جورج كانتشيف، وسارا  كينت، وإيرين أيلورث

تسعى شركات النفط إلى خفض تكاليف الإنتاج، وإلى تقليص حجم المشاريع، ومعالجة ثقافة التبذير؛ إذ سيكون شعارها الجديد هو “أسعار منخفضة لمدة أطول”.

المسح الشهري لصحيفة وول ستريت جورنال، البنوك
المسح الشهري لصحيفة وول ستريت جورنال، البنوك

بعد ثلاث سنوات على الهبوط الحاد الذي شهدته أسعار النفط الخام، خضعت صناعة النفط والممولون لهذه الصناعة أخيراً إلى فكرة (أسعار منخفضة لمدة أطول)؛ مما قد ينهي من الأزمة في القطاع.

انخفض سعر خام برنت يوم الاثنين -حسب المؤشر الدولي- بنسبة 59% منذ أن وصل إلى أعلى مستوى له عند 115.06 دولار للبرميل قبل ثلاث سنوات، ويعد أيضاً غرب تكساس الوسيط (WTI) -وهو مقياس الولايات المتحدة- أقل بنسبة 59% مقارنة بالارتفاع الذي حصل بعد يوم واحد بقيمة 107.26 دولار.

وأدى الانخفاض الحاد إلى تراجع في أرباح شركات النفط، والركود الذي امتد من روسيا إلى فنزويلا، والتقليص الكبير في الوظائف بحقول النفط في العالم، لكن الآن تتكيف الدول البترولية والممولون وشركات النفط الكبرى مع عالم يرون فيه أن أسعار النفط تتراوح بين 50 الى 60 دولاراً للبرميل كتوازن جديد، ولم يكن أمام الصناعة سوى خيار يسير لقبول الواقع الجديد بعد أن فشلت منظمة الدول المصدرة للبترول وغيرها من المنتجين الكبار في رفع أسعار النفط بالحد من إنتاجها، وكان آخرها في اجتماع عقد في شهر أيار الماضي.

خفض المنتجون التكاليف، وركزوا على منافع مربحة بنحوٍ أكبر، ولم يعدوا ينفقون الأموال في مشاريع مكلفة في أماكن مثل القطب الشمالي، وقد ساعدت قدرتهم على الربح بأسعار نفط أقل على  شعور المستثمرين بالارتياح، وبدأوا بتمويل مشاريع جديدة مرة أخرى، على الرغم من أن النقاش ما زال حاداً حول احتمالية أن تكون أزمة العرض تحت مستوى الخط الطبيعي.

يقول دانييل ييرجين نائب رئيس شركة (HIS Markit) ومراقب سوق النفط منذ مدة طويلة: “لقد أصبحت فكرة (أسعار منخفظة لمدة أطول) شعاراً جديداً في الصناعة. وإن الناس تأقلمت مع مستوى السعر الجديد الذي يتراوح ما بين 50 دولاراً إلى 60 دولاراً وهو يبدو مقبولاً  لمعظمها”.

ومما لا شك فيه أن هذا المجال غير مريح بالنسبة لبعض البلدان والشركات، ولاسيما في قطاع الخدمات، التي لا تزال تكافح؛ فقد انهارت فنزويلا اقتصادياً في استهلاك الوقود، وما زالت بعض الدول، مثل العراق، تواجه تحديات اقتصادية.

انخفضت أسعار النفط يوم الاثنين، مع انخفاض برنت بنسبة 1٪، إلى 46.91 دولاراً للبرميل، وانخفض الخام الأميركي بنسبة 12٪ ليصل إلى 44.20 دولاراً.

ولكن بالنسبة للآخرين، فإن المستوى الجديد يعد بمنزلة الفرج الذي أتى بعد مزيج من الإنتاج الصخري الأميركي المزدهر، فقد خفض ضخ المملكة العربية السعودية المستمر من النفط الخام إلى مستويات أدنى من العقد وبأقل من 30 دولاراً مطلع العام الماضي.

وقد فتح الحفارون الأميركيون الطريق إلى التكيف مع انخفاض الأسعار، وقبل الإفلاس، كان المنتجون يحتاجون في كثير من الأحيان ما يقارب 80 دولاراً إلى 85 دولاراً من النفط للبرميل للتقاسم بالعدل.

إذ بإمكان منتجي الصخر الزيتي العاملين في عدد من الحقول أن يتعادلوا في سعر النفط اليوم بحوالي 50 دولاراً إلى 60 دولاراً -على وفق شركة بيانات النفط والغاز ريستاد إنيرجيRystad Energy-. هناك عدد من الشركات التي اعتادت على كسب المال من خلال عملها في الآبار بحدود 40 دولاراً للنفط.

وحينما بدأ سعر النفط بالانخفاض، شك بريان شيفيلد الرئيس التنفيذي لشركة بارسلي إنيرجي (Parsley Energy) بشركته أوستن (Austin) التي تتخذ من ولاية تكساس مقراً لها، وقال فيما يخص انخفاض أسعار الأسهم في وقت ما: “في السنة الأولى، لم أكن متأكداً من أننا سننجو، إذ تراجعت أسعارنا من 17 دولاراً إلى 11 دولاراً في مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام”.

ومنذ بداية عام 2015، أعلن 105 من المنتجين و١٢٠ شركة في خدمات حقول النفط إفلاسهم -على وفق شركة المحاماة الدولية (Haynes & Boone LLP)-. في بيئة أكثر هدوءاً، قد يكون هنالك مذكرتا إفلاس أو ثلاث بين منتجي النفط والغاز في السنة الواحدة، وعدد أكثر بقليل من المذكرات بين شركات الخدمات الأصغر حجماً.

لقد دأب الحفارون الصخريون الأميركيون في التركيز على أفضل الأراضي الخاصة بهم وإجراء تحسينات تكنولوجية عليها، مثل حفر آبار كبيرة مع المزيد من الرمال للتوفير من خلال مقاييس اقتصادية.

باعت شركة (Parsley) مراراً وتكراراً أسهماً لجمع الأموال وتعزيز ميزانيتها العمومية والسماح بإجراء عمليات الاستحواذ في حوض (Permian)، وهو حقل تنقيب في غرب تكساس الذي أصبح واحداً من أكثر الأماكن الاقتصادية في الولايات المتحدة للعمل فيها حيث يمكن للمنتجين كسب المال خلال عملهم على الآبار حتى في أسعار النفط المنخفضة.

أما في الوقت الحالي، فقد صرح السيد شيفيلد أنه بإمكان شركة (Parsley) أن تستمر في التوسع حتى وإن انخفضت أسعار النفط إلى 40 دولاراً للبرميل.

أيضاً باستطاعة شركات النفط والغاز في العالم والمعروفة باسم (Big Oil)[1] أن تستقر لمدة أطول على النفط الخام رخيص الثمن.

وقد أشارت كل من شركة شيفرون كورب (Chevron Corp) وشركة رويال داتش شل (Royal Dutch Shell PLC) وشركة إكسون موبايل كورب (Exxon Mobile Corp) وشركة (BP PLC) إلى أنهم سيتمكنون من إصدار ما يكفي من النقود على أسعار البرميل الواحد؛ أي ما يعادل ٦٠ دولاراً للبرميل لتغطية النفقات ودفعات أصحاب الأسهم هذا العام، وهو محور رئيس للمستثمرين الذين يشعرون بالقلق حيال سلامة أرباح الأسهم، وحين احتساب سعر البرميل بحوالي 50 دولاراً فإن الصورة تصبح غير واضحة ومتشابكة لكن الشركات تقول إنها تركز على العيش في حدود إمكانيتها حتى في هذا السعر.

في الربع الأول من عام 2017، سجلت العديد من شركات النفط الكبرى أعلى أرباحها في أكثر من عام، وقد انتعشت الاستثمارات مرة أخرى؛ إذ أصبحت جهود خفض التكاليف سارية المفعول.

عمال حقول النفط على برج الحفر النفطي في ولاية داكوتا الشمالية في عام 2013. أسعار النفط القياسية للولايات المتحدة هي 59٪ وهي أقل من أسعارهم العالية التي كانت في عام 2014. التقطت الصورة عبر وكالة (GETTY IMAGES): كين سيدينو / كوربيس.
عمال حقول النفط على برج الحفر النفطي في ولاية داكوتا الشمالية في عام 2013. أسعار النفط القياسية للولايات المتحدة هي 59٪ وهي أقل من أسعارهم العالية التي كانت في عام 2014. التقطت الصورة عبر وكالة (GETTY IMAGES): كين سيدينو / كوربيس.

أمضت شركة (BP) البريطانية في تراجعها هذا العقد في أعقاب تفجيرها الكارثي الذي حصل في خليج المكسيك عام 2010؛ بسبب تراجع أسعار النفط. وعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط، فإن الشركة تستعد الآن لنمو قوي؛ إذ تخطط لإضافة 800000 برميل يومياً من الإنتاج الجديد بحلول عام 2020، ففي الأسبوع الماضي، قالت شركة (BP) إنها تخطط لصرف 6 مليارات دولار مع شريك ريليانس للصناعات المحدودة (Reliance Industries Ltd)؛ لتطوير مشاريع الغاز في خارج الهند.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة (BP) بوب دودلي (Bob Dudley) للمستثمرين في الاجتماع السنوي للشركة الشهر الماضي: “عبر مشاريع الأعمال نحن نبذل قصارى جهدنا ونعمل بأقصى قدر ممكن من القوة والفعالية”.

تتداول أسهم شركة (Shell) و(Exxon) عند المستويات الأكثر تداولاً في عام 2011 إلى عام 2014، حينما كانت أسعار النفط أعلى من 100 دولار للبرميل؛ مما يدل على أن المستثمرين يعتقدون أيضاً بإمكانية شركات النفط الكبرى على التعامل مع الأسعار المنخفضة، وقد أدت الشركات إلى خفض التكاليف من طريق الضغط على الموردين والمتعاقدين، وتقليل المشاريع الأقل ربحية، وشرعت ثقافة الإنفاق لمرة واحدة، ويعد كل هذا تغيراً كبيراً منذ ثلاث سنوات فقط.

وقد أعلن وزير النفط السعودي آنذاك علي النعيمي في عام 2013 أن سعر البرميل يقدر بـ 100 دولار وهو “سعر معقول” للمستهلكين والمنتجين، وقال بعض المحللين إن كثيراً من الناس في صناعة النفط لا يريدون أن يروا هذا السعر مرة أخرى؛ وذلك لأن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى ازدهار الاستثمار الكبير الذي دعم وفرة المعدات العالمية وحطم السوق. وفي العراق اليوم، تتخلل مدينة البصرة النفطية مشاريع البناء التي لم تنته بعد، ومشاريع الطرق السريعة التي لا تحرز تقدماً إذ انهار سعر النفط.

يساعد النفط رخيص الثمن اقتصاديات المستهلكين الرئيسين مثل الولايات المتحدة وأوروبا، وقد سجل سائقو السيارات الأميركيون عدداً قياسياً من الأميال في العام حتى مارس، على وفق ما ذكره البنك الاحتياطي الفدرالي لولاية سانت لويس.

وقال روب ثوميل (Rob Thummel)، الذي يدير أصول الطاقة في شركة تورتوز كابيتال أدفيسورس (Tortoise Capital Advisors): “فيما يخص النفط فإن سعر البرميل الواحد من 50 دولاراً إلى 60 دولاراً يعد خبراً جيداً لكل من المستهلكين والمنتجين”.

وفي حين أن الأسعار تتداول دون هذا المستوى -ويرجع ذلك جزئياً إلى نجاح الحفارين في التكيف- فهو نطاق استمر كثيراً في هذا العام ويتوقع المحللون أن يستمر للنهاية.

وعلى مدار العام الماضي، تراجع المحللون عن توقعاتهم بشأن أسعار النفط؛ ففي دراسة استقصائية أقامتها صحيفة وول ستريت جورنال في شهر أيار، توقع المحللون أن يبلغ سعر خام برنت 59 دولاراً للبرميل في العام المقبل، مقارنة بـ 68 دولاراً في الدراسة الذي أقامتها قبل عام. أما ما يخص العام 2019، فإن المحللين يتوقعون أن يكون سعر برنت بحدود 60 دولاراً للبرميل، وهو أقل من القيمة المتوقعة في شهر أيار الماضي إذ كانت 76 دولاراً.

وتعد قدرة منتجي الصخر الزيتي على التكيف أمراً أساسياً، وبسبب توجه الأسعار نحو الصعود، فبإمكانهم أن يتيحوا الفرصة في الحكم على أسعار النفط بالتراجع وضمان سعر محدد النطاق.

قد تكون صناعة النفط أيضاً خاطئة، وقد تستمر الأسعار في الانخفاض، وقد يؤدي التباطؤ في الصين -ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم- إلى التأثير في الطلب. ومن جانب العرض، يمكن لأوبك والمنتجين الآخرين التخلي عن اتفاقهم بشأن خفض الإنتاج.

ولكن صناعة النفط تشعر بالرضا تجاه نفسها، إذ بدت الأمور جيدة في الاجتماع الكبير الذي عقد هذا العام وهو مؤتمر سيراويك هيوستن (Houston’s CERAWEEK)، فحينها صرح صاحب شركة (BP) السيد دودلي قائلاً: “لا أعتقد أنني سمعت أحداً من الحاضرين يضحك العام الماضي بشأن أي شيء؛ وهذا يعني أننا نتجه نحو نقطة تفاهم وتوازن”.


[1] Big Oil: هو اسم يستخدم لوصف سبع أو ثماني أكبر شركات النفط والغاز في العالم، ويعرف أيضاً باسم سوبيرماجورس.


المصدر:

https://www.wsj.com/articles/three-years-on-oil-industry-comes-to-terms-with-cheap-crude-1497864605?mg=id-wsj