع يجعل بوضوح التوترات التي دامت لمدة طويلة غير مؤثرة.

إن قطر على حد سواء براغماتية وأيديولوجية في السعي إلى سياستها الإقليمية لفهم صدراة المملكة العربية السعودية في الشؤون الخارجية، واختارت قطر على مدى سنوات انتهاج سياسة المشاركة واسعة النطاق والوساطة الدبلوماسية باعتمادها على ثروتها الخيالية كخطوة لجعل نفسها عنصراً دبلوماسياً مستقلاً يمتلك علاقات ونفوذ قويين، وقد تم القيام بالكثير من ذلك؛ بهدف ضمان أن لا تكون قطر تحت رحمة السعودية، وشمل هذا التحفظ أيضاً إقامة علاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة.

ولكن قطر أبدت أيضاً -في كثير من الأحيان وبطريقة متهورة- التزاماً أيديولوجياً تجاه مجموعة واسعة من العناصر الإسلامية -كما هو الحال طوال فترة الحرب في سوريا-، ورأت قطر -في الوقوف بجانب الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة- أنها تمهد السبيل لعصر جديد لا مفرَّ منه في السياسة العربية، الذي سيهيمن عليه العناصر المتشدد؛ وبالتالي تُمنح قطر دوراً قيادياً في المنطقة. وقد دفعت هذه الإجراءات إلى استجابات محتدة ومضطربة في بعض الأحيان من جيرانها من دول الخليج، ولاسيما الإمارات العربية المتحدة التي اتبعت نهجاً حازماً وناشطاً تجاه جماعة الإخوان المسلمين وموقفاً غامضاً من استخدام الوكلاء المسلحين واستغلالهم.

لقد تنوع نهج المملكة العربية السعودية مع مرور الوقت عبر الرؤية الحاذقة للملك الراحل عبد الله والكراهية التي يكنها لجماعة الإخوان المسلمين التي تقود المملكة إلى اتخاذ موقف حازم ضد قطر فضلاً عن خليفته الملك سلمان الذي يسعى إلى مشاركة نافعة ومرنة مع كل من قطر وبعض من حلفائها الإسلاميين. وفي أعقاب هذا التحول، اعتقد بعض الإسلاميين أن النهج السعودي المعاد قياسه يتيح لهم فرصة للإصلاح بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدوها والقمع الثأري، ولكن هذا النهج لم يعد متاحاً؛ وبالتالي عملت المملكة العربية السعودية مرة أخرى على إعادة التنسيق وبإحكام مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

تأثير ترامب والآثار المترتبة على الأزمة:

إن إعادة المواءمة، إلى جانب تجدد خيبة الأمل السعودية مع قطر، تتفق مع الحقائق الإقليمية الجديدة والشكوك التي أنشأتها إدارة ترامب أدت جهود الرئيس ترامب المستمرة لإصلاح الجفاء مع المملكة وضعف التوجيهات في مجال السياسات إلى خلق بيئة متمكنة من خلالها تشعر كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالشجاعة لاختبار مدى استجابة الولايات المتحدة.

ومن المؤكد أن هذا الخطر ينطوي عليه مشكلات خطيرة، ولكن تداعياته يمكن السيطرة عليها، وقد أشار العديد من المراقبين إلى التأثير السلبي المحتمل للأزمة وأكدوا أن الأزمة “هددت عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية في الشرق الأوسط” إلّا إنه أمر مبالغ فيه. وفي حين أن الأزمة قد لا تحل على المدى القريب، فإنها لم ولن يكون لها تأثير مادي على العمليات العسكرية الحالية بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة، وقد تم التركيز بنحوٍ كبير على قاعدة العديد الجوية -أكبر منشأة عسكرية أميركية في المنطقة- ويقطنها 10 آلاف عضو من أعضاء الخدمات الأميركية، وتعمل كمحور للعمليات العسكرية الأميركية في العراق وسوريا وأفغانستان، ويعدُّ وجود الأعضاء في القاعدة شكلاً من أشكال الحماية لقطر، ولن تفعل الدوحة أي شيء فيما يتعلق بتعريض تلك العلاقات للخطر عبر القيام بأعمال ثأرية ضد الولايات المتحدة ما لم تتراجع إدارة ترامب عن مسارها وتضطلع بالسياسات الراديكالية المختلفة ضد قطر. وبينما كان هناك في السابق طاقم عمل خليجي في مجال الاتصال في القاعدة، إلا أن دورهم محدود ولا يؤثر على العمليات العسكرية الجارية.

 وفي حين أن الأزمة قد لا تحل على المدى القريب، فإنها لم يكن ولن يكون لها تأثير مادي على العمليات العسكرية الحالية بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة.

قيل إن الأزمة الأخيرة ستضر بجهوزية مجلس التعاون الخليجي (GCC)، وقد اقترح أنطوني كوردسمان أن الخليج ليس بحاجة إلى القيام بمحاولات من أجل وقف التعاون العسكري الفعال، لكن القيود المفروضة على التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والجهود المبذولة في تطوير العمل العسكري المشترك هي طويلة الأمد، وقد يزيد النزاع الأخير من عرقلة هذه المسائل، ولكنه لا يغيّر جذرياً المسار الصعب لهذه الجهود العسكرية، وفي حين أن هناك خططاً لبناء أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستية المتكاملة مع بنية تحتية كبيرة في قطر، لا توجد هنالك مؤشرات على أن تلك الخطط قد تأثرت.

وقد أثار آخرون إمكانية أن توسع الأزمة من دائرة العلاقات بين قطر وتركيا وفرص أخرى مع روسيا فضلاً عن زيادة النفوذ الإيراني في الخليج. فصحيح أن العلاقات بين تركيا وقطر من المرجح أن تتعمق أكثر، ولكن هذا التضييق في العلاقات قد سبق الأزمة الحالية، ويبدو أن الانقسام الذي تدعيه قطر مع دول الخليج من الصعب أن يستمر للأبد. أن حلف تركيا-قطر المؤيد للإخوان المسلمين سيستمر في كونه سمة من سمات المنطقة وأحياناً عقبة صعبة بالنسبة للسياسة الإقليمية الأميركية. غير أنه فيما يتعلق بروسيا وإيران، هناك حدود طبيعية لمدى تحسن العلاقات التي يمكن أن تتحقق، حتى لو ازدادت التجارة وغيرها من الأنشطة. وفي حين أن قطر هي مجتمع سني وهابي مع روابط عميقة مع بقية الخليج، وحليف وثيق للولايات المتحدة فإن هذه العوامل ستحد من قدرة قطر على تغيير جذري في علاقاتها ونهجها تجاه إيران.

وهناك تكاليف اقتصادية مرتبطة بمحاولة عزل قطر، ولاسيما أن مجتمعات دول الخليج واقتصادياتها مرتبطتان مع بعضهما بعضاً، إذ إن التأثير السلبي على التجارة والاستثمار حقيقي، ولاسيما إذا ترسخ الصراع واستمر، ولكن حتى الآن ما تزال الآثار الجانبية في المجال الاقتصادي والناجمة عن الصراع قائمة.

الخطوة التالية للولايات المتحدة

ينبغي للولايات المتحدة أن تواصل السعي للتوسط وتخفيف التوترات، ويجب أن تعطي الأولوية للأهداف السياسة التي قد يكون من السهل تحقيقها نتيجة للأزمة الراهنة، ولعل أكبر فرصة من هذا القبيل هي احتمالية تحسين العلاقات بين العراق والخليج؛ ويخلق الصراع الجديد دافعاً كبيراً نحو إعادة التوازن الخليجي مع العراق كطريق بديل لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي أعقاب الغزو الكارثي الذي قادته الولايات المتحدة واحتلالها للعراق، رأت دول الخليج أن عليها أن تكون متيقظة تجاه التطور السياسي في بغداد ورفضت إلى حد كبير النظام السياسي الذي يقوده الشيعة، وقد سبق ذلك الغزو سنوات من عزل العراق بسبب غزو صدام حسين للكويت في عام 1990. إن إعادة العلاقات مع العراق ودعم القادة العراقيين بطريقة توازي فيها العراق النفوذ الإيراني يستوجب أسلوباً فعالاً أكثر من التعامل مع العراق؛ بالمقابل لا يمكن للعراق أن يجازف بعلاقات سلبية مع طهران، ولكن هذا ليس عائقاً لا يمكن التغلب عليه أمام العلاقات المثمرة مع العالم العربي السني، وسيكون لها فائدة إضافية تتمثل في تقويض جهود تركيا والنتائج العكسية لتشجيع القيادة السنية العراقية التي أصبحت سامة في نظر العديد من القادة السياسيين العراقيين.

هنالك إشارات دلالية تحث على هذا الموضوع، إذ زار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بغداد في شباط 2017 -التي تعدُّ أول زيارة يقوم بها وزير خارجية سعودي منذ عام 1990-، فضلاً عن زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى الرياض في حزيران 2017، ووزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي الذي زار الرياض الاسبوع الماضي وأبرم اتفاقاً حول أمن الحدود يهدف إلى زيادة التعاون، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات. وإن الاجتماع الأخير على وجه الخصوص كان بارزاً  لنتائجه الملموسة أولاً ولوجود الأعرجي في المملكة العربية السعودية -وهو شخصية بارزة كان قد أعتقل في مناسبتين منفصلتين من قبل الولايات المتحدة وقد عاش سابقاً في إيران وكان عضواً في منظمة بدر- الذي لم يكن يصدق أنه سيأتي يوم تتعامل فيه السعودية مع قائد عراقي شيعي؛ وهذا يظهر تغييراً في السياسة السعودية، وتلا ذلك الاجتماع بسرعة وصول رئيس أركان القوات المسلحة السعودية الجنرال عبد الرحمن بن صالح إلى بغداد.

إن التعامل مع العراق ولاسيما في مثل هذه المرحلة الحساسة من تأريخ البلاد -الذي تحقق فيه القوات العراقية نجاحاً حقيقياً في حملتها العسكرية ضد داعش- يتيح فرصة حقيقية لإعادة دمج بغداد إلى داخل الجناح العربي، ومع ارتفاع أولوية الأهداف لدى العراق داخل جدول الأعمال السياسي والمتمثلة بإعادة إعمار البلاد والوساطة السياسية، تمنح دول الخليج فرصة لاعادة بناء علاقات متينة بين العراق والعالم العربي، وتحد من جهود إيران الرامية في صناعة مشروع السلطة السياسية، وقد تشجع العلاقات الناجحة بين العراق ودول العالم العربي أيضاً ردود فعل غير عسكرية أخرى على النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة، وهو أمر يفتقر إليه بشدة في الحملة العسكرية التي يقودها السعوديون في اليمن.

ینبغي للولایات المتحدة أن تستخدم الصراع الحالي لتعزیز دبلوماسيتها في سوریا من خلال السعي إلی تمییز السیاسة السوریة السعودية عن قطر التي لا زالت تعمل بمفردها بطرق غیر مثمرة، ويبدو أن المملكة العربية السعودية خاضعة لاستدامة نظام الأسد، وينبغي أن تستخدم التحولات الخاصة بها فيما يتعلق بالسياسة السورية كحافز إضافي للجهود الدبلوماسية الأميركية الروسية الحالية التي حظيت بتأييد كبير من الأردن.

على الولايات المتحدة أن تستخدم قوتها للضغط أكثر على قطر بصدد القضايا المعروفة بتمويل الإرهاب ودعم التشدد.

وينبغي للولايات المتحدة أيضاً -كمصدر لحماية نفسها في النزاع الحالي- أن تستخدم نفوذها للضغط على قطر أكثر بشأن القضايا المعروفة بتمويل الإرهاب ودعم التشدد، وإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الشهر الحالي بين الولايات المتحدة وقطر حول هذه القضية هو أول خطوة واعدة لذلك الأمر، ولكن هنالك كثير مما ينبغي عمله فيما يتعلق بهذا الصراع، بما في ذلك الضغط على قطر للتخلي عن العمل بمفردها بطريقة مدمرة في دعمها للمتمردين والمسلحين في سوريا. يقول الكاتب: “لقد كانت القضية منذ مدة طويلة تتسبب بإزعاج الولايات المتحدة وبعض القادة والمسؤولين العرب، وقد أثيرت كمشكلة كبيرة في العديد من مناقشاتي معهم على مرِّ السنين، ويجب على الولايات المتحدة أن تسعى إلى كبح الغوغائية الطائفية والدعم الصريح للتطرف الذي غالباً ما يبث على قناة الجزيرة”. على الرغم من أن شبكة قناة الجزيرة قد وسعت من مساحة الأصوات المعارضة في المنطقة، إلا أن تغطيتها العربية تخلت منذ مدة طويلة عن أي ذريعة للموضوعية وأصبحت محركاً للديناميات السلبية، وإن تغيير لهجة تغطيتها هو طلب معقول تماماً من قبل الولايات المتحدة، وستحاول صراحة وبشتّى الطرق على منع نشر وجهات النظر الطائفية والمتشددة.

وبطبيعة الحال، فإن الجانب الآخر من هذا الصراع غالباً ما يكون مذنباً في كثير من هذه الخروقات، ويجب على الولايات المتحدة أن تستغل هذه الأوضاع للإصرار على أن تلك الجبهة المناهضة لقطر كسبت المؤيدين من أجل هذه الخروقات، ولا تزال المملكة العربية السعودية -على وجه الخصوص- هدفاً معروفاً بشأن مسألة تمويل الإرهاب. وفي حين أن هذه الادعاءات هي في بعض الأحيان مبالغ فيها، فإن السعودية ما تزال تواجه دون شك تحديات على هذه الجبهة، ويمكن بالتأكيد أن تفعل المزيد من أجل إضعاف النزعة الإقليمية؛ وأوضح مثال على ذلك هو جهدها العسكري في اليمن، حيث مكن نهجها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأتاحت للمجموعة فرصة إجراء العمليات الإرهابية والتوسع كذلك.

ومن الأمثلة الأخرى على ذلك وجود أنشطة لجمع التبرعات لطالبان والمسؤولين الذين يرتبطون بجماعة طالبان في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد أوضحت برقية أصدرها موقع ويكيليكس أن القضية كانت منذ مدة طويلة تحت انظار المسؤولين الأميركيين، وأن المباحثات مع القادة الأفغان أشارت إلى ذلك كمصدر للقلق؛ ويعدُّ هذا المثال واحداً من العديد من الأمثلة، وأن عرض هذه الأمثلة في الوقت الحاضر يمكن أن يكون هدفاً فعالاً للإصرار على إعطاء اهتمام أكثر لهذه القضايا.

إن السبب وراء هذه الخطوات السياسة الأميركية واضح -على سبيل المثال إعادة دمج العراق في العالم العربي واستعادة قدر من التوازن الإقليمي- وسيكون هدفاً مهماً حتى لو حُلت أزمة الخليج على المدى القريب؛ غير أن نجاح أيٍّ من هذه الجهود سيعتمد على الدبلوماسية المتحفظة والحيادية للولايات المتحدة. وإن التصريحات غير الملائمة وغير المدروسة من قبل الرئيس الأمريكي يمكن أن تخلق فقط التعتيم وتشجع السلوك المتهور، ولكن إذا لم يتدخل الرئيس ترامب، فإن الأزمة الحالية يمكن إدارتها، بل وربما يمكن استثمارها ليسرع من تحقيق أولويات السياسة الأمريكية.


 

المصدر:

https://tcf.org/content/commentary/dont-let-gulf-crisis-go-waste/