هل فقدت الحكومات الغربية -التي تواجه الناخبين  الغاضبين- القدرة على رفع الضرائب؟ تم طرح هذا السؤال بسبب المنعطف الذي سلكته الحكومة البريطانية بإعلانها تدابير الميزانية الجديدة في الأسبوع الماضي، إذ انسحبت الحكومة حينما واجهتها المعارضة والصحافة اليمينية، وهو ما يُذَكرنا إلى حد ما بأمريكا حينما رفض الجمهوريون تدابير رفع الضرائب.

تعدُّ الزيادة البريطانية المخطط لها بمواءمة المعدلات الضريبية بين العاملين في القطاع العام والعاملين لحسابهم الشخصي أمراً منطقياً، وإذا ما تم التراجع عنها فستتكون فجوة تدمر القاعدة الضريبية على المدى البعيد.

يتفق معظم الاقتصاديين على أن المعاملة الضريبية التفضيلية تميل إلى انحراف الهدف الضريبي نحو انعدام المكاسب على المدى الطويل، لكن الحكومة قدمت وعوداً في انتخابات عام 2015 بعدم رفع ضريبة الدخل، والتأمين الوطني أو ضريبة القيمة المضافة (الضرائب الثلاث التي تشكل نحو ثلثي الإيرادات).

9875645ناضلت عائدات الضرائب البريطانية للوصول إلى ناتج محلي إجمالي أعلى من 35% منذ أواخر الثمانينيات (كما يظهر بالشكل)؛ وتعد هذه مشكلة كبيرة إذ كان الإنفاق الحكومي يتجاوز نسبة 35% وفي الغالب يصل أعلى من 40%.

لم تكن المملكة المتحدة هي الوحيدة التي عانت من تجاوز عائدات الضرائب، إذ كان متوسط إنفاق منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية منذ عام 2000 إلى عام 2016 40.9% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة، وكانت عائدات الضرائب 37% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد وصلت عائدات الضرائب في المملكة إلى 38% من الناتج المحلي الإجمالي في عامين فقط (2000 و2015)، ومنذ عام 2008، تجاوز الإنفاق الحكومي 40%؛ ونتيجة لذلك ارتفع متوسط الدين من 67.4% في عام 2000 إلى 116.3% في العام الماضي؛ وقد تسبب ذلك في خلق أزمة في زمن سابق، وهو ما حدث في عدد من البلدان التي لا توجد فيها بنوك مركزية مثل اليونان وأيرلندا، وكانت البلدان التي تمتلك بنوكاً مركزية خاصة قادرةً على تخفيض أسعار الفائدة (تقليل تكلفة خدمة الديون)، والحرص على مواصلة برامج التيسير الكمي (QE) التي تقوم في الواقع على شراء الديون.

لقد اتبعت العديد من الحكومات برامج التقشف، وبطبيعة الحال كانت تلك البرامج مثيرة للجدل؛ أولاً: كانت الدول تميل إلى التركيز على الإنفاق الاجتماعي الذي يميل لصالح الأكثر فقراً في المجتمعات. ثانياً: قامت بتخفيض رأس مال ميزانيات الإنفاق على البنى التحتية مثل المدارس والمستشفيات والطرق، وهو ما يمثل الوضع الأكثر فائدة للحوافز الكينزية([1]) في برامج التقشف.

في حين أن هناك حججاً جيدة ومتكررة حول تقدم البنية التحتية في كثير من البلدان، يكمن السؤال حول إمكانية برامج التقشف في توليد ما يكفي من النمو لإعادة توازن الاقتصاد على المدى الطويل، لم تستطع دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من تحقيق فائض أولي (موازنة العوائد مع النفقات) منذ عام 2001، حتى ولو كان هناك طفرة في منتصف الألفيات. يقول الخبير الاقتصادي آن بيتيفور أنه بإمكان الحكومات فرض الضرائ، وبإمكانها أيضاً تخفيضها من خلال استبدال العمالة غير آمنة ومنخفضة الأجر بالعمالة التي تمتلك مهارات عالية ومرتفعة الأجر، وقد يكون ذلك أمراً يرغب به الجميع بالتأكيد ولكن لن يتم ذلك بسهولة، إذ إن تعليم القوى العاملة يستغرق وقتاً طويلاً، ولاسيما إذا كان عليك البدء بمستوى المدرسة.

تتمثل المشكلة الأساسية في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية هي أن سكانها يزدادون سناً؛ مما يعني زيادة مطردة في الإنفاق على الصحة والمعاشات التقاعدية، وهذا يجعل من الصعب تخفيض نسبة الإنفاق العام، وفي الوقت نفسه فإن نسبة السكان الذين هم في سن العمل تتراجع بنحو كبير وهو ليس جيداً لعائدات الضرائب.

باستطاعة الحكومات رفع الضرائب ولكننا نعيش في عصر يتنقل فيه الناس من مكان لآخر، وليس من قبيل الصدفة أن عائدات الضرائب البريطانية بدأت بالتراجع في الثمانينيات حينما تم تحرير أسواق رأس المال، فيتنقل الأفراد إلى بلدان أخرى هرباً من الضرائب المرتفعة في بلدانهم، فالحكومات تتنافس لخفض معدلات ضريبة الشركات لجذب الشركات متعددة الجنسيات، وكما رأينا: لا توجد إرادة سياسية لرفع الضرائب؛ وذلك يشير إلى وجود مشكلة هيكلية.

لا تكمن المشكلة في تلك اللحظة بإدراك حقيقة وجود معدلات ضريبية منخفضة، ولكن تخيّل فيما لو كان الدين المترتب على بريطانيا اليوم مصحوباً لمستويات العائد لعام 2000، فحينها ستكون مدفوعات الفائدة 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من ضعف مدفوعات الفائدة الحالية.

لو لم تتمكن الحكومة البريطانية من رفع الضرائب اللازمة لتمويل الإنفاق كما يرغب الناخبون، فإن المملكة ستلجأ لتدخل البنك المركزي بنحوٍ دائم في الاقتصاد، مع وجود أسعار فائدة منخفضة جداً؛ ويتمثل الاختبار الأكبر فيما إذا كان باستطاعة الحكومات التي تعاني من العجز الهيكلي تمويل أنفسها بثمن بخس حتى مع حصولها على مساعدة البنك المركزي على المدى الطويل.


المصدر:

http://www.economist.com/blogs/buttonwood/2017/03/cant-tax-wont-tax


[1] النظرية الكينزية: أسس هذه النظرية الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، وتركز هذه النظرية على دور كلا القطاعين العام والخاص في الاقتصاد؛ أي: الاقتصاد المختلط، حيث يختلف كينز مع السوق الحرة (دون تدخل الدولة)، أي إنه مع تدخل الدولة في بعض المجالات.